أعلنت الحركات المسلحة الموقعة على اتفاقية "سلام جوبا" أنها لن تلتزم بقرار رئيس مجلس السيادة السوداني والقائد العام للجيش، عبد الفتاح البرهان، الذي يقضي بإخضاع القوات المساندة له في الحرب لإمرة القوات المسلحة. تُعد هذه الحركات حليفة للجيش وتقاتل إلى جانبه ضد قوات "الدعم السريع"، تحت مسمى "القوات المشتركة"، وتضم قوات "حركة العدل والمساواة" بقيادة جبريل إبراهيم، و"جيش تحرير السودان" بزعامة مني أركو مناوي.
وأوضح المتحدث باسم "حركة العدل والمساواة"، محمد زكريا، أن القرار الصادر من البرهان لا ينطبق على الحركات الموقعة على اتفاقية جوبا، والتي لديها بروتوكولات محددة للدمج في القوات المسلحة. وأشار إلى أن هذا القرار يستهدف المجموعات المسلحة التي تشكلت حديثًا خلال الحرب وليست جزءًا من اتفاقية جوبا. وأضاف زكريا أن اندلاع الحرب في 15 أبريل 2023 قد عطّل تنفيذ بروتوكولات الترتيبات الأمنية، مؤكدًا أن الأولوية الآن هي الانتصار في المعركة، وبعدها سيتم العمل على بناء جيش وطني موحد.
وكان البرهان قد أصدر قرارًا بإخضاع جميع القوات المساندة للجيش لأحكام قانون الجيش لعام 2007. جاء هذا القرار بعد لقاء جمعه بمستشار الرئيس الأمريكي لشؤون الشرق الأوسط وأفريقيا، مسعد بولس، في سويسرا.
تجدر الإشارة إلى أن اتفاقية "سلام جوبا" نصّت على دمج قوات الحركات المسلحة في الجيش، لكن رغم مرور نحو خمس سنوات على الاتفاقية، لم يتم تنفيذ سوى بروتوكول تقاسم السلطة، بينما ظل بند الترتيبات الأمنية معلقًا.
تحليل إخباري
الخلاف بين القوات المسلحة السودانية وبعض حلفائها من الحركات المسلحة الموقعة على اتفاقية "سلام جوبا" يكشف عن تحديات عميقة ومعقدة تواجه مسار الحرب في السودان ومستقبله السياسي. قرار البرهان بإخضاع جميع القوات المساندة للجيش لقانونه هو محاولة لفرض السيطرة وتوحيد القيادة العسكرية في ظل حرب مستمرة ضد قوات "الدعم السريع"، لكنه يواجه مقاومة من حلفاء رئيسيين يرفضون الاندماج وفق هذه الشروط.
دوافع القرار ورفضه:
من وجهة نظر البرهان: يهدف قرار البرهان إلى تنظيم القوات المساندة للجيش وتوحيدها تحت قيادة واحدة، مما يمنع فوضى القيادة ويضمن الانضباط العسكري. من المحتمل أن يكون هذا القرار مدفوعًا بالرغبة في إظهار قدرة الجيش على السيطرة الكاملة على كافة القوات التي تقاتل إلى جانبه، وربما كان ذلك استجابة لضغوط خارجية (كما يشير التقرير إلى لقاء البرهان بمسؤول أمريكي).
من وجهة نظر الحركات المسلحة: رفض هذه الحركات يتركز على أن قرار البرهان يتجاوز اتفاقية "سلام جوبا" التي تنظم عملية دمج قواتها بشكل مختلف. هم يرون أن دمجهم يجب أن يتم ضمن عملية شاملة تتضمن إصلاح المؤسسات الأمنية وتمثيلًا عادلًا لهم في قيادة الجيش، وليس مجرد إخضاعهم لقانون عسكري قديم. هذا الموقف يعكس تمسكهم ببنود الاتفاقية التي لم يتم تنفيذها، ويشير إلى قلقهم من فقدان استقلاليتهم وتأثيرهم بعد دمجهم.
تداعيات الموقف على المشهد السوداني:
تآكل التحالف العسكري: هذا الخلاف العلني يضعف التحالف الهش بين الجيش والحركات المسلحة. على الرغم من أنهم يقاتلون عدوًا مشتركًا، فإن التوترات الكامنة حول السلطة والدمج قد تطفو على السطح وتؤثر على فعالية عملياتهم العسكرية.
مستقبل اتفاقية جوبا: الموقف الحالي يسلط الضوء على فشل تنفيذ أهم بنود اتفاقية "سلام جوبا"، وهو بند الترتيبات الأمنية. عدم تنفيذ هذا البند لمدة خمس سنوات يثير تساؤلات حول جدوى الاتفاقية نفسها، ويُظهر أن الجانب السياسي (تقاسم السلطة) قد تم تنفيذه على حساب الجانب الأمني والعسكري.
سيناريوهات محتملة:
سيناريو التصعيد: إذا تمسك البرهان بقراره، فقد يؤدي ذلك إلى توترات أكبر بين الجيش وحلفائه، وربما ينسحب بعضهم من المعارك، مما يمنح "قوات الدعم السريع" ميزة ميدانية.
سيناريو التفاهم: قد يتم التوصل إلى تسوية بين الطرفين، حيث يقوم البرهان بتجميد أو تعديل قراره لإرضاء الحركات المسلحة، مقابل استمرار دعمهم العسكري. هذا السيناريو يعزز من دور الحركات كقوة لا يمكن تجاهلها في أي ترتيبات مستقبلية.
سيناريو الانتظار: الحركات المسلحة قد تقرر الاستمرار في القتال إلى جانب الجيش في الوقت الحالي، مع تأجيل حل الخلاف إلى ما بعد انتهاء الحرب، كما أشار المتحدث باسم "حركة العدل والمساواة". هذا الحل المؤقت يعكس الأولوية المشتركة في القضاء على "الدعم السريع"، لكنه لا يحل المشكلة الأساسية.
في الختام، الموقف الحالي يبرز أن الحرب في السودان ليست صراعًا ثنائيًا بسيطًا، بل هي شبكة معقدة من المصالح المتضاربة والتحالفات الهشة. بينما يبدو أن الأولوية هي الانتصار في المعركة، فإن التوترات المتعلقة بتقاسم السلطة والدمج العسكري تشكل تحديًا كبيرًا أمام أي محاولة لبناء دولة مستقرة في مرحلة ما بعد الحرب.