كشفت وقائع حقيقية من تحقيقات نيابة أمن الدولة، قصة استشهاد المقدم محمد مبروك؛ استنادا أيضا إلى أصدقاء الشهيد، فى الكتاب صادر عن دار المعارف باسم 'ضى القمر' للكاتب الصحفى مصطفى بكرى؛ يكشف تفاصيل حياة الشهيد وقصة استشهاده.
ونرصد في الحلقة الثالثة من الوقائع، جانبا من قصة استشهاد المقدم محمد مبروك، والتي ترصد كواليس التقائه بزميله الخائن المقدم محمد عويس؛ الذي تسبب في اغتياله.
كان محمد مبروك يداوم على لقاء صديقه المقدم محمد عويس الذى كان رئيسًا لوحدة مرور الوايلى فى هذا الوقت.. لقد جمعتهما علاقة صداقة وأخوة منذ التحاقهما بكلية الشرطة.. لقد كان المقدم محمد عويس دائمَ التطلع إلى المال والسلطة، وكان دائمًا يقول للمقدم محمد مبروك: «انت بتتعِب نفسك زيادة عن اللزوم، ولا أحد سيقول لك شكرًا.. شوف مصالحك أحسن».. وكان مبروك يوجه له اللوم دومًا على كلماته.
كانت علاقات المقدم محمد عويس متعددة بحكم عمله رئيسًا لوحدة مرور الوايلى، حيث يتوافد إليه يوميًا العشرات من علية القوم، وكان تامر العزيزى واحدًا من هؤلاء الذين تعرفوا إلى المقدم محمد عويس، وتوطدت بينهما صداقة كبيرة.. لقد عرف تامر نقطة ضعف المقدم عويس، فبدأ يُغدق عليه الهدايا ويقدمها إليه فى مناسبات متعددة نظير خدمات محددة، ورويدًا رويدًا، بدأ يصطحبه لحضور دروس دينية فى أحد المساجد المقربة من الجماعة.
وقد كان تامر العزيزى عضوًا فى التنظيم، لكنه كان من المجموعات التى سُمح لها بالتحرك العلنى والتعامل مع العناصر التى يحتاج إليها التنظيم فى تسهيل بعض الأمور، والسعى تدريجيًا إلى تجنيدها وضمِّها. وكانت هناك علاقة تنظيمية تربط بين محمد بكرى وتامر العزيزى، وفى هذا الوقت التقى تامر العزيزى مع المقدم محمد عويس وبحضور محمد بكرى فى منزل صديقه محمد خليل فى التجمع الخامس، وقد جرى الحديث فى هذا الوقت على ضرورة تطبيق الشريعة الإسلامية.
توثَّقت عُرى العلاقة بين محمد بكرى والمقدم عويس، وتكررت الزيارات بينهما بمقر وحدة مرور الوايلى، ثم جرى ترتيب لقاء آخر بينهما عن طريق تامر، وفى هذا اللقاء فاتحه محمد بكرى بأنه يريد اصطناع أوراق لسيارة تم تهريبها من ليبيا مقابل مبلغ من المال.. إلا أن عويس رفض التورط فى هذه المشكلة.. كان المقدم عويس يواصل التردد بشكل مكثف على أحد المساجد بالقاهرة الجديدة لتلقى الدروس الدينية، وبدأ يقتنع بفكرة تطبيق الشريعة عبر الطريق الديمقراطى، عبر جماعة الإخوان التى كانت قد وصلت إلى الحكم فى هذا الوقت، وكان دائم الدفاع عن وجهة نظره وسط المتشددين من الذين كان يتحاور معهم.
وفى ديسمبر 2012 التقى محمد بكرى مجددًا بالمقدم عويس فى مكتبه ودار نقاش مطول بينهما حول تطبيق الشريعة، والطائفة الممتنعة، وأثناء احتساء الشاى، أفصح طارق أنه يقوم بجمع معلومات عن ضباط بجهاز أمن الدولة السابقين الذين عملوا فى عهد مبارك وخص منهم بعض الأسماء مثل: وائل مصيلحى ومحمد محمدين وأحمد سامح. وعلى الفور قام محمد بكرى بعرض صورهم التى يحتفظ بها على هاتفه النقَّال على المقدم محمد عويس، وطالبه بالمساعدة فى معرفة أرقام سياراتهم وماركاتها وعناوينهم مقابل مبلغ مالى كبير.
تردد المقدم عويس فى الإجابة، إلا أن محمد بكرى استطاع إقناعه بأن هؤلاء كانوا يعادون الدين ويعذِّبون الشباب المسلم، فقبل التعاون معه، ووعده بمعرفة عناوينهم وإبلاغها إليه، وقبيل أن ينصرف عرض محمد بكرى عليه صورة المقدم محمد مبروك، وهنا فوجئ المقدم عويس، وتساءل عن سبب جمع المعلومات عنه، فظل محمد بكرى يشرح له، كيف أوقع مبروك بكبار قادة الإخوان، والخطر الذى بات يشكله فى الوقت الراهن على الحركة الإسلامية بأسرها.. قال المقدم عويس: «أنا أعرف مبروك جيدًا، ولى علاقة شخصية به، ولكن لن أتورط فى أذيته». صمت الإرهابى محمد بكرى، لم يعلِّق على كلماته، سوى بالقول: «إحنا بنحمى ديننا ونحافظ عليه، وعمومًا الخيار لك». قال المقدم عويس: «ولكن مبروك أقلع عن ذلك». فقال طارق: «بل هو مازال مستمرًا فى الجهاز حتى الآن، ويُعَدُّ من الطائفة الممتنعة الواجب قتالها». كان المقدم محمد عويس قد فقد الأمل فى إمكان تطبيق الشريعة الإسلامية عبر الطريق الديمقراطى، خاصة أنه رأى بأم عينيه كيف يراوغ محمد مرسى وجماعته فى رفض تطبيق الشريعة كما وعدوا بذلك طيلة تاريخهم.
لقد وصل المقدم محمد عويس إلى القناعة الكاملة فى هذا الوقت بضرورة مقاتلة الطائفة «الممتنعة» واستباحة كل المحرمات من أجل الوصول إلى هذا الهدف وتحقيقه، ولذلك عندما طلب منه الإرهابى محمد بكرى تبديل لوحات مرورية بأخرى استجاب له على الفور، رغم أنه يعرف أن ذلك يتم بهدف تنفيذ عمليات إرهابية ضد آخرين، وعندما طلب منه الكشف عن رقم سيارة، أجابه سريعًا أنها ملك لشخص مسيحى. كان محمد عفيفى قد أصدر تعليماته لمجموعة المطرية، ومعها بعض العناصر الأخرى من مناطق مختلفة، بسرقة سيارات المسيحيين وتغيير لوحاتها المعدنية، لتنفيذ العمليات الإرهابية بها، وبيع البعض منها للصرف على كوادر التنظيم، وكان محمد عويس يساعد كوادر التنظيم -الذين تعرف إليهم- ويمدُّهم بكل ما يحتاجونه. بعد سقوط الإخوان وانهيار حكمهم وعزل محمد مرسى بإرادة شعبية وانتشار أحداث العنف بعدها، بات محمد عويس على قناعة بأن تطبيق الشريعة لن يتم إلا بالقوة.
ومع تكرار اللقاءات التى جرت معه، وافق بالفعل على الانضمام لتنظيم «أنصار بيت المقدس» خارج سيناء، وأصبح مطيعًا ومنفذًا لأهدافه وتعليماته، وكانت الأموال تتدفق عليه بغزارة من عناصر التنظيم. فى الموعد المحدد للقاء، كان المقدم عويس يحمل معه كل المعلومات التى طلبها الإرهابى محمد بكرى عن ضباط الأمن الوطنى بمن فيهم المقدم محمد مبروك.. لقد قدم له المقدم عويس كافة المعلومات عنه، وتحديدًا: عنوانه الحالى فى مدينة نصر، وأرقام هواتفه، وماركة سيارته ولونها ورقمها، ومواعيد خروجه وعودته، وصورته أثناء إفطار جماعى لدفعة خريجى كلية الشرطة، مع أنه كان على يقين بأن محمد مبروك أصبح هدفًا للتنظيم.
سعد محمد بكرى كثيرًا بهذه المعلومات، كانت التعليمات الصادرة إليه من محمد عفيفى تقضى بالتركيز على محمد مبروك، بعد أن جاءت التعليمات من داخل السجون، تقول: يجب التخلص منه، باعتباره الشاهد الوحيد فى قضية التخابر، حيث قدم العديد من المعلومات والأدلة لنيابة أمن الدولة التى تولت التحقيق فى هذا الملف، ومَثُل أمامها فى التحقيق لثمانٍ مرات، إلا أن التعليمات صدرت فى هذا الوقت بإعداد خطة عاجلة لاغتيال وزير الداخلية اللواء محمد إبراهيم انتقامًا لأحداث اعتصام رابعة العدوية، وكانت الخطة معدة من زعيم جماعة أنصار بيت المقدس (أبو عبد الله)شخصيًا.
كان (أبو عبد الله) قد نقل نشاطه من سيناء إلى محافظة الإسماعيلية فى أبريل 2013، استقر فى مكان قريب من طريق مصر - الإسماعيلية، وكانت هناك خلية تشرف على أمنه ومقابلاته الخاصة مع قيادات التنظيم، ومن بين المقربين إليه شخصين أحدهما اسمه الحركى «شريف» والآخر اسمه الحركى «مصطفى»، وهما ضابطان سابقان فى الصاعقة تم فصلهما من القوات المسلحة، وكان الثالث يدعى «ياسر» وشخص آخر «أبو محمد» وعدد آخر من كوادر التنظيم. كان هناك تنسيق واضح بين جماعة أنصار بيت المقدس وتنظيم «كتائب الفرقان» والمسئول عنها شخص يدعى «أبو أحمد»، وكان يفرض على الأعضاء فى هذا الوقت قراءة عدد من الموسوعات الأمنية والفقهية منها «موسوعة أبو زبيدة» والموسوعة الأمنية وأمن التنظيمات لعبد الله بن محمد، ودراسة فقه الجهاد علاوة على التدريبات العسكرية للتنظيم فى سيناء
كان مسئول التنظيم العسكرى للتنظيم خارج سيناء هو «محمد منصور» أبو عبيدة، وكان اختيار الكوادر التى يجرى تدريبها على الأعمال العسكرية فى سيناء تتم بموافقته الشخصية، حيث تتم المقابلة فى العريش، ويجرى تغمية الشخص المتوجه للتدريب إلى المكان المحدد داخل سيناء.. بعد اندلاع ثورة الثلاثين من يونيو وانحياز الجيش إلى الشعب، أصيبت التنظيمات المتطرفة بحالة من الهلع والصدمة، وأدركوا أن المواجهة لن تقتصر على تنظيم جماعة «الإخوان» وإنما ستمتد المطاردات الأمنية إليهم أيضًا، بدأوا الاستعداد للمواجهة على الفور، وراحوا يعدون أنفسهم ويقومون بتخزين الأسلحة استعدادًا للمواجهة وتنفيذ العمليات الإرهابية ضد بعض الشخصيات.
كان المقدم محمد مبروك قد عاد فى هذا الوقت إلى المقر الرئيس لجهاز الأمن الوطنى بمدينة نصر، بعد أن تم نقله إلى مقر الجهاز فى مدينة 6 أكتوبر أثناء فترة حكم الإخوان وإبعاده عن تخصصه، فقد تم إلغاء قسم التنظيمات الدينية داخل الجهاز، فغابت العديد من المعلومات المهمة عن الجهاز لمعرفة ومتابعة العناصر المتطرفة.
كان محمد مبروك يدرك أن عمر جماعة الإخوان فى الحكم سيكون قصيرًا، وكان يدرك أيضًا أن خيرت الشاطر يترصد به ضمن عدد من الضباط الآخرين الذين كانوا مسئولين عن نشاط التنظيمات الدينية، وفى المقدمة منها جماعة الإخوان.. وكان محمد مبروك يلازم ضباط الأمن الوطنى المقدم «عمرو مصطفى»، لقد جمعتهما صداقة عميقة، وتفانٍ فى العمل والأداء، كان عمرو مصطفى يعرف أن هناك خطة لجماعة الإخوان للتخلص منه ومن محمد مبروك وعدد آخر من الضباط، لكنه كان دومًا يشارك محمد مبروك فى اليقين ويراهن على المستقبل ويقول إن عمر جماعة الإخوان فى الحكم لن يدوم.
بدأ محمد مبروك يمارس نشاطه بكل جد واجتهاد بعد انتصار الثورة وعودته إلى المقر الرئيس لجهاز الأمن الوطنى، كان يسابق الزمن فى إعداد قاعدة معلومات عن نشاط جماعة الإخوان، خاصة بعد أن بدأ التنظيم الخاص للجماعة فى إشعال البلاد بإحداث العنف والإرهاب.. كان أحداث الاعتصام المسلح فى رابعة العدوية، قد أشعلت النيران فى قلوب قيادات الجماعة الإرهابية، انتشرت الحرائق، وعمليات القتل فى أماكن متعددة، وضعت الجماعة بمشاركة التنظيمات الإرهابية خطة للتخلص من بعض الضباط وفى المقدمة منهم وزير الداخلية اللواء محمد إبراهيم.. لقد حملوه المسئولية جنبًا إلى جنب مع القوات المسلحة عن فض اعتصام رابعة وسقوط عدد كبير من عناصر الجماعة، خاصة هؤلاء الذين أشهروا السلاح فى مواجهة القوات، وقرروا إعداد خطة لاغتياله ظنًا منهم أن ذلك سوف يردع النظام، ويرفع من الروح المعنوية لأعضاء التنظيم الذين باتوا يطاردون فى كل مكان.. فى هذا الوقت صدر التكليف من زعيم جماعة «أنصار بيت المقدس» (أبو عبد الله) إلى عدد من أعضاء التنظيم بينهم ضابطى الصاعقة المفصولين، الحركى (شريف) والحركى (مصطفى)، بالإضافة إلى عدد من أعضاء خلية الإسماعيلية وخلية المطرية برصد موكب وزير الداخلية اللواء محمد إبراهيم وخط سيره ومواعيد نزوله من منزله بمدينة نصر وتقديم مقترح لتنفيذ عملية تقضى إلى قتله واغتياله.
وبمجرد صدور التكليف بدأت عناصر التنظيم تتابع وترصد وتحدد الطريقة وأداة التنفيذ، وعرضوا الخطة على «أبو عبد الله» ووافق عليها بعد مناقشتها مع الضابطين السابقين. لقد تم الاتفاق مع أحد أعضاء التنظيم ويدعى الرائد السابق «وليد بدر» لتنفيذ العملية، من خلال سيارة مفخخة يجرى إعدادها بالمزرعة، وهو ضابط سابق بالقوات المسلحة، سبق وأن قاتل فى أفغانستان والعراق وبلاد الشام ثم عاد إلى مصر. فى هذا الوقت أرسل «أبو عبد الله» فى طلب محمد عفيفى مسئول التنظيم خارج سيناء، سافر محمد عفيفى إلى الإسماعيلية والتقى «أبو عبد الله» الذى حكى له عن العملية وتفاصيلها، طالبًا منه ضرورة التعاون مع عناصر الرصد والتنفيذ.
كانت الخطة تقضى بتنفيذ العملية بسيارة ماركة «هيونداى» لونها سماوى، وهى سيارة قامت خلية المطرية بسرقتها من أحد المسيحيين فى شهر رمضان، وتم إرسالها إلى (أبو عبد الله) قبل العملية بحوالى شهر تقريبًا، حيث قام أعضاء خلية المطرية وتحديدًا الحركى «حمكشة» والحركى (شادى) والحركى (شيكو) ومعهم محمد بكرى بسرقتها عن طريق تهديد مالكها بسلاح آلى بعد أن تأكدوا أنه مسيحى من خلال الصليب المعلق فى داخل السيارة. طلب (أبو عبد الله) من محمد عفيفى، أن يقوم بتجهيز مزرعة محمد فتحى الشاذلى لأنه سوف يحضر إلى هناك للإشراف على تجهيز السيارة بالمتفجرات.. وبالفعل عاد محمد عفيفى من الإسماعيلية إلى المزرعة الواقعة على طريق بلبيس، وبعدها بنحو ثلاثة أيام جاء (أبو عبد الله) إلى المزرعة ومعه (ياسر) مسئول تجهيز السيارات بالمتفجرات، وهو أحد المسئولين العسكريين للتنظيم والذى سبق وأن تدرب على تفخيخ السيارات فى قطاع غزة على يد ألوية الناصر صلاح الدين. بدأ ياسر فى تجهيز السيارة، واستمر التجهيز لمدة ثلاثة أيام، بينما تواجد فى هذا الوقت كلا من (أبو عبد الله ومحمد عفيفى «محسن» ومحمد السيد منصور «أبو عبيدة» والحركى ياسر ومحمد ربيع «أكرم» والحركى كيمو والحركى عماد).
وكان محمد عفيفى قد جاء بكيمو وعماد ليتعلموا من الحركى (ياسر) كيفية إعداد السيارات بالمتفجرات. بعد مضى الأيام الثلاثة كان ياسر قد زرع فى السيارة ست عبوات من المتفجرات، زنة كل عبوة حوالى عشرة كيلوجرام من مادة (تى. إن. تى)، إضافة إلى برميل كبير وضع على المقعد الخلفى للسيارة يحوى ستين كيلوجرام من مادة متفجرة (تصنيع شعبى)، وبعد تجهيز السيارة التقى (أبو عبد الله) بوليد بدر والحركى شريف والحركى مصطفى الضابطان السابقان ليلة التنفيذ ليرتب معهم الخطوات النهائية. وفى يوم تنفيذ العملية ركب (أبو عبد الله ومحمد عفيفى ومحمد ربيع) فى سيارة (فيرنا) فضية اللون بينما ركب الحركى (سامح) ومحمد السيد منصور (أبو عبيدة) فى السيارة (الجيتس) المفخخة، وكان دور السيارة الأولى هو تأمين السيارة المحملة بالمتفجرات والتى تولى قيادتها محمد ربيع.
مضت السيارتان باتجاه القاهرة، وفى الطريق وبجوار كارفور مدينة العبور كان الانتحارى وليد بدر ومعه الضابطان السابقان الحركى مصطفى والحركى شريف ينتظرون على ناصية الطريق. ركب (أبو عبد الله) وياسر مع الضابط السابق وليد بدر الذى تولى قيادة السيارة المفخخة لإعطائه التعليمات اللازمة الخاصة بالعملية الانتحارية، بينما اتفق (أبو عبد الله) مع الضابطين السابقين مصطفى وشريف بمتابعة العملية وإعطاء التعليمات وتصوير عملية الاغتيال. كان شريف ومصطفى يستقلان سيارة «شيروكى» لونها زيتى، تحركا أمام السيارة المفخخة واتجهوا ناحية شارع مصطفى النحاس بمدينة نصر فى انتظار خروج موكب الوزير لتفجيره.
عاد أبو عبد الله ومحمد عفيفى إلى مزرعة محمد فتحى الشاذلى على طريق بلبيس مرة أخرى فى انتظار سماع الخبر المدوى.. كان المقدم محمد عويس قد قدم المعلومات اللازمة لمحمد بكرى حول تحركات الوزير ومواعيدها، وقفت السيارة بالقرب من منزل الوزير انتظارًا لتحرك موكبه، وفى حوالى الساعة العاشرة والنصف من صباح يوم الخامس من سبتمبر من عام 2013، تحرك موكب الوزير قاصدًا المرور بشارع مصطفى النحاس بمدينة نصر وقبيل أن يقترب من السيارة المفخخة التى كان يتواجد بها الضابط السابق وليد بدر، قام الإرهابى وليد بتفجير السيارة متقدمًا عن الوقت المحدد ببضع ثوانٍ، مما تسبب فى نجاة الوزير وإصابة حوالى 25 شخصًا آخرين منهم عدد من رجال الشرطة من حراسة الوزير، بينما احترق جسد الإرهابى وتقطعت أوصاله إلى قطع صغيرة ومتناثرة.
كان الاتفاق مع الإرهابى وليد أن يفجر السيارة حال دوران السيارة من شارع مصطفى النحاس، إلا أن الإرهابى قام بالضغط على زر التفجير قبيل أن تكمل السيارة الدوران مباشرة، كان الخبر صادمًا لزعيم التنظيم (أبو عبد الله) لقد قرر على الفور المغادرة إلى الإسماعيلية ومعه ياسر وشريف ومصطفى، بينما راحت قوات الأمن تقيم المتاريس وتفتش السيارات، إلا أن (أبو عبد الله) استطاع أن ينجو من أكثر من كمين على طريق مصر - الإسماعيلية، حيث كان متجهًا إلى مخبئه هناك. بعد أن هدأت عمليات المطاردة لعناصر التنظيم التى قامت بتنفيذ العملية الإرهابية ضد وزير الداخلية استعدت خلية المطرية فى هذا الوقت لإحياء خطتها بتصفية المقدم محمد مبروك وعدد آخر من ضباط الأمن الوطنى.. صدرت التعليمات من محمد عفيفى المسئول عن التنظيم خارج سيناء بعد أن حصل على موافقة (أبو عبد الله) لتنفيذ المخطط، ومع بدايات شهر نوفمبر 2013، بدأ الإعداد لتنفيذ المهمة من خلال عدد من عناصر التنظيم.
وفى لقاء سرى عقده محمد عفيفى مع المجموعة التى سيعهد إليها بالتنفيذ، وكان هو منهم، قال: «إن نجاحنا فى الثأر من محمد مبروك سيردع الآخرين، ويضع لهم حدًّا، وسننقذ إخواننا فى السجون من حبل المشنقة». وفى هذا اليوم انتهى الاجتماع فى وقت متأخر من المساء، أدرك المشاركون أن ساعة التنفيذ قد حانت، فراحوا يتابعون المقدم محمد مبروك، ويتحرون الدقة فى كل المعلومات التى وصلتهم من المقدم محمد عويس، وتناقشوا معًا أكثر من مرة فى طريقة التنفيذ والموعد المحدد ووجهة الهروب وإخفاء السيارات والأسلحة التى ستُستخدم فى عملية الاغتيال.
أجرى الإرهابى محمد بكرى مقابلة بين المقدم محمد عويس وزميله الإرهابى أحمد عزت شعبان الذى عُهد إليه بأن يكون واحدًا ممن سيتولون عملية الإرشاد واستكشاف الطريق عقب تنفيذ عملية اغتيال المقدم محمد مبروك.. رافقه المقدم عويس أكثر من مرة وجلس إلى جواره فى سيارته أثناء نقل بعض الأسلحة والمتفجرات حتى لا يتعرض للتفتيش.
وفى إحدى المرات التى جرى تحميل السيارة فيها بكمية من الأسلحة والذخائر لنقلها إلى مدينة الرحاب، حيث يسكن أحمد عزت، وعندما همَّ أحد الكمائن الأمنية بإيقاف السيارة وتفتيشها، قام المقدم عويس بتعريفهم بنفسه، فسُمح لها بالمرور دون تفتيش. فى هذه الفترة كان المقدم محمد عويس قد وسَّع من نشاطه فقام بإمداد الإرهابى أحمد عزت شعبان بخط سير اللواء محمد إبراهيم وزير الداخلية أولًا بأول بعد أن طلب منه ذلك، وكذلك الحال بالنسبة للمقدم محمد مبروك وعدد من الضباط الآخرين، خاصة العاملين فى جهاز الأمن الوطنى.
كان أحمد عزت شعبان يسكن فى مدينة الرحاب، وينتمى لأسرة ثرية تعمل فى مجال المقاولات وتمتلك سلسلة من التوكيلات التجارية، كان متفوقًا فى دراسته، وكان يرغب فى الالتحاق بكلية الألسن، لكن والده أقنعه بالالتحاق بكلية التجارة الخارجية لمساعدته فى إدارة مشروعاته، تزوج فى عام 2005 من إحدى قريباته وأنجب منها طفلتين، وقد حدثت نقطة التحول فى حياته عندما أقنعه أحد أصدقائه بحضور درس دينى لأحد المشايخ فى منطقة المطرية، فتعرف إلى الإرهابى طارق وعدد آخر من أعضاء التنظيم، وقاموا بتجنيده، وعرضوا عليه المشاركة فى خطة اغتيال المقدم محمد مبروك، فوافق على الفور. وقد عُهد إليه أكثر من مرة بشراء الأسلحة وتوصيلها إلى العناصر التكفيرية فى عدد من مناطق القاهرة وتخزين بعضها فى فيلا الرحاب، وقد نجح فى كل ذلك نجاحًا مبهرًا واكتسب ثقة قادته.
وقد كان أحمد عزت يمتلك فيلا أخرى فى التجمع الخامس، استخدمها أيضًا لمصلحة التنظيم وتخزين الأسلحة فيها.. لقد كان أحمد عزت يتردد فى أوقات سابقة على اعتصام رابعة وقد وفَّر للمعتصمين مبالغ كبيرة لشراء الخيام والطعام، وبعد فض الاعتصام اتجه على الفور إلى منتجع مارينا فى الساحل الشمالى للاختفاء عن أعين رجال الأمن لبعض الوقت. ومع اشتداد حدَّة الحملات الأمنية فى هذا الوقت، عهد التنظيم لأحمد عزت بضرورة التحرك لإنجاز المهام المطلوبة على اعتبار أنه لم يكن معروفًا كالآخرين.
بدأ أحمد عزت يتردد مجددًا على المقدم محمد عويس فى مرور القطامية، وفى إحدى المرات طلب منه الاتصال بالمقدم محمد مبروك للتعرف عليه والتواصل معه وبالفعل، قام محمد عويس بطلب هاتف محمد مبروك، ثم أبلغه أن معه صديقًا يود التعرف عليه، وأعطى الهاتف لأحمد عزت شعبان الذى تحدث مع محمد مبروك. بعد هذا الاتصال بأيام قليلة، التقى أربعة من الإرهابيين، من بينهم محمد بكرى ومحمد عفيفى وشخصان آخران، لمراقبة المقدم محمد مبروك، جلسوا على أحد المقاهى القريبة فى مدينة نصر يراقبونه وهو يهبط من منزله، إلا أنهم انصرفوا بعد أن وضعوا خطة التنفيذ على أرض الواقع. وكانت المرة الثانية عندما استعدوا، لكنهم شاهدوه ينزل من بيته مصطحبًا معه زوجته وأولاده، وكانت هذه المرة قبل أن يتم اغتياله بعشرة أيام.
لقد طلب محمد عفيفى من محمد بكرى فى هذا الوقت تأجيل تنفيذ العملية لبعض الوقت بسبب وجود مشاكل أمنية لبعض أعضاء التنظيم الذين يتعرضون لمطاردات شديدة من الشرطة، ومن بين هؤلاء: محمد سعد عبد التواب الذى كان متهمًا بالاعتداء على كنيسة الوراق، وآخرون من مجموعة المطرية، دبَّر لهم بنفسه شقة لإقامتهم فى منطقة الجيزة. مضت الأيام سريعة، كان القرار قد اتُّخذ، والتعليمات جاءت من السجن بضرورة الإسراع فى التنفيذ، مهما كان الثمن، وقبل التنفيذ بيومين أو ثلاثة التقى محمد بكرى مع محمد عفيفى وآخرين، فى أحد مقاهى مدينة نصر خلف مطعم آخر ساعة على طريق النصر بجوار ميدان الساعة.
كان الاتفاق يقضى بتنفيذ خطة الاغتيال باستخدام سيارتين فى العملية، إحداهما للرصد والأخرى للتنفيذ، وتم الاتفاق على الأشخاص الذين سيكونون فى سيارة التنفيذ، وموقع كل واحد منهم داخل السيارة والمهمة الموكولة إليه، وكذلك الحال بالنسبة لخطة الرصد.وقد جرى الاتفاق على أن يتولى محمد بكرى قيادة السيارة، على أن يجلس محمد عفيفى خلف السائق مباشرة، وأن يجلس فهمى وكنيته «هانى» وهو عضو فى خلية المطرية إلى جوار طارق فى المقعد الأمامى، وأن يجلس خلفه «كيمو» وهو أيضًا عضو فى خلية المطرية.
كان الاتفاق يقضى استخدام سيارة «ميتسوبيشى لانسر» سوداء فى التنفيذ، أما سيارة الرصد فقد كانت من نوع «فورد» فضية اللون. وقد عُهد إلى أحد أعضاء التنظيم ويُدعى «عمرو سلطان» بقيادة سيارة الرصد «الفورد»، وإلى جواره جلس عضو آخر اسمه الحركى «يوسف»، بينما كان أحمد عزت شعبان يقود سيارة لكشف الطريق عن بعد.كان عمرو سلطان عضوًا بخلية المطرية، وكان يتمتع بذكاء شديد، وقدرة فائقة على قيادة السيارات.. أما يوسف فقد انضم إلى تنظيم «أنصار بيت المقدس» قبل التنفيذ بفترة قليلة، ولم يكن أحد يعرف اسمه الحقيقى أو عنوانه، وقد كان له دور فى مساعدة محمد عفيفى فى الحصول على شقة الجيزة أثناء عملية البحث عن مكان ليقيم فيه المطلوبون أمنيًا من قِبل الشرطة. تم الاتفاق بين المنفذين على أن يكون بحوزتهم ثلاثة أسلحة آلية من نوع «كلاشينكوف» يتسلمها محمد عفيفى وفهمى وكيمو، وقد وعد محمد عفيفى بتوفير كاميرا ديجيتال لتصوير الحادث أثناء التنفيذ.
وفى مساء 17 نوفمبر 2013 التقى أعضاء المجموعتين لتنفيذ العملية، جرى اللقاء فى التاسعة مساءً من نفس اليوم، كان الاتفاق أن يتم اللقاء قبل هذا الوقت بفترة قصيرة، إلا أن الازدحام الشديد كان سببًا فى تأخيرهم عن الوصول فى الموعد المحدد.كان محمد بكرى قد أكد لهم أن محمد مبروك يهبط من منزله للذهاب إلى مقر جهاز الأمن الوطنى فى مدينة نصر فى التاسعة والنصف من مساء كل يوم، وقد أكد له هذا الموعد المقدم محمد عويس، الذى تولى مهمة متابعته بدقة فى مرحلة ما قبل التنفيذ، وكان يبلغ التنظيم بالمعلومات أولًا بأول.
كان محمد مبروك قد عاد إلى منزله بعد عصر ذات اليوم بعدما زار والده ووالدته للاطمئنان عليهما، ثم سرعان ما غادر للراحة بعض الوقت، ورؤية أسرته. كان مبروك قد جلس مع زوجته، يتدبران أمور المنزل ويتحدثان عن أحوال الأبناء الثلاثة: زينة ومايا وزياد فى المدارس، والذين حضروا بعد ذلك لتناول الغداء مع والديهم، ثم دخل محمد مبروك إلى غرفة النوم ليخلد للراحة بعض الوقت.