الساعة السادسة والنصف، مرت دقائق معدودة واستقل 'أحمد مصطفى' حافلة المدرسة، طيلة الوقت كانت والدته دائمة الاطمئنان عليه وكأنها كانت تعلم أنه هناك خطر سوف يداهم صغيرها هذا النهار، انقطع الاتصال به بعد مرور ساعة، تعلقت امال والدته أن يكون السبب عيب تكنيكي في الشبكة، غير تاركه لهواجس خيالها أي نافذة تطلق على عقلها.
خلال نفس المدة، كانت قد تحركت الحافلة في خط سيرها المعتاد، وبعد نصف ساعة توقفت بطريق الرماية، في تلك النقطة تحديدًا، حيث الأنحاء ذا الخطورة بل كان أكثر وصفا له هي عبارة 'الحاد المميت'- كما وصفته إحدى أولياء الأمور-، تفصل مدة زمنية قدرها ربع الساعة فقط بين منزل الطفل 'أحمد مصطفى'، تلك المدة التي أربكت الموازين وجعلت الموجه هذا الصباح مختلفة.
بداخل حافلة المدرسة كانت الأجواء محتقنة بالدماء، انقلبت الحافلة رأسا على عقب إثر حادث أليم تسبب في إصابة الجميع دون التمييز، اختل توازن جميع من في الحافلة حتى المشرفة التي سقطت فى حالة إغماء وبها جروح خطيرة، وبعض حالات الأطفال كانت في وضع خفيفة والأخر وضعت تحت طائلة الكدمات.
أمام الحافلة تراصت مئات العربات الأخرى، وقف جميع المارة فى حالة اندهاش والبعض منهم من أطرحته الصدمة مجالسة، وللوهلة الأولى يخيل للناظر أنهم جميعا في عداد الأموات، فكانت الأعمار الطلاب في الحافلة تتفاوت، ليقطع أحدهم بعبارة قاتلة: 'اللي موجودين داخل الحفلة، من كي جي لحد ابتدائي'، الأعمار الأصغر لم تستطع الصمود أمام شدة الانقلاب ليختل توازنهم بل أيضا أماكنهم ليحظي أصغر طفل 'ياسين.س'، بأشد إصابة. _ تحكي الأم التي تابعت رفقة باقي أولياء الأمور أحوال أبنائهم عبر الهاتف.
الحافلة المدرسية
في تلك الساعات رأى الأطفال وجوهًا أخرى، أجهزة إنعاش ورواب بيض، بوضع الاستلقاء.. يوما دراسيا مختلف، كانت نكته أسوأ ما يكون لأطفال ما زالت في مقتبل أعمارهم، انقسم بعضهم إلى شقين داخل طوابق مستشفى الهرم التخصصي، منهم من بات فى العناية والبعض الآخر يجري تحاليل لتأكد على سلامته.
وقع خبر الانقلاب على أولياء الأمور وقع الصاعقة، فمع كل دقيقة جديدة تمر عليهم كانت تزيد حدة مخاوفهم، كانت إدارة المدرسة أولي من يدري بالواقعة؛ وذلك عن طريق السائق الخاص بالحافلة، التي شخصت حالته الصحية: 'خلع فى مفصل الكتف بجانب بعض الكدمات البسيطة'، وبناء عليها أخبرت المدرسة بعض الأولياء الأمور.
أصوات تفزع الناظر للوهلة الأولى، خطفت قلوب الحاضرين ومناظر فتت القلوب الجالسين بل والمرضى أيضا، دارت الأحاديث داخل المستشفى وبين القيل والقال، حضرت بعض الجهات المعنية لكشف كواليس الواقعة والوقوف على الأسباب المؤدية لذلك، كانت تدور تلك الحلقات إمام الأولياء أشبه بكابوس مظلم، وبقي الفارق الوحيد أمامه هو سلامة صغائرها.
'صاحب 6 سنوات.. ياسين'.. لطالما كانت والدته تتقنه النصائح الصباحية، وفي صباح يوم الواقعة ودع الطفل والدته وأخيه الأكبر، الذي خالفه النزول نظرا إلى إصابته في قدمه اليسرى، إلا أنه لم يكن مانعا لياسين في مشاركة والدته في اصطحابه إلى الحافلة وتوديعه.. و بحسب التقرير الطبي لحالة الطفل الصحية: 'إصابة بجرح بالرأس وكدمات فوق العين أدت إلى إجراء عملية جراحية ناجحة'.
الساعة 4:45.. شهدت عقارب تلك الساعة خروج أول طفل من المستشفى، كانت إصابته خفيفة، -ركزت في الجانب الأيمن من الجبهة-، انعقد الأمل على وجوه باقي أولياء الأمور وخاصة بعد خروج الطفل الثاني صاحب 10 سنوات، وجاءت عبارة عن 'جميع الأطفال في حالة جيدة'، نافية جميع الأقاويل التي شهدتها أرجاء المستشفى بل للمواقع والصحف الإلكترونية، وأن كان تشخيص العناية وقع على كاهل التقرير الطبي للمشرفة الحافلة، ليؤكد بعض الأطباء أنها ما زالت في العناية المركزة.
قرابة 10 ساعات؛ أخيرًا وصل الطفلان إلى المنزل، كذلك بعض الأطفال الذين تحرك أولياء أمورهم لتفقد حالتهم الطبية، فيما ظل 12 طفلا داخل غرف المستشفى، ليختتم اليوم بعبارة 'مش عايزين نعيش لحظات الرعب والخوف دي على عيالنا تاني'.