اتجه صناع ورق البردي في جميع أنحاء البلاد إلى بيع منتجاتهم عبر الإنترنت في محاولة لمواجهة ركود السياحة الناجم عن جائحة 'كوفيد-19'، وفق ما ذكرته وكالة فرانس برس.
وسط الحقول الخضراء بمحافظة الشرقية في دلتا النيل بمصر، يجهد أهالي قرية القراموص بزراعة ورق البردى الذي كان يستخدمه الفراعنة للكتابة، للحفاظ على حرفة يهددها تراجع أعداد السياح الأجانب في البلاد في السنوات الأخيرة.
في سبعينات القرن الماضي، علّم مدرّس فنون في القرية مزارعي القراموص التقنيات الزراعية والحرفية العائدة إلى آلاف السنين لتحويل النبتة إلى ورق بردى مع رسوم زخرفية ونصوص، بعدما شارفت على الزوال.
ومنذ ذلك الحين، تشكل القرية الواقعة على بعد 80 كيلومترا شمال شرق القاهرة، أكبر مركز لصنع ورق البردى في البلاد، بحسب متخصصين في هذه الصناعة.
ورغم أن المصريين القدماء استخدموا البردي بغرض الكتابة، تظل الرسومات الفرعونية التي ينتجها فنانو قرية القراموص على هذه الأوراق الثمينة المصنوعة من النبات واحدة من الذكريات المفضلة للسياح والزائرين الأجانب في مصر.
ولا تقتصر الرسومات البردية التي ينجزها الرسامون في القراموص على التاريخ الفرعوني، بل تشمل موضوعات أخرى مثل الخط العربي والمناظر الطبيعية.
وعقب ثورة يناير 2011 التي أطاحت الرئيس الراحل حسني مبارك من الحكم وما تبعها من اضطرابات أمنية وسياسية، فرّ السياح من البلاد.
وبداية العام الماضي، كانت أرقام السائحين قد بدأت بالفعل في التحسن قبل أن يضرب وباء كوفيد-19 العالم ويؤثر سلبا على قطاع السياحة الحيوي. وحققت مصر عام 2020 إيرادات من السياحة بقيمة أربعة مليارات دولار مقارنة بـ16 مليار دولار عائدات مستهدفة من قبل الحكومة ذلك العام.
سعيد طرخان البالغ من العمر 60 عاما ويعمل كمزارع لنبات البردي ورسام، أسس عام 2014 جمعية للمهنيين في هذا القطاع بالقرية. وهو قال لوكالة فرانس برس إن هناك 25 مزرعة في القراموص تعمل حاليا في ورق البردي، مقارنة بنحو 500 قبل 2011.
وأضاف طرخان 'خسرت حوالى 80% من إجمالي دخلي، وكنت أحصل ما يقرب من 1000 دولار في الشهر... أما الآن فلا شيء'.
- دفاتر وأوراق طباعة -
وتشبه أوراق نبات البردي شكل المروحة ويمكن أن يصل ارتفاعه إلى أربعة أمتار وينمو مع ساقه مغمورا في الماء.
وبعد الآلاف السنين من طريقة الفراعنة في صناعة أوراق البردي، لا يزال المزارعون في القراموص يحافظون على التقنيات القديمة من خلال تقطيع الساق إلى شرائح رفيعة ومحاذاتها بسلك ووضع طبقات أخرى مشابهة فوقها، فيما تفصل بين كل طبقة وأخرى شريحة من القماش.
ثم تُوضع هذه الطبقات تحت ضاغط لمدة ساعات لتتشكل ورقة.
ويتم غمر الورق في الماء ثم يُترك ليجف في الشمس، ليصبح جاهزا للكتابة أو الرسم.
ويمتلك عبد المبدي مسلم البالغ من العمر 48 عاما ورشة لتحويل نبات البردي إلى أوراق في القراموص، كانت تضم ثمانية عمّال قبل عام 2011. أما اليوم فلا يعمل بها سوى شخصين بسبب تباطؤ النشاط.
ويقول لوكالة فرانس برس 'ورق البردى هو مصدر دخلنا الوحيد وهو يوفر قوت العيش لي ولأولادي ولا أعرف شيئا آخر'، مشيرا إلى أنه تكبد خسائر تقرب نسبتها من 80%.
وفي غرب العاصمة المصرية، بالقرب من أهرامات الجيزة الشهيرة، يؤكد أشرف الصراوي (48 عاما) الذي يملك متجرا كبيرا لبيع لوحات البردي، عدم الارتياح الذي يمر به العاملون في قطاع السياحة بالمنطقة، لكنه لا يزال يتمسك بأمل زوال الأزمة قريبا.
ويقول 'السياحة لا تموت أبدا، قد تمرض لفترة لكنها ستعود'، موضحا أن متجره خسر جزءا كبيرا من ايراداته، بعد أن أغلق لمدة أشهر بسبب الوباء.
وللهروب من الأزمة الحالية، فكر سعيد طرخان في تنويع منتجات معاصرة من البردي حتى تلقى رواجا بين الشباب مثل صناعة دفاتر مذكرات ودفاتر رسم أو أوراق تستخدم للطابعات أو حتى أوراق مصنوعة من ورق البردي المعاد تدويره.
يقول طرخان 'نحاول التفكير بشكل مختلف حتى نتمكن من الاستمرار، وأقول شكراً لكوفيد-19 الذي حبسنا في المنازل وجعلنا نطور من عملنا'.
وقبل بضعة أشهر، أطلق محمد نجل سعيد طرخان (30 عاما)، متجرا الكترونيا للعائلة لبيع المنتجات لشريحة أكبر من الزبائن.
ويقول محمد 'في البداية كنا نبيع محليا لمن يأتون إلينا، ولكن بعد الكوفيد، فكرنا في أننا نحن من نستطيع الوصول لمزيد من الناس وحتى الأجانب عبر الإنترنت'.