عقد المركز المصري للدراسات الاقتصادية بالتعاون مع البنك الدولي، أمس الأربعاء، ندوة لإطلاق تقرير: 'عن التنمية في العالم 2023: المهاجرون واللاجئون والمجتمعات'، والذي أعده البنك الدولي، والذي يقدم تحليلا شاملا للهجرة الدولية وما تحمله من إمكانات لتكون بمثابة قوة دافعة لتحقيق النمو والرخاء المشترك في جميع البلدان، كما يقدم إطار عمل للاسترشاد به في وضع السياسات اللازمة لإدارة الهجرة على نحو فاعل تسهم في تحقيق التنمية لبلدانهم.
جانب من الندوة
مارينا ويس المديرة الإقليمية لمصر واليمن وجيبوتي بالبنك الدولي، أشارت إلى أن هناك تحديات كبيرة في قضية الهجرة ولكنها تنطوي أيضا عن العديد من الفرص سواء لدول المنشأ أو دول الوصول، ولفتت إلى تقديم البنك الدولي الدعم في قضية الهجرة عالميا بصور مختلفة، سواء من خلال تقديم الدعم للنازحين أو ما يتعلق بسوق العمل، بالإضافة إلى تقديم المشورة فيما يتعلق بالسياسات المطلوبة للتعامل مع الهجرة كما في تجربة ماليزيا، مشيرة إلى أن مصر لديها تجربة مهمة في موضوع الهجرة فرغم أنها دولة مصدرة للمهاجرين، ولكنها في الوقت نفسه مستقبلة للهجرة أيضا. ووجهت الشكر للمركز المصري للدراسات الاقتصادية على استضافة الندوة لإطلاق التقرير.من جانبه عرض الدكتور شاغلار اوزدن اقتصادي رئيسي بالبنك الدولي، أهم ما جاء بالتقرير، والذي أشار إلى وجود نحو 184 مليون مهاجر ولاجئ حول العالم يمثلون نحو 2.3 % من تعداد سكان العالم، وهناك العديد من دول العالم على اختلاف مستويات الدخل تعد مصدرة ومستقبلة للمهاجرين واللاجئين في نفس الوقت مثل تركيا والمملكة المتحدة ونيجيريا، ولفت إلى أن أهم أسباب الهجرة تتمثل في الظروف الاقتصادية، والتحولات الديموغرافية، والصراعات، والتغيرات المناخية.
ولفت شاغلار إلى تزايد معدلات الهجرة من مصر بشكل كبير على مدار السنوات الماضية، مشيرا إلى أن 74 % من المهاجرين المصريين يتوجهون إلى دول الخليج، مقابل 18 % لأوروبا وأمريكا الشمالية، و8 % لباقي أنحاء العالم.
وحول الرسائل الرئيسية للتقرير، أكد شاغلار ضرورة التعامل مع قضية الهجرة من منطق شمولي، وصياغة سياسات تعمل على تحقيق الاستفادة من الهجرة في تحقيق التنمية بشكل مستدام سواء لدول المنشأ التي يمكن أن تحقق عوائد كبيرة من المهاجرين، أو الدول المستقبلة التي يحقق اندماج المهاجرين وحصولهم على حقوقهم فيها مكاسب أكبر.
وأوضح شاغلار أن مشكلة اللاجئين لها تأثيرات على التنمية الاقتصادية، وهو ما يتطلب دمجهم فى المنظومة والتعامل مع الأمر باعتبارها مسئولية مشتركة بين دول المنشأ ودول الاستقبال، واتباع سياسات داعمة سواء فى دول المنشأ قبل الهجرة من خلال تحسين التعليم والمهارات، أو دول الاستقبال من خلال زيادة قنوات الحماية القانونية وادماجهم فى المجتمعات وسوق العمل.من جانبها أكدت السفيرة نبيلة مكرم وزيرة الهجرة وشؤون المصريين بالخارج سابقا، على مبدأ 'حقوق الإنسان' للمهاجرين واللاجئين وهو أكثر ما يريده المهاجرون، وأثارت بعض القضايا التى تتعلق بالمهاجرين فى بعض الدول مثل ألمانيا والتى تشترط للحصول على جنسيتها أن يتخلى المهاجر عن جنسيته الأصلية، وهو أحد أكثر القضايا التى تواجه المهاجرين هناك، وهو ما يتطلب إيجاد حلول لأنه يصعب تحقيق هذا الشرط.
وأشارت مكرم إلى أن مصر تبذل جهودا كبيرة لوقف الهجرة غير الشرعية من خلال عدد من المبادرات الرئاسية التى تستهدف تحسين جودة الحياة وتوفير فرص العمل فى المناطق المصدرة لمراكب الهجرة غير الشرعية، مثل مبادرة حياة كريمة ومبادرة مراكب النجاة، وهو ما يؤدى لعلاج المشكلة من المنبع. وشددت على الحاجة لتعاون أكبر بين دول جنوب البحر المتوسط ودول الشمال فى مواجهة الهجرة غير الشرعية، والتعامل مع هذه القضية من منطلق إنساني، لافتة إلى أن دول الشمال ليست بحاجة لكل هذا العدد من المهاجرين دون مهارات حقيقية، كما أن هناك حاجة لمزيد من التعاون والحوار حول تهيئة الوضع القانوني بين الجانبين.
الدكتور أيمن زهرى الخبير في دراسات السكان والهجرة، أشار إلى أهمية المنظور الإيجابي لقضية الهجرة فى التقرير، مؤكدا أنها تعد جزءا من ديناميكيات السكان، لكن يصعب حساب عدد المهاجرين بشكل دقيق وهو ما يؤدى لنقص البيانات والإحصائيات.
وأكد زهرى أن مصر دولة شابة 60 % من عدد سكانها تحت سن الثلاثين عاما، ولكن هذا لا يعنى إمكانية تصدير هذا الفائض من الثروة البشرية إلا إذا كان لديها مهارات مطلوبة فى الدول المستقبلة للمهاجرين، مشددا على أهمية الاستثمار فى الثروة البشرية والإنفاق على التنمية البشرية من تعليم وصحة، ولكن تساءل عما إذا كانت عوائد تحويلات المهاجرين ستكون كافية لهذا الحجم من الإنفاق.
من جانبها أثارت الدكتورة دينا عبد الفتاح أستاذ مساعد الاقتصاد بالجامعة الأمريكية في القاهرة، قضية هجرة العقول، والتى تنتج عن عدم وجود فرص عمل للمهاجرين فى بلادهم، لافتة إلى أن هناك افتراض بأن المهاجرين يكونوا من غير المتعلمين وغير المهرة، ولكن واقع الأمر أن هجرة المتعلمين والماهرين هى الأكثر تحقيقا للنجاح لأنها تلبى احتياج الدول المستقبلة.
وأكدت عبد الفتاح على أن عدم التعاون بين الطرفين من دول المنشأ واستقبال المهاجرين، سيؤدى إلى هخسائر للطرفين، لأن زيادة العمالة فى دولة غير قادرة على تصدير هذه العمالة أمر ا جدوى منه، كما أن احتياج الدول لأخرى للعمالة دون تهيئة المناخ لدمجهم وحصولهم على الحقوق القانونية سيؤدى أيضا إلى خسارة الطرفين.
وأشادت الدكتورة عبلة عبد اللطيف المدير التنفيذي ومدير البحوث بالمركز، بتعامل الدولة المصرية مع اللاجئين، حيث تخلو مصر من مخيمات اللاجئين ويتم دمجهم فى المجتمع بشكل كامل ويحصلون على التعليم والرعاية الصحية وغيرها من الخدمات.
وأكدت عبد اللطيف، على أن العالم اليوم فى مفترق الطرق، حيث يعانى الجزء الشمالى المتقدم منه الشيخوخة سواء أوروبا أو آسيا خاصة اليابان والصين، وفى نفس الوقت فإن جنوب العالم الأقل دخلا قوامه الأكبر شاب، فعلى سبيل المثال 50 % من سكان قارة أفريقيا تقل أعمارهم عن 20 عاما، وهذا يستوجب ضرورة التعاون بين الطرفين لأنهم فى حاجة لبعضهم البعض، لافتة إلى أنه على الرغم من هذا الاحتياج الاقتصادى الواضح إلا أن هناك مشاكل من الدول المستقبلة تحديدا تتمثل فى عدم فى إعطاء الحقوق للمهاجرين، وحتى يتغير هذا الوضع هناك حاجة لأن يعلو صوت الجنوب ويكون له تمثيل أكبر فى المحافل الدولية حتى تأخذ هذه الدول حقوقها.
واتفق الجميع على أن الهجرة بالشكل الذى حدث بعد الحرب العالمية الثانية لن يستمر، وستختلف طبيعته بحيث يعطى مزيدا من الحقوق للمهاجرين لتغلب المشاكل الاقتصادية على الأبعاد السياسية فى التعامل مع ملف الهجرة.