ألقت الآثار السلبية الناجمة عن فيروس كورونا بظلالها على كافة المجالات خاصةً الاقتصادية سواء على الصعيد المحلي أو العالمي، ومنها قطاع البناء والتشييد أحد أهم تلك القطاعات التي تأثرت بهذه الجائحة، حيث تكبد هذا القطاع خسائر فادحة في ظل صعوبة تقديم هذه الخدمات، غير أن الأهمية الاقتصادية الكبيرة لقطاع البناء والتشييد، دفعت الكثير من دول العالم نحو إعادة التشغيل التدريجي أو الكلي للقطاع، والتعايش مع الأزمة، مع اتخاذ الضوابط والتدابير الاحترازية اللازمة لتحقيق التوازن بين إعادة التشغيل والحفاظ على صحة وسلامة العاملين.
وفي هذا الصدد، أصدر مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار، برئاسة أسامة الجوهري مساعد رئيس الوزراء، العدد الرابع من سلسلة "كوفيد 19: إعادة تشغيل الاقتصاد" لتسليط الضوء على تداعيات أزمة "كوفيد-19" على قطاع البناء والتشييد، واستعراض الرؤى والخبرات الدولية على مستوى الدول، بهدف استخلاص الدروس المستفادة منها.
وأكد "الجوهري" على أن قطاع البناء والتشييد يعد أحد القطاعات الاقتصادية الرئيسية، التي تدعم مخططات الدولة التنموية، نظراً لارتباط الكثير من القطاعات والصناعات الأخرى به، كما يسهم بشكل أساسي في توفير الكثير من فرص العمل، مشيراً إلى أن هذا العدد من السلسلة يسعى إلى استكشاف الملامح الرئيسية للخبرات والتجارب المختلفة في مجال إعادة تشغيل قطاع البناء والتشييد.
وتابع "الجوهري"، أن هذا العدد مقسم لأربعة أقسام رئيسية تتناول عرضاً لـ 16 موضوعاً صادراً عن مؤسسات عالمية كبرى، منها: إدارة السلامة والصحة المهنية الأمريكية، والمعهد الملكي للمساحين القانونيين في بريطانيا، وكذلك سلطة البناء في ولاية فيكتوريا، وشركة مالتي بلكس، ووكالة العمل الآمن الأسترالية، وولاية ماساتشوستس الأمريكية، وشركة التحالف المتحد للخدمات، هذا بجانب مؤسسة بناء الطرق والبناء الثقيل في مقاطعة ألبرتا، ورابطة البناء الكندية، بالإضافة إلى شركة ميس جروب.
وأشار "رئيس المركز" إلى أن هذا العدد أبرز تأثير "كوفيد -19" على تكاليف مواد البناء التي تعد أهم عنصر في تلك العملية، مبيناً أن التوقعات تظهر انخفاض التكاليف خلال الفترة المقبلة، وذلك وفقاً لعدد من العوامل أبرزها، تعطل أعمال البناء والتشييد، وكذلك مشروعات البنية التحتية في الكثير من الدول.
وأضاف "رئيس المركز" أن هذا العدد أوضح اتجاه عدد من الدول الكبرى إلى مشروعات البنية التحتية غير التقليدية، منها مشروعات البنية التحتية التكنولوجية، والتي من المتوقع أن تقود مسيرة النمو، الأمر الذي سينعكس بدوره على انخفاض تكاليف المواد التقليدية، كما انعكس انخفاض السعر الدولي للنفط الخام إلى تراجع تكاليف مواد البناء، نظراً لاعتماد أعمال البناء على البنزين ووقود الديزل بشكل كبير.
وأكد "الجوهري" وفقاً لما جاء بهذا العدد أن الكثير من العمال كبار السن يخشون على صحتهم، نظراً لكونهم الفئة الأكثر عرضة للأثار السلبية لفيروس كورونا، موضحاً أنه مع كثرة تقاعد تلك الفئة من العمال والتي تعد الفئة الأكثر خبرة، سيتم تعيين عمال صغار السن بأجور أقل، مما يؤدي لخفض تكاليف العمل، في حين يرغب أصحاب العمل في الاحتفاظ بالعمال الأكثر خبرة، الأمر الذي يدفعهم لتقديم المزيد من الحوافز لإثنائهم عن التقاعد، مما يؤدي إلى زيادة التكاليف.
وتابع "الجوهري" أن هذا العدد يشير إلى الاتجاه نحو ما يسمى بـ "البناء الجاهز"، وهو ما يعني تصميم كل متطلبات المباني في المصانع من خلال العديد من التقنيات أهمها، تقنية قطع الليزر والذي سيؤدي إلى الاستغناء عن نفقات الأعمال بصورة تقليدية، كما سيؤدي لزيادة فرص العمل، مشيراً في الوقت نفسه إلى أن إعادة تشغيل قطاع البناء سيتطلب قيام الشركات بتوفير كل متطلبات التشغيل الآمن، وهو ما سيحملها تكاليف جديدة، لتوفير هذه المتطلبات من أدوات تعقيم، ومعدات حماية شخصية، كما تسعى الحكومات إلى استعادة جزء كبير من النفقات خلال الأزمة تجنباً لحدوث عجز مستقبلي، الأمر الذي سيدفعها إلى زيادة الضرائب على الشركات وأصحاب الأعمال.
وأوضح "رئيس المركز" وفقاً لما جاء بالعدد أن قطاع البناء ينقسم إلى العديد من القطاعات الفرعية مثل قطاع الإسكان، والبنية التحتية والإصلاح والصيانة، حيث تظهر أحدث البيانات أن هناك 325 ألف شركة إنشاءات في المملكة المتحدة منها 250 شركة لا تصنف على أنها شركات صغيرة ومتوسطة الحجم، مشيراً إلى تأثر قطاع الأسر المعيشية بالجائحة، حيث قررت غالبية الأسر ألا تبدأ أعمال التجديد والصيانة العادية، الأمر الذي سيؤدي إلى انخفاض الطلب.
وأشار "رئيس المركز" طبقاً للإحصائيات التي جاءت بالعدد أن خسائر قطاع البناء في بريطانيا تصل إلى 29 مليار إسترليني بسبب "كوفيد-19"، حيث ستواجه شركات البناء الصغيرة التي لا تمتلك احتياطات نقدية، وميزانيات قوية تحدياً كبيراً من منظور التدفق النقدي وقدرتها على الوصول إلى حزم الدعم الحكومية ذات الصلة، موضحاً أن نحو ثلث شركات البناء، قد تم رفض طلباتها للحصول على قرض توقف الأعمال، مما يجعل هذه الشركات عرضة لضائقة مالية شديدة.
وفيما يتعلق بتداعيات "كوفيد -19" على قطاع البناء والبنية التحتية عالمياً، ووفقاً لأحدث الاستبيانات الدولية التي أجراها "المعهد الملكي للمساحين القانونين"، فإن جميع مناطق العالم التي شملها الاستطلاع، أظهرت تأثر قطاع البناء والبنية التحتية بجائحة "كوفيد-19"، هذا بجانب توقع المهنيين، أن تقوم الحكومات بتعزيز الإنفاق على البنية التحتية، في إطار خططها لإنعاش الاقتصاد.
وأوضح "الجوهري" أن هذا العدد سلّط الضوء على خطط بعض البلدان لاستئناف النشاط بقطاع البناء والتشييد، ومن بينها خطة الولايات المتحدة الأمريكية، حيث أصدرت إدارة السلامة والصحة المهنية الأمريكية، قائمة مختصرة، استعرضت فيها أهم الإرشادات الواجب اتباعها، للحفاظ على سلامة القوى العاملة، وكذلك مجموعة من المبادئ التوجيهية لإعادة التشغيل الآمن، ومساعدة أصحاب العمل في توفير مكان عمل آمن وصحي، ولعل أبرزها: تشجيع العمال على البقاء في المنازل في حالة المرض، وكذلك السماح لهم بارتداء أقنعة الوجه لمنع انتشار الفيروس.
وبشأن تجربة أستراليا، لإعادة تشغيل قطاع البناء والتشييد، فإن هناك وثيقة صادرة عن وكالة "العمل الآمن الأسترالية"، استعرضت فيها خطة عمل أستراليا لإعادة التشغيل الآمن للقطاع، هذا إلى جانب دليل إرشادي صادر عن سلطة البناء في ولاية فيكتوريا، يستعرض إرشادات السلامة والصحة المهنية، والتدابير الاحترازية المناسبة، ولعل أبرز محاور هذه الخطة: التطبيق الفعلي لإجراءات التباعد الجسدي، والتعقيم والتنظيف لبيئة العمل، بجانب مراقبة صحة العمال، والاهتمام بالنظافة الشخصية.
وفيما يتعلق بتجربة كندا، فقد أصدرت رابطة البناء الكندية، دليلاً استعرضت من خلاله مجموعة من الخطوات والتدابير الهامة، التي يتعين على شركات المقاولات وضعها في الاعتبار، لضمان استمرارية أعمالها في ظل تأثيرات أزمة "كوفيد- 19"، بالإضافة إلى الدليل الصادر عن مؤسسة "بناء الطرق والبناء الثقيل" بمقاطعة ألبرتا، تناول التدابير الوقائية اللازمة على مستوى المقاطعة فيما يتعلق ببناء الطرق والبناء الثقيل، وذلك بهدف الحفاظ صحة العاملين ومجتمعاتهم في ظل جائحة كورونا.
الجدير بالذكر، أن مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار، قد سبق و أصدر ثلاثة أعداد من سلسلة "كوفيد19" : إعادة تشغيل الاقتصاد"، حيث جاء العدد الأول تحت عنوان "رؤى وخبرات دولية"، والذي اهتم بطرح الرؤى المتباينة بشأن مفارقة الحفاظ على صحة الأفراد وإعادة تشغيل الاقتصاد، ومقترحات الخبراء ومؤسسات الفكر بشأن مراحل وآليات ومحاذير إعادة تشغيل الاقتصاد، مستعرضاً عدد من الخطط الوطنية لإعادة فتح الاقتصاد، أما العدد الثاني فقد جاء بعنوان "تدابير وإجراءات وقائية"، ليسلّط الضوء على الضوابط والمعايير الوقائية المتعلقة بتعزيز السلامة والصحة المهنية في بيئة العمل وإجراء الاختبارات وتتبع الحالات المصابة واتباع سياسات العمل المرن والتوسع في العمل عن بعد، بالإضافة إلى بناء الثقة بين الحكومات والأفراد والشركات، في حين جاء العدد الثالث تحت عنوان " قطاع السياحة والسفر"، والذي استعرض خطط بعض البلدان لاستئناف النشاط السياحي وحركة السفر مرة أخرى.