كشفت تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، عن خطة إسرائيلية للسماح لـ "الهجرة الطوعية" لسكان قطاع غزة إلى الخارج، تزامناً مع أنباء عن محادثات تجريها إسرائيل مع دولة جنوب السودان لاستقبال الفلسطينيين الفارين من الحرب. هذه الخطوة، التي تذكر بالدعوات السابقة لتهجير الفلسطينيين، أثارت قلقاً دولياً ومخاوف فلسطينية من تكرار "النكبة".
في مقابلة مع قناة (آي 24) الإسرائيلية، أكد نتنياهو أن إسرائيل ستسمح لسكان غزة الراغبين في مغادرة القطاع بالمغادرة، مبرراً ذلك بأنه يتوافق مع "قوانين الحرب". وربط نتنياهو رؤيته هذه برؤية الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، التي كانت تدعو إلى نقل جزء كبير من سكان غزة.
وأشار نتنياهو إلى أن إسرائيل تتواصل مع "العديد من الدول" التي يمكن أن تستضيف هؤلاء السكان، داعياً كل من "يبدي قلقاً على الفلسطينيين" إلى فتح أبوابه لهم. ولإضفاء الشرعية على هذه الخطوة، شبه نتنياهو مغادرة الفلسطينيين بوضع اللاجئين في سوريا وأوكرانيا وأفغانستان، رغم أن هذه الأوضاع جاءت نتيجة لحروب داخلية أو غزو خارجي، وليس مخططاً لتفريغ منطقة بأكملها من سكانها.
محادثات مع جنوب السودان
في سياق متصل، أكدت تقارير لوكالة (أسوشيتد برس) نقلاً عن ستة مصادر مطلعة، أن إسرائيل تجري محادثات مع جنوب السودان بشأن إمكانية تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة إلى أراضيها. وعلى الرغم من عدم الكشف عن مدى التقدم في هذه المفاوضات، أشارت التقارير إلى أن إسرائيل قد تتكفل بتمويل وإقامة مخيمات مؤقتة للفلسطينيين.
هذه الأنباء لم تجد تعليقاً رسمياً من وزارة الخارجية الإسرائيلية، أو وزارة خارجية جنوب السودان، كما امتنعت وزارة الخارجية الأميركية عن التعليق على "المحادثات الدبلوماسية الخاصة".
تحليل إخباري
تأتي هذه التصريحات والخطوات الإسرائيلية في سياق يثير تساؤلات عميقة حول الأهداف الحقيقية لإسرائيل. فرغم استخدام مصطلح "الهجرة الطوعية"، إلا أن هذه الخطوة تُعتبر من قبل العديد من المحللين محاولة لإفراغ قطاع غزة من سكانه الفلسطينيين، تحت ستار الحرب والأزمة الإنسانية. هذا التوجه لا ينفصل عن دعوات سابقة لوزراء من اليمين المتطرف في حكومة نتنياهو للترحيل "الطوعي" للفلسطينيين.
يشير ربط نتنياهو لهذه الخطة بـ "رؤية ترامب" إلى وجود دعم سياسي دولي محتمل لهذه الفكرة، الأمر الذي يمنحها زخماً سياسياً. كما أن الإشارة إلى أوضاع اللاجئين في مناطق النزاع الأخرى هي محاولة واضحة لتسويق الخطة كحل إنساني، في حين أنها قد تشكل جريمة حرب بموجب القانون الدولي، خاصة إذا كانت "الهجرة" غير طوعية بالكامل، وتأتي نتيجة لضغوط هائلة ووضع كارثي.
إن محادثات إسرائيل مع دولة فقيرة مثل جنوب السودان، والتي تعاني من عدم استقرار داخلي، لاستقبال الفلسطينيين، تُثير علامات استفهام حول مستقبل هؤلاء اللاجئين. فمن المرجح أن تكون المخيمات التي سيتم إنشاؤها ظروفها صعبة، مما يجعلها حلولاً مؤقتة بائسة بدلاً من كونها حلولاً دائمة وكريمة.
من الواضح أن هذه التحركات، سواء كانت "طوعية" أو لا، تحمل في طياتها خطراً حقيقياً على مستقبل القضية الفلسطينية، وتُعيد إلى الأذهان المخططات السابقة التي هدفت إلى تفريغ الأرض من أصحابها.