كشفت صحيفة 'واشنطن بوست' في مقال تحليلي لهيئتها التحريرية، أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ضلل الرأي العام العالمي والأمريكي على حد سواء عندما أعلن يوم الخميس الماضي أنه سيستغرق ما يصل إلى أسبوعين لاتخاذ قرار بشأن قصف إيران. وأكدت الصحيفة أن التطورات اللاحقة أثبتت أن قرار الهجوم كان قد اتخذ مسبقًا، مشيرة إلى أن الولايات المتحدة قد انخرطت في 'حرب ضروس' مع طهران.
إعلان مفاجئ عن تدمير المنشآت النووية الإيرانية
في خطاب ألقاه يوم السبت، فاجأ الرئيس ترامب العالم بإعلانه أن الولايات المتحدة 'دمرت بالكامل' المنشآت النووية الإيرانية في نطنز وفوردو، بالإضافة إلى موقع في أصفهان يضم منشأة لتحويل اليورانيوم. وقد دعا ترامب طهران إلى 'صنع السلام'، محذرًا إياها من أنها قد تواجه 'مأساة أكبر بكثير مما شهدناه خلال الأيام الثمانية الماضية'، ومشددًا على وجود العديد من الأهداف الأخرى التي يمكن للولايات المتحدة ضربها.
غموض استراتيجي وتداعياته الداخلية
انتقدت الصحيفة بشدة إقدام ترامب على 'الزج بالولايات المتحدة في حرب ضروس مع إيران'، مبدية دهشتها من استعداد الجيش الأمريكي التام لهذه المواجهة، بينما بدت بقية مؤسسات الدولة غير مستعدة. وتساؤلت الصحيفة عن تعريف ترامب لـ'السلام' الذي ينشده، هل هو التزام طهران بعدم السعي لامتلاك أسلحة نووية، أم إنهاء العنف الذي ترعاه إيران في الشرق الأوسط، أم تغيير النظام؟
وذكّرت 'واشنطن بوست' بأن ترامب كان قد طالب بـ'استسلام غير مشروط' قبل الضربات، متسائلة عما إذا كان سيقبل بأقل من ذلك، وكم من الموارد الأمريكية سيُخصص لتحقيق هذا الهدف. واعتبرت الصحيفة أن الغموض الاستراتيجي، وإن كان مفيدًا في تضليل الخصم، إلا أنه 'غير مقبول في الداخل'، خاصة بالنسبة للأمريكيين وممثليهم في الكونغرس، الذين يمنحهم الدستور سلطة إعلان الحرب. وشددت على أن هؤلاء يحتاجون إلى وضوح تام بشأن ما يسعى إليه ترامب وكيف يعتزم تحقيقه.
التزامات ما بعد الهجوم وخطورة تغيير النظام
أشارت الصحيفة إلى أن ترامب، باختياره خوض هذا الصراع استنادًا إلى امتلاك الولايات المتحدة قنابل خارقة للتحصينات قادرة على تدمير المنشآت النووية الإيرانية، أصبح 'ملزمًا بتحقيق ما ادعاه مساء السبت، أي تدمير البرنامج النووي الإيراني بالكامل'. وأوضحت أن ذلك لا يعني فقط قصف المواقع المستهدفة، بل أيضًا القضاء على أي قدرة متبقية لإنتاج أسلحة، ثم التوصل إلى اتفاق مع طهران يُنهي برنامجها النووي نهائيًا.
وحذرت الصحيفة من أن هذا المسار سيكون محفوفًا بالتعقيدات، حيث من المرجح أن تسعى الحكومة الإيرانية بعد الضربات إلى تأمين نظامها عبر السعي سرًا لامتلاك السلاح النووي بوتيرة أعلى من السابق، ما قد يؤدي إلى تجدد الدعوات لإسقاط النظام. ودعت 'واشنطن بوست' ترامب إلى 'إنكار أي نية لتغيير النظام'، مشيرة إلى أن إسقاط النظام الإيراني سيكون 'أكثر تعقيدًا من التجربتين الأمريكيتين في العراق وأفغانستان'. كما شددت على ضرورة أن 'يكبح الرئيس جماح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو'، الذي قد يسعى لتوسيع نطاق الحرب، معتبرة أن نتنياهو قد جرّ الولايات المتحدة إلى هذه المواجهة، ويجب على ترامب ألا يسمح له بفرض شروط إنهائها.
تفاعل إيران ومخاطر التصعيد الإقليمي
ربطت الصحيفة مصير التصعيد بتفاعل إيران مع التطورات الميدانية. ولفتت إلى أن الغارات الجوية الإسرائيلية، خلال أكثر من أسبوع، أضعفت القدرات الصاروخية الإيرانية، وأسفرت عن مقتل عدد من كبار القادة العسكريين الإيرانيين، ما تسبب في اضطراب كبير في القيادة والسيطرة. ومع ذلك، حذرت الصحيفة من أن إيران لا تزال تمتلك القدرة على استهداف المصالح الأمريكية، بما في ذلك القوات الأمريكية البالغ عددها نحو 40 ألف جندي في الشرق الأوسط، إلى جانب احتمالات تعطيل الملاحة في مضيق هرمز، أو استهداف حلفاء واشنطن في المنطقة، في محاولة لإشعال نزاع إقليمي أوسع.
سيناريوهات مستقبلية ومطالبات بالوضوح الاستراتيجي
رجحت 'واشنطن بوست' احتمالين: الأول أن تقلص إيران ردها بعد استسلامها، وأن تبدي استعدادًا للتفاوض على اتفاق يفرض قيودًا دائمة على أنشطتها النووية. والثاني أن تتجه المنطقة نحو تصعيد متبادل من الضربات والردود، مشيرة إلى أن تدمير مواقع نووية منفصلة قد يكون أسهل من شل قدرة إيران على شن هجمات غير تقليدية أو التأثير على حركة التجارة في الخليج. وضربت مثالًا بالحوثيين المدعومين من طهران، الذين تمكنوا من تهديد الملاحة في البحر الأحمر رغم جهود دولية مكثفة لردعهم.
واختتمت الصحيفة مقالها بالقول إن المجهول الآن هو إلى أي مدى سيشعر ترامب بأنه مُجبر على إنهاء هذه التهديدات بالقوة، أو على الأقل محاولة ذلك، وإلى أي مدى سيرضى بفرض قيود على البرنامج النووي فقط، دون السعي إلى الحد من قدرة إيران على إنتاج أو استخدام أسلحة تقليدية. كما تساءلت عن المدة التي قد يطيل فيها أمد الحرب لتحقيق أهداف تتجاوز احتواء البرنامج النووي، مشددة على أنه 'لا يوجد شيء استراتيجي في بقاء الموقف الأمريكي غامضًا حيال كل هذه القضايا، خصوصًا في وقت يسعى فيه البيت الأبيض إلى حشد تأييد داخلي لصراع لم يكن أحد يتوقعه قبل أسابيع فقط.'