خطت مصر خطوات واسعة نحو تحقيق اشتراطات الاتفاقية الضريبية الدولية متعددة الأطراف، وذلك بصدور قرار من رئيس الوزراء بالكشف عن سرية الحسابات البنكية لأغراض الضريبة في الاتفاقيات الدولية النافذة.
هذه الخطوة رغم تأخرها الكبير إلا أنها خطوة هامة للغاية، كما أن معظم الدول الداخلة في الاتفاقية الضريبية الدولية متعددة الأطراف لم تعلن جاهزية إجراءاتها للدخول في تلك المنظومة الضريبية العالمية والتي ستجعل من الدول خارج تلك المنظومة دولا منبوذة ضريبيا وبالتالي ستكون منبوذة استثماريا واقتصاديا، وعدم استعداد معظم الدول لدخول حيز تنفيذ الاتفاقية جعل منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية تؤجل بالكامل تنفيذ الاتفاق من مطلع 2023 إلى مطلع 2024.
في كل الأحوال خطت مصر اليوم أهم خطواتها نحو الدخول إلى المنظومة الضريبية الدولية بصدور قرار الكشف عن سرية الحسابات البنكية.
قرار الكشف عن سرية الحسابات البنكية
قرار رئيس مجلس الوزراء ينص على إصدار مشروع قانون بتعديل بعض أحكام قانون الإجراءات الضريبية الموحد الذي صدر في عام 2020، ليتضمن نصا يتيح الكشف عن سرية الحسابات البنكية، كما أشار القرار الي مراجعة ذلك مع البنك المركزي.
و على مايبدو تعد هذه الخطوة انفراجة كبيرة في هذا الملف بعد فشل التوصل لقرار، خلال الفترة الماضية، التي كان يرأس فيها البنك المركزي قيادة غير الموجودة حاليا.
و تفصيليا يمكن استعراض الفترة التي تلت توقيع مصر بالأحرف الأولى على الاتفاقية الدولية متعددة الأطراف فيما يلي:
كان من المفترض انتهاء مهلة توفيق الأوضاع المصرية بشأن الاتفاقية الدولية متعددة الأطراف ل تبادل المعلومات MLI في نهاية 2020، والتى تعتبر جزءا لا يتجزأ من اشتراطات منظمة التعاون الاقتصادى والتنمية OECD لانضمام الدول الى اتفاق مكافحة تاكل الوعاء الضريبى ونقل الأرباح BEPS، قبلها بنحو شهر أعلنت مصر انها وقعت على الاتفاق الذى سيدخل الاتفاقية حيز التنفيذ مطلع 2021 ، وأنها أودعت اجراءاتها الخاصة بتوفيق الأوضاع لدى المنظمة فى سبتمبر 2020.
بعدها بأيام أجلت منظمة التعاون الاقتصادي و التنمية دخول الاتفاق حيز التنفيذ لعدم جاهزية كل الإجراءات.
تزامن ذلك مع صدور تشريعين هامين هما قانون البنوك الجديد الذى صدر فى يوليو 2020، وقانون الإجراءات الضريبية الموحد الذى صدر فى أغسطس 2020، واحدا تلو الآخر ليؤكدان عدم المساس بسرية الحسابات البنكية لأغراض الضريبة حتى ولو صدر بذلك حكم من محكمة الاستئناف.
ومنذ بدء الاجراءات الرسمية التى سعت لها مصر منذ نحو 5 سنوات، وبالتحديد فى عام 2017 بتوقيع مصر بالأحرف الأولى على اتفاقية مكافحة تآكل الوعاء الضريبى ونقل الأرباح، ومنذ مساعيها قبل 12 سنوات لتطبيق أنظمة تحد من ألاعيب الشركات الدولية للتهرب من الضرائب، كان شرطا أساسيا ان تمهد مصر لبيئة تشريعية وتنفيذية تكفل تبادل المعلومات بين الدول الأعضاء، وإلا دخلت القائمة السوداء التى تمنح الدول الأعضاء فى الاتفاقية حق المعاملة بالمثل، أى عدم الكشف عن حسابات الشركات أو الأشخاص الذين تشتبه مصر فى تهربهم ضريبيا.
بنود مفخخة
فى قانون البنوك الجديد الذى صدر يوليو 2020، ألزمت المواد (140- 143) بالمحافظة على سرية الحسابات المصرفية باعتبارها من أهم ركائز النظام المصرفى، وحددت نطاقها وحالات وإجراءات كشف السرية.
وفى قانون الإجراءات الضريبية الموحد الذى صدر فى أغسطس 2020
ألغى رئيس مجلس النواب وقتها الدكتور على عبد العال، إحدى مواده قبل عرضها على النواب للمناقشة، وهى المادة التي كانت تجيز لموظفي الضرائب الطلب من رئيس محكمة الاستئناف، الحصول على بيانات متعلقة بحسابات عملاء البنوك.
وقال رئيس مجلس النواب، وقتها، المادة دي تتعارض مع قانون البنك المركزي والجهاز المصرفي الذي ينص على الحفاظ على سرية بيانات عملاء البنوك، و اضاف : مادة مفخخة لن أعرضها على النواب،
ليتبخر بذلك الأمل الأخير فى تمرير الاجراءات المصرية فى مجال تبادل المعلومات البنكية، والتى تعد أهم اشتراطات مكافحة التهرب الضريبى الدولى.
وقبل نهاية الربع الأول من العام المقبل 2021، كان من المتوقع أن تنتهى مهلة توفيق الأوضاع الخاصة باتفاق تبادل المعلومات، والتي تم مدها فيما بعد وهو ما كان يعنى ان مارس 2021 هو الموعد الأخير الذى يجب ان تجد فيه مصر حلولا فاعلة لتفعيل اتفاق تبادل المعلومات، أو تحصل على 'بلوك' من الدول الأعضاء.
5 سنوات من العمل والنقاش حول ملف تبادل المعلومات عقب توقيع مصر بالأحرف الأولى على اتفاقية مكافحة تاكل الوعاء الضريبى و نقل الأرباح فى عام 2017، بدأت فى تفعيل بعض الاجراءات الخاصة لتوفيق الأوضاع ، ومنها صدور دليل السعر المحايد، والذى يتضمن طرق محاسبة الشركات الدولية.
ثم بدأت مصر ممثلة فى وزارة المالية فى إنشاء وحدة للضرائب الدولية بالتعاون مع منظمة التعاون الاقتصادى والتنمية ضمت 11 موظفا من مصلحة الضريبية تم تدريبهم على أعلى مستوى.
عملت الوحدة على بعض نماذج الشركات الدولية لتثبت فروقا فى احتساب الضريبة عليها بين ما قدمته الشركة فى اقراراتها الضريبية وبين ما فحصته الوحدة ، و أخطرت الشركات بذلك طبقا للقانون .
وفى عام 2018 نظمت وزارة المالية أول مؤتمر دولى عن الضرائب الدولية، حضره مندوبين عن المنظمة ، ليبدأ تبادل الخبرات الفنية رسميا.
و فى نوفمبر 2020، أعلنت الوزارة انها وقعت على اتفاق تبادل المعلومات ، وأ نها أودعت كافة الاجراءات التى اتخذتها تجاه هذا الملف لدى المنظمة ، كخطوة نحو التفعيل.
مناقشات حامية بين المركزى والضرائب
مر أكثر من 4 أعوام دارت خلالهما نقاشات حامية بين البنك المركزى المصرى ومصلحة الضرائب المصرية، انتقلت من شكل التصريحات الصحفية الى ما تحت القبة ، حول قضية الكشف عن سرية الحسابات لأغراض الضريبة لا لشئ أخر.
بدأت المناقشات الحامية فى عام 2018، بتصريح من رئيس مصلحة الضرائب وقتها، بأن المصلحة أعدت تعديلا على أحد مواد قانون الضريبة على الدخل تكفل الكشف عن سرية الحسابات لأغراض الضريبة.
قابلتها عاصفة من التصريحات من جانب محافظ البنك المركزى السابق ، مفادها أن سرية الحسابات البنكية خط أحمر ، لن يسمح بالمساس به ، ثم اعتذار الضرائب عن تصريحها .
وانتقلت نفس المناقشات إلى ما تحت قبة البرلمان، أثناء مناقشة تشريعى البنوك، والإجراءات الضريبية، والتى انتهت بغلق الجدل نهائيا حول قضية كشف سرية الحسابات.