تشهد المنطقة تحولات جذرية، يأتي على رأسها الأزمة السورية التي أثرت بشدة على أسواق الطاقة العالمية والاقتصادات الإقليمية، وعلى رأسها الاقتصاد المصري، فهل تمثل سوريا مفتاحًا لحل أزمة الطاقة العالمية؟ أم أنها ستغرق في تعقيدات أكبر تُهدد الاستقرار الإقليمي؟
سوريا بين السياسة والطاقة
أوضح المهندس مدحت يوسف، الخبير البترولي، أن الأزمة السورية تُمثل عنصرًا محوريًا في مشهد الطاقة العالمي. إذ أشار إلى أن سقوط نظام بشار الأسد وإعادة تشكيل السلطة في سوريا قد يُعيد إحياء مشروع خط أنابيب الغاز القطري التركي، الذي رفضه النظام السوري سابقًا.
وأكد يوسف أن المشروع، إذا نُفذ، قد يوفر كميات غاز كبيرة للأسواق الأوروبية، مما يقلل الاعتماد على الغاز الروسي. وأضاف: 'يمكن أن تستغرق إعادة تشغيل المشروع 4-5 سنوات، وهو ما يتزامن مع زيادة إنتاج قطر المتوقع أن يصل إلى 142 مليون طن سنويًا بحلول 2030'.
المهندس مدحت يوسف
وأشار يوسف إلى أن نجاح هذا المشروع قد يُعيد لسوريا مكانتها الاقتصادية والسياسية، لكنه حذّر من التحديات التي قد تُواجهها، مثل الصراعات الطائفية.
انعكاسات إقليمية ودولية
يرى الدكتور حسام الغايش، الخبير الاقتصادي، أن اضطرابات صناعة الطاقة العالمية خلال العقد الماضي، إلى جانب الأزمة السورية، تُلقي بظلال ثقيلة على الاقتصادات الإقليمية. وأوضح أن قطاع النفط والغاز في مصر يُعتبر محوريًا، حيث يسهم بشكل كبير في الناتج المحلي الإجمالي وتوفير العملة الأجنبية.
د/حسام الغايش
وأشار الغايش إلى أن الاستثمارات الأجنبية في قطاع البترول المصري ارتفعت إلى 5.6 مليار دولار في العام المالي 2022/2023. لكنه لفت إلى تراجع الإنتاج المصري من الغاز إلى 5.5 مليار قدم مكعب يوميًا بسبب تقادم الحقول، وهو ما يتطلب جهودًا مضاعفة للتعويض عن هذا الانخفاض.
وأضاف أن استقرار الوضع في سوريا قد يفتح آفاقًا جديدة لتصدير الغاز من مصر إلى أوروبا، ولكن التوترات الأمنية الراهنة تظل عقبة رئيسية أمام أي تطور في هذا الملف.
تداعيات اقتصادية محتملة
من جانبه، أكد الدكتور رمزي الجرم، الخبير الاقتصادي، أن أي تصعيد جديد في منطقة الشرق الأوسط سيؤدي إلى تفاقم الأزمات الاقتصادية العالمية، وخاصة في ظل الارتباط الوثيق بين الاستقرار السياسي وأسعار الطاقة.
وأوضح الجرم أن النزاعات المسلحة في سوريا تُهدد بتعطيل سلاسل الإمداد وحركة التجارة العالمية، مما سيؤدي إلى ارتفاع أسعار النفط والغاز والحبوب الزراعية، وبالتالي زيادة معدلات التضخم، خاصة في الاقتصادات الناشئة مثل مصر.
د.رمزى الجرم
وأشار إلى أن الإصلاحات الاقتصادية التي تبنتها الحكومة المصرية، مثل طرح الشركات والبنوك الكبرى للاستثمار الأجنبي، قد تُساهم في تخفيف تداعيات هذه الأزمات، لكنها لن تُعالج جذور المشكلة المرتبطة بالتوترات الجيوسياسية.
مستقبل مجهول في ظل التوترات
في ظل الصراع الدائر في سوريا والتوترات الجيوسياسية التي تُحيط بالمنطقة، يبدو أن مشروع أنابيب الغاز قد يُمثل فرصة نادرة لإعادة تشكيل خريطة الطاقة العالمية. ولكن، هل ستتمكن سوريا من تجاوز أزماتها لتُصبح لاعبًا رئيسيًا في سوق الطاقة؟ أم أن الصراعات المستمرة ستُبقيها في دائرة الفوضى؟