في مشهد اقتصادي يتسم بالتناقض، تعيش الولايات المتحدة حالة من الانقسام بين ارتفاعات مؤقتة في مؤشرات الأسهم، وتحذيرات متصاعدة من خبراء الاقتصاد بشأن تباطؤ حاد يهدد مستقبل النمو. ورغم إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن تجميد مؤقت للرسوم الجمركية على عدد من الدول – باستثناء الصين – لا تزال مؤسسات مالية كبرى تُبقي على نظرة متشائمة لمستقبل الاقتصاد الأمريكي، وتُرجّح دخول البلاد في حالة من الركود خلال الفصول المقبلة.
ففي الوقت الذي ارتفع فيه مؤشر "إس أند بي 500" بنسبة 7.6% منذ قرار التعليق، أظهرت تقارير صادرة عن مؤسسات مثل مورجان ستانلي وباركليز وبي إن بي باريبا أن التوقعات للنمو خلال عام 2025 تظل ضعيفة، مع تقديرات تشير إلى نمو يتراوح بين 0.1% و0.6% فقط، بينما قد يتراوح النمو في 2026 بين 0.5% و1.5%. وتشير نفس التقديرات إلى ارتفاع متوقع في معدل البطالة ليصل إلى نحو 5%، وتضخم يتراوح بين 3.5% و4%، ما يعكس بيئة اقتصادية مرشحة للمزيد من التباطؤ.
وكان ترامب قد أعلن عن وقف الرسوم على دول متعددة لمدة 90 يومًا، مع الإبقاء على رسوم مرتفعة على الواردات الصينية التي قفزت إلى 145%. وعلى الرغم من هذا الإجراء، ظل متوسط الرسوم الجمركية الأمريكية قريبًا من أعلى مستوياته منذ قرن، حيث انخفض بشكل طفيف فقط إلى 26.25% مقارنة بـ26.85% سابقًا، وفقًا لتقديرات وكالة "بلومبرج".
ويرى خبراء الاقتصاد أن تأثير هذا التعديل محدود، خاصة وأن الصين تمثل أحد أهم الشركاء التجاريين للولايات المتحدة، ما يجعل الرسوم المرتفعة عليها مؤثرة بشكل أكبر من تعليق الرسوم على دول أخرى. وعلّق دوجلاس بورتر، كبير الاقتصاديين في مجموعة "بي إم أو"، بأن استمرار هذه السياسات قد يُفضي إلى دخول الاقتصاد في دورة ركود، لافتًا إلى أن التوقعات الحالية تشير إلى عدة فصول متتالية من نمو لا يتجاوز 1%.
كما أفاد محللون في بنك باركليز أن إعادة توجيه الاستيراد نحو دول برسوم أقل قد يخفف بعض الأثر، لكن الأساسيات الاقتصادية لا تزال تشير إلى ضغوط مزدوجة من التضخم والركود، وهي سمة خطرة تُعرف باسم "الركود التضخمي". وأكدوا أن تعليق الرسوم، في صورته الحالية، لن يكون كافيًا لتغيير مسار الاقتصاد الأمريكي.
في المقابل، ترى بعض المؤسسات مثل جولدمان ساكس أن فرص الركود لا تزال مرتفعة وإن كانت أقل قليلاً من السابق، مع توقعات تبلغ 45% خلال العام المقبل، مقابل 65% قبل الإعلان عن تعليق الرسوم.
ورغم تفاؤل المستثمرين في البورصات، إلا أن المؤشرات الحقيقية مثل معدل التوظيف، نمو الناتج المحلي، ومستويات التضخم، تشير إلى صورة أكثر قتامة. ووفقًا للمحللين، فإن تأثير التغييرات الجمركية قد لا يتجاوز أثرًا نفسيًا مؤقتًا، بينما تستمر العوامل الجوهرية في الضغط على الاقتصاد الأمريكي خلال الأشهر المقبلة.