في ظل تصاعد وتيرة المعارك وتزايد المخاوف من تقسيم البلاد، يشهد السودان سباقًا محمومًا بين طرفي النزاع لتشكيل حكومتين متوازيتين، في خطوة قد تُعقد المشهد السياسي وتُلقي بظلالها على مستقبل الدولة السودانية. فمن بورتسودان شرقًا إلى نيالا غربًا، تتشكل ملامح سلطتين متنافستين تسعيان لحيازة الشرعية قبل أن تُلقي الحرب أوزارها.
واتجه قائد الجيش السوداني ورئيس مجلس السيادة الانتقالي، عبد الفتاح البرهان، وحلفاؤه نحو تشكيل حكومة جديدة في بورتسودان. وتوج هذا التوجه بتعيين كامل إدريس رئيسًا للوزراء. ويُعد إدريس أول رئيس وزراء يُعين في هذا المنصب منذ استقالة عبد الله حمدوك في يناير 2022، والتي جاءت على خلفية تعثر التوافق بين القوى السياسية والصراعات التي نجمت عن قرارات الجيش بإقالة الحكومة المدنية في 25 أكتوبر 2021.
يأتي تعيين إدريس في ظل أوضاع سياسية وأمنية بالغة التعقيد يشهدها السودان منذ اندلاع الحرب في أبريل بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع. وقد أدت هذه الحرب إلى فراغ إداري كبير وشلل في مؤسسات الدولة، فضلًا عن كارثة إنسانية تمثلت في نزوح 13 مليون سوداني، منهم 4 ملايين نزحوا إلى دول الجوار، مما يضع على عاتق الحكومة الجديدة في بورتسودان تحديات جسيمة.
"تأسيس" في نيالا: قوات الدعم السريع وحلفاؤها
في المقابل، وعلى بعد آلاف الكيلومترات غربًا، وتحديدًا في مدينة نيالا بولاية جنوب دارفور، شهد الأسبوع المنصرم إعلانًا رسميًا عن الهيئة القيادية لتحالف السودان التأسيسي 'تأسيس'. يرأس هذا التحالف قائد قوات الدعم السريع، محمد حمدان دقلو، المعروف بـ 'حميدتي'. ويهدف 'تأسيس' إلى تشكيل حكومة موازية للسلطة القائمة في بورتسودان، في تحدٍ مباشر لسلطة الجيش.
ويُظهر هذا التحرك عزم قوات الدعم السريع على إيجاد مظلة سياسية لسلطتها، خاصة في ظل استمرار المعارك في العديد من مناطق السودان، رغم الدعوات المتكررة لإنهاء الحرب واللجوء إلى الحلول السلمية.
مع استمرار الاشتباكات وتشكيل حكومتين متوازيتين، تتصاعد المخاوف من تقسيم البلاد، وهو سيناريو يحذر منه العديد من المراقبين والمحللين الإقليميين والدوليين. فوجود سلطتين متنافستين، كل منهما تسعى لترسيخ شرعيتها وسلطتها، قد يؤدي إلى تفاقم الأزمة وتقويض أي جهود مستقبلية لإعادة بناء الدولة السودانية الموحدة.
تطرح هذه التطورات تساؤلات حاسمة حول مستقبل السودان: هل ستنجح هذه المبادرات في إرساء دعائم استقرار حقيقي، أم أنها ستزيد من تعقيد المشهد وتمهيد الطريق لمزيد من الصراع والانقسام؟ وهل ستكون هناك قوى إقليمية ودولية قادرة على إحداث اختراق في هذا الجمود السياسي والعسكري لإجبار الأطراف على طاولة المفاوضات والتوصل إلى حل شامل يجنب البلاد مصيرًا مجهولًا؟