ارتفعت أسعار مواد البناء في مصر خلال عام 2024 متأثرة بشح السيولة الدولارية، إذ اتجهت المصانع لتدبير العملة من الأسواق الموازية لإتمام عملية استيراد المواد الخام ومُستلزمات الإنتاج، فصعدت الأسعار وفقًا للتكلفة، كما وعزف الأفراد عن شراء الحديد، حتى أصبحت عمليات التشييد والبناء مقصورة على مشروعات الدولة القومية وكذلك المطوريين العقاريين.
بناء على ما سبق عَانى السوق من تقلص المعروض من الحديد وزيادة الطلب عليه، حيث اتجه البعض لتدبير الدولار من الأسواق الموازية بتكلفة أعلى؛ مما أثر على سعر التكلفة النهائي لطن الحديد، رغم أن السوق المحلية تضم نحو 35 مصنعًا للحديد بطاقة إنتاجية تقدّر بنحو 15 مليون طن، ما يُنتج منها فعليًا يتراوح بين 7 و8 ملايين طن تتوزع بين الطلب المحلي والتصدير للخارج.
يرى محللون وخبراء سوق الحديد في مصر أن أسعار تكلفة صناعة الحديد زادت 20% متأثرة بغياب بعض 'أقطار' الحديد خلال أزمة شح السيولة الدولارية والذي أسهم أيضًا في ارتفاع التكلفة على الأفراد، وكان ذلك سببًا من أسباب توقف الأهالي عن عملية البناء؛ إذ شهدت الأسواق غياب قطر الحديد 10 ملي، الذي يستخدم في خرسانة السقف، وهو ما دفع المستهلك لاستبداله بـقطر 12 مللي الذي تسبب في زيادة الطول والوزن بنحو 4 كيلو جرامات.
وبناء على تقارير حكومية نجد أن صادرات مصر من الحديد انخفضت بنسبة 15% خلال الفترة من يناير وحتى أغسطس 2024، لتسجل 1.368 مليار دولار، مقابل 1.617 مليار دولار في الفترة ذاتها من العام الماضي، رغم جهود المصانع لتوفير العملة الصعبة من الأسواق الموازية لاستمرار تشغيل عجلة الإنتاج دون توقف، مع تخصيص جزء منه للتصدير لجلب مدخلات ومُستلزمات الإنتاج.
أزمة الشح الدولاري أثرت على سعر الحديد بشكل مباشر
قال محمد السويفي، رئيس شركة كينج ستيل لتجارة مواد البناء، إن أسواق الحديدة عَانت خلال الفترة الماضية من تحديات عدة كانت أبرزها شح العملة الأجنبية، ولم تستطع المصانع تدبيرها لجلب الخامات ومُستلزمات الإنتاج من الخارج، كما شهد السوق غياب الحديد قُطر 10 ملليمترات، الذي يجرى استخدامه في خرسانة السقف، مما يدفع المستهلك إلى استبداله بـقطر 12 ملي ما ترتب عليه زيادة في الوزن والطول حيث يتضمن السيخ الواحد زيادة 4 كيلو.
أكد السويفي أن نسبة الزيادة في تكلفة حديد التسليح تُقدر بنحو 20% على الأفراد.
وأوضح أن القطر الـ10 ملي هو الأكثر طلبًا واستخدامًا بين المستهلكين، لافتًا إلى أن بعض المصانع الصغيرة أو مصانع الدرفلة لم تستطع تحمل هذه الأسعار والتكلفة المرتفعة وما ترتب عليها من أعباء على المصنعين والمستهلكين فلجأت إلى الإغلاق، بينما واصل البعض الآخر العمل بنصف الطاقة الإنتاجية، منوهًا إلى أنه مع استمرار الأزمة واتجاه المصانع للسوق السوداء لتوفير احيتاجاتها من العملة لمواصلة العمل وتشغيل الطاقة الإنتاجة وتخصيص جزء منه للتصدير، حتى تتمكن من توفير دولارات تستطيع من خلالها أن تجلب بها مدخلات ومُستلزمات الإنتاج دون توقف.
استقرار في أسواق الحديد حاليًا
رئيس غرفة القاهرة التجارية ورئيس مجلس إدارة مصنع العشري للحديد والصلب، أيمن العشري، قال إن أسعار الحديد تشهد حاليًا اسقرارًا عكس ما شهده القطاع مطلع العام الحاليّ؛ إذ عجز المعروض بالسوق المحلية عن الوفاء بالطلب؛ وحدث هذا نتيجة نقص العملة الأجنبية لدى المصانع، وأصبح توافرها من القنوات الرسمية صعبًا للغاية، نتيجة لمّا مَرت به البلاد من تحديات عدة، وبفعل تحرير سعر الصرف خلال الربع الأول من العام الحاليّ حتى أصبح الصعود والهبوط بنسب طبيعية وفقًا لحالة السوق.
وأوضح العشري أن سعر طن الحديد يتراوح بين 35 و38 ألف جنيه تسليم أرض المصنع ليصل إلى المُستهلك بسعر يتراوح بين 40 و45 ألف جنيه، حسب تكلفة كل مصنع ومدخلات إنتاجه، لافتًا إلى أن متوسط سعر الحديد الخام عالميًا يتراوح بين 101 و102 دولار للطن، وبلغ متوسط سعر طن حديد التسليح العالمي نحو 471 دولارًا و467 دولارًا لطن البليت العالمي.
وأضاف إن معدلات الإنشاءات التي تتم حاليًا لم تشهدها مصر منذ سنوات طويلة فهناك مدن جديدة بالكامل يتم بناؤها، وذلك بخلاف العاصمة الإدارية والعلمين الجديدة، وكل هذه المشروعات أسهمت بلا شك في تحقيق طفرة بالإنتاج المحلي من مواد البناء ومن بينها حديد التسليح، متابعًا: 'أعتقد أن المشروعات التي تنفذها الدولة حاليًا تستحوذ على ما يقرب من 50% من الإنتاج المحلي من مواد البناء'.
15 % تراجعًا في صادرات الحديد والصلب خلال 8 أشهر
أكد محمد سيد حنفي، مدير غرفة الصناعات المعدنية باتحاد الصناعات، أن صادرات مصر من الحديد انخفضت بنسبة 15% خلال الفترة من يناير وحتى أغسطس 2024، لتسجل 1.368 مليار دولار، مقابل 1.617 مليار دولار في الفترة ذاتها من العام الماضي.
أوضح حنفي أن صادرات مصر من الحديد والصلب تراجعت على مستوى الكميات بسبب هدوء الطلب العالمي نسبيًا هذا العام، وكذلك انخفاض الأسعار العالمية خلال 2024 مقارنة بأسعار العام الماضي ومنه أصبح التصدير غير مُجدٍ، بالإضافة إلى الإجراءات الحمائية التي تصدرها الدول الأجنبية على بعض منتجات الحديد والصلب المصري وتحديدًا في أوروبا.
وأشار حنفي إلى أن استهلاك مصر من حديد التسليح ارتفع ليصل إلى 3.059 مليون طن خلال النصف الأول من عام 2024، بنسبة نمو 9%، نتيجة للتحول في السياسة النقدية التي أدت إلى تعزيز وتوافر الدولار وتحفيز زيادة نشاط البناء، متابعًا: 'رغم هذا الارتفاع فإن مستوى الاستهلاك مازال أقل بكثير من المستوى الذي كان سائدًا قبل 8 سنوات حيث بلغ الاستهلاك في عام 2016 نحو 8.6 مليون طن'.
وأضاف إن مصر تمتلك نحو 35 مصنعًا لإنتاج الحديد والصلب بطاقة إنتاجية تصل إلى 15 مليون طن، ننتج منها فعليًا نحو 8 ملايين طن، وهو أقصى استهلاك وصلنا إليه، فمن الطبيعي إننا ننتج كمية تتراوح بين 7 و8 ملايين طن من الحديد سنويًا، منوهًا إلى أن المصانع تعمل بمعدل يتراوح بين 40 و50% فقط من طاقتها الإنتاجية باستثناء مصنع حديد عز الذي يعمل بأكثر من 80% من طاقته نظرًا لالتزامه بالتصدير للخارج.
وتوقع حنفي هدوء أسعار الحديد في مصر مع انتهاء العام الحاليّ 2024، حيث شهدت أسعار الخردة والخام العالمي تراجعًا ملحوظًا خلال الآونة الأخيرة، مشيرًا إلى تباين أسعار الحديد في مصر بين مصنع وآخر حتى وصلت تلك الفروق إلى 3 آلاف جنيه، وأرجع هذا إلى أن كل مصنع أو شركة تقوم بحساب سعر الطن بناءً على ما تم استيراده من الخارج من مُدخلات ومُستلزمات ومنه يُسعر كل مصنع وفقًا لتكلفته الخاصة.
صعود غير مبرر في أسعار الأسمنت
أما عن الأسمنت فقال أحمد شيرين، رئيس شعبة الأسمنت باتحاد الصناعات المصرية، إن سعر طن الأسمنت سجل خلال تعاملات شهر نوفمبر الحاليّ 3700 كحد أقصى ، مضيفًا إن جميع أنواع الأسمنت متوفرة دون عجز في تلبية احتياجات السوق، مؤكدًا أن الطاقة الإنتاجية لمصانع الأسمنت تتراوح بين 85 و90 مليون طن سنويًا في حين أن السوق المحلية تستهلك نحو 50 مليون طن فقط، ويتم تصدير الفائض للخارج.
أرجع مدحت إسطفانوس، رئيس شعبة الأسمنت باتحاد الصناعات سابقًا، زيادة أسعار الاسمنت لتتخطى 3500 جنيه ببعض المحافظات إلى انخفاض قيمة الجنيه أمام الدولار، وارتفاع تكاليف مسلتزمات الإنتاج، بالإضافة إلى الضغوط التي تواجه المستوردين في عمليات الإفراج الجمركي.
أوضح إسطفانوس أن الفحم يُعد مستلزمًا أساسيًا في عملية إنتاج الاسمنت وشهد سعره خلال الفترة الماضية زيادات ملحوظة، مضيفًا أن مصانع الأسمنت عَانت في الفترة الأخيرة من ارتفاع تكاليف الإنتاج حيث تستورد المصانع نحو 60% من مدخلاتها من الخارج، وعارضه في الرأي هاني العربي ومصطفى محمد محمود من تجار وموزعي مواد البناء بالسوق المحلية، واصفين زيادة أسعار الأسمنت بغير المبررة إذ يرون أن الأسمنت مُنتج محلي لا يوجد أي مبرر لصعود أسعاره متأثرة بتحركات سعر الصرف أو غيره.