توسع البنك المركزي المصري مؤخرًا في سحب سيولة ضخمة من البنوك العاملة في البلاد، حيث وصل حجم السحب الأسبوع الماضي إلى 1.37 تريليون جنيه، وهو رقم قياسي، وهذا التوجه يأتي في وقت يشهد فيه معدل التضخم تسارعًا طفيفًا على أساس سنوي رغم تباطؤ وتيرته على أساس شهري.
كما استمر البنك في عمليات سحب أخرى يوم الثلاثاء الماضي، حيث قام بسحب 792 مليار جنيه من 26 بنكًا بفائدة تصل إلى 27.75%.
سحب السيولة
ويعتمد البنك المركزي في سحب السيولة على آليتين رئيسيتين: الأولى هي العطاء الأسبوعي لأجل 7 أيام بمعدل فائدة ثابت يتم تحديده يوم الثلاثاء من كل أسبوع، وهو الإجراء الذي أصبح متبعًا بشكل واسع في الآونة الأخيرة، أما الآلية الثانية فهي العطاء لأجل 28 يومًا بفائدة متغيرة تتماشى مع متوسط سعر العائد على الإيداع والإقراض.
وفي خطوة تهدف إلى زيادة فعالية هذه العمليات، أقر البنك المركزي في أبريل الماضي تعديلات على نظام العطاء الأسبوعي، حيث سمح بقبول جميع طلبات البنوك المتقدمة دون تخصيص حصة معينة لكل بنك، وهذه التعديلات أفسحت المجال للبنك المركزي لسحب الأموال الفائضة من النظام المصرفي بشكل أوسع، في محاولة للحد من التضخم الذي تشهد البلاد ارتفاعًا مستمرًا فيه.
وبالنسبة للعوائد، فإن سعر العائد على الإيداع لليلة واحدة في مصر حاليًا يبلغ 27.25%، بينما يصل سعر الإقراض إلى 28.25%، هذه النسب تُعد مرتفعة مقارنة بمعدلات الفائدة التقليدية، مما يساهم في الحد من حركة الأموال في الاقتصاد.
التضخم والسيولة المحلية
محمد عبد العال، عضو مجلس إدارة 'البنك المصري الخليجي'، أشار إلى أن السبب وراء هذه الخطوات هو 'نمو السيولة المتزايد شهريًا'، مما دفع البنك المركزي إلى اتخاذ تدابير لتجفيف السيولة من السوق. فقد ارتفعت السيولة المحلية (M2) بنسبة 29.5% على أساس سنوي في نهاية سبتمبر، لتسجل نحو 11.1 تريليون جنيه، ما يمثل زيادة ضخمة بنحو 2.5 تريليون جنيه مقارنة بالعام الماضي.
الهدف الأساسي من سحب هذه السيولة هو كبح التضخم، الذي ارتفع بشكل طفيف إلى 26.5% في أكتوبر 2024 مقارنة بـ 26.4% في سبتمبر، وهذا الرقم يبقى بعيدًا عن مستهدفات البنك المركزي التي تتراوح بين 5% و9%، ومع ذلك، يشير بعض الخبراء إلى أن هذا السحب المستمر للسيولة قد يساهم في تقليل التضخم تدريجيًا مع مرور الوقت.
أموال ساخنة وتأثيراتها على السوق
هاني جنينة، رئيس قسم البحوث في 'سي آي كابيتال' لإدارة الأصول، أرجع الزيادة في السيولة المحلية إلى تدفقات الأموال الساخنة، حيث تقوم البنوك المحلية ببيع هذه الأموال بالعملة الأجنبية للبنك المركزي، الذي يقوم بدوره بشرائها مقابل سيولة نقدية بالجنيه، وعلى الرغم من أن هذه العمليات تعزز احتياطي النقد الأجنبي، فإن جنينة حذر من أن انتقال هذه السيولة إلى البنوك قد يسبب ضغطًا إضافيًا على الأسعار ويزيد من التضخم.
التوجهات المستقبلية
مع تزايد التضخم وصعوبة السيطرة على معدلاته، يتوقع العديد من الخبراء استمرار البنك المركزي في سحب السيولة بانتظام عبر العطاءات الأسبوعية.
هذا التوجه، الذي يشمل أيضًا تشجيع المواطنين على زيادة المدخرات في البنوك، يسعى إلى ضمان استقرار الوضع الاقتصادي على المدى الطويل.
وفي السياق ذاته، تزايدت الاستثمارات في 'عمليات السوق المفتوحة' من قبل البنوك المصرية، وهو ما يعد إشارة إلى رغبة البنوك في تعزيز أرباحها من خلال العوائد المرتفعة التي تقدمها عطاءات المركزي، ورغم ارتفاع العوائد على هذه العطاءات، إلا أن الخبراء يرون أن السحب المستمر للسيولة يعد خطوة ضرورية لضبط التضخم وتقليل الضغوط الاقتصادية.