كشفت تجربة جائحة كورونا عن إصرار البعض على تحدي الإجراءات الاحترازية لفيروس كورونا، بعدم ارتداء الأقنعة الواقية، أو بالتمسك بالطرق النمطية المعتادة للتحية عند اللقاء مثل المصافحة والتقبيل، ولكن فيما يبدو، فالمصريون لهم تاريخ مع العادات الخاطئة التي تتسبب في انتشار الأوبئة، بحسب الباحثة في تاريخ مصر الحديث، نسمة سيف الإسلام سعد.
وتؤكد نسمة، أن المجتمع المصري في النصف الأول من القرن العشرين يعتبر مثالا واضحا لأثر الثقافة على الطب والعلاج بصفة عامة، حيث نتج عن غياب الوعي الصحي لدي المسئولين عن الصحة، وعدم وجود الثقافة اللازمة لدى الأطباء التي تشجع الطبقات التي لا تنتشر بها الثقافة الصحية على العلاج في المستشفيات، ما دفعهم للبحث عن العلاج بالطرق الشعبية والموروثة حتي أثناء انتشار الأوبئة الفتاكة.
الممارسات الشعبية الخاطئة
إلقاء المريض في النهر لعلاج الملاريا وقص الهواء لمواجهة الكوليرا
وقالت 'سيف الإسلام' في كتابها 'الأوبئة والأمراض في المجتمع المصري في النصف الأول من القرن العشرين': 'على سبيل المثال أثناء انتشار وباء الملاريا (1942- 1845م) كان يتم أخذ المريض قبل الغروب بدقائق قليلة إلي الترعة أو النهر ويلقون به في الماء البارد لمدة ثلاثة أيام متتالية معتقدين أن هذا سيذهب عنه الوباء'.
وضربت سيف الإسلام، مثالا آخر حدث عندما انتشر وباء الكوليرا عام 1947، حيث كان أهالي الريف يخرجون إلي الشوارع بالمقصات الخشبية الكبيرة، ويقومون بقص الهواء لاعتقادهم أن هذا سيؤدي إلي ابتعاد الأرواح الشريرة التي كانت السبب في انتشار الوباء.
الممارسات الشعبية الخاطئة
وتابعت: 'بالإضافة إلى ذلك كانت ثقة الأهالي في الطب الشعبي بمختلف أنواعه من أهم عوامل ابتعاد الأهالي عن الطب الرسمي نظراً لعدم توافر الخدمات الطبية في المناطق الفقيرة والبعيدة عن العاصمة، وذلك على العكس من الطب الشعبي بمختلف وسائله النابعة من بينهم وتوافر الممارسين له حولهم'.
وبينت الباحثة في التاريخ، أن موروثات الطب الشعبي كانت متحكمة في طرق علاج الأطفال حديثي الولادة وأمراض العيون وكل ما يصيب الإنسان من الأمراض، 'فالطب الشعبي من أوسع المجالات العلاجية التي يصعب دراسة كافة جوانبها، حيث يتسع مجاله ليشتمل على الإجراءات والممارسات الدينية السحرية والميكانيكية الكيميائية فضلا عن العلاج العشبي والوصفات المنزلية، والجدير بالذكر أن أهم أسباب استمرار الثقة في الطب الشعبي يرجع إلي أن وصفته عبارة عن نتاج تعامل الإنسان مع المشكلات الصحية التي تواجهه عبر العصور'.
الأمراء اتجهوا للطب الشعبي.. وبعد المستشفيات سر عزوف أبناء الأقاليم
وأردفت سيف الاسلام، أن اللجوء إلي الطب الشعبي لم يكن مقتصرا على الطبقات غير المتعلمة فحسب وإنما كان البعض من أصحاب المستويات العلمية المرتفعة يلجأون إلي الطب الشعبي في حال عدم حصولهم على نتائج فورية من الطب الرسمي، وحتي الطبقات العليا في المجتمع، ففي حريم أحد الأمراء عندما أصيب طفل بحمي التيفود واحتار الأطباء في علاجه قام الأمير بالاستعانة بأحد المعالجين الذي كتب بعض بعض الآيات القرآنية ثم وضع الورقة في كوب من الماء حتي محيت من الحبر، وعندما شرب المريض من الماء المخلوط بالحبر شفي.
وأضافت: 'لعل أهم أسباب ذلك عدم وجود توعية صحية سليمة بين جميع طبقات الشعب المصري مما كان يفتح الباب للثقة في الطب الشعبي سواء في الريف أم في المدن، بالإضافة إلى العامل الاقتصادي، فقد كان غالبية المرضي في المناطق التي لا توجد بها مستشفيات لا تتوافر لديهم المقدرة المادية للسفر والعلاج، فكان الأيسر لهم التوجه للمعالج الشعبي الذي يمكنه دفع ثمن العلاج له بالأجل'.
الممارسات الشعبية الخاطئة
وأشارت إلى أن العلاج الشعبي في المدن كان له طابع مختلف عن الريف والبادية، حيث يقوم على الاعتماد على الأدوية الحديثة التي يصفها الأشخاص للمرضي من واقع خبراتهم السابقة، بالإضافة إلي بعض الوصفات التي يقدمها العطارون والحلاقون والدايات، وفي الحالات المستعصية كان يتم اللجوء إلي الاستشفاء بالأولياء والقديسين.
وبحسب 'سيف الإسلام'، 'بلغ مدى الثقة والاهتمام بالطب الشعبي أنه كانت تصدر مجلة مختصة بأخبار الطب الشعبي بأنواعه المختلفة باسم (عالم الروح)، وكانت تهتم بنشر أخبار المرضي الذين شفوا من ذلك، وأما عن الأفراد الممارسين للطب الشعبي في المجتمع المصري في النصف الأول من القرن العشرين فنجد أنه كانت هناك عدة طوائف من المعالجين، فكانت هناك فئة تزاول العلاج بطريقة احترافية حيث يقدمون الخدمة العلاجية مقابل أجر على اعتبار أن ذلك مصدر رزق لهم، وتوجد فئة أخري تقدم الخدمة العلاجية دون مقابل كنوع من عمل الخير، وبالإضافة إلي هذه الفئات كانت هناك فئة عريضة يقدمون الخدمة في إطار الطب الشعبي المنزلي'.