في يوم حزين، فقدت الأمة الإسلامية والعالم بأسره صوتًا قرآنيًا فريدًا، برحيل الشيخ السيد سعيد، الذي وافته المنية اليوم السبت عن عمر ناهز الـ 82 عامًا، بعد صراع مع المرض. كان الشيخ، المعروف بـ "سلطان القراء"، أيقونة في فن تلاوة القرآن الكريم، تاركًا خلفه إرثًا من الخشوع والتدبر يتردد صداه في قلوب الملايين.
منذ نعومة أظافره، بدت على الشيخ السيد سعيد علامات النبوغ. وُلد في قرية "ميت مرجا سلسيل" بمحافظة الدقهلية عام 1943، وأتم حفظ القرآن الكريم كاملاً وهو في التاسعة من عمره، في إنجاز يشهد على فطرته النقية وقوة ذاكرته. لم يكن الطريق مفروشًا بالورود، فقد نشأ في أسرة بسيطة، لكن حب القرآن كان وقوده الذي دفع به نحو التميز. بدأ رحلته مع التلاوة في كُتّاب القرية، وسرعان ما انتشر صيته، ليصبح قامة شامخة في عالم التلاوة.
صوت الشيخ السيد سعيد لم يكن مجرد ترديد للآيات، بل كان جسرًا يصل القلوب إلى معاني القرآن العميقة، سافر إلى العديد من دول العالم، من الإمارات ولبنان إلى جنوب أفريقيا وسويسرا، ليصدح بصوته العذب، ويُنير المجالس بتلاواته المتقنة.
كان يُعرف عنه عشقه الخاص لسورة يوسف، التي أضفى عليها بتلاوته بعدًا آخر من الجمال والإحساس. لم يكن قارئًا فحسب، بل كان مربيًا للروح، يُلهم المستمعين بتدبر الآيات والعمل بها.
في سنواته الأخيرة، عانى الشيخ من مرض الفشل الكلوي. لكن مكانته وقيمته الروحية لم تُنسَ، فقد حظي باهتمام الدولة المصرية، وعلى رأسها الرئيس عبد الفتاح السيسي، الذي وجه بتقديم الرعاية الصحية اللازمة له، هذا الاهتمام يعكس تقدير مصر لأبنائها الأوفياء وحماة كتابها.
اليوم، ودعت نقابة محفظي وقراء القرآن الكريم بجمهورية مصر العربية، هذا القارئ العظيم، مؤكدة أن الأمة فقدت عمودًا من أعمدة تلاوة القرآن. ورغم أن صوته قد صمت عن الدنيا، إلا أن تلاواته المسجلة ستظل حية، تشهد على علاقة روحانية فريدة جمعت بين الشيخ وكتاب ربه. رحل الشيخ السيد سعيد، لكن إرثه القرآني سيظل منارة للأجيال القادمة، يُضيء دروبهم بنور القرآن وجمال التلاوة.