قال الداعية الشيخ جابر البغدادي، وكيل الطريقة الخلوتية بمحافظة بني سويف، إن هناك عشر خطوات إلى الله تعالى، يجب على كل مسلم أن يدركها جيدًا، مطالبًا بضرورة تطبيقها في الحياة العملية لكل مسلم حتى يبلغ الدرجات العلى والمقام الرفيع.
وأوضح الشيخ جابر البغدادي، خلال أحد دروسه العلمية بمدينة بني سويف، أن الشيخ عبد القادر الجيلاني، بين العشر خطوات إلى طريق الله تعالى قائلا : الطريق إلى الله فكل حقيقة ليس لها مؤدي في الشريعة وليست على طريق الشرع، فهي زندقة فطر إلى الله بجناحي الكتاب والسنة، متسائلا : كيف يتم تطبيق هذا في الحياة العملية.
واستشهد البغدادي بقصة حينما جاء أحد طلابه يتعلم منه فقه الإمام أحمد، وبعد خمس سنوات جاء وقال له " يا شيخ.. أنا لم أر لك كرامة خارقة للطبيعة مثل باقي الشيوخ.. فأنا كنت أسمع أن الشيخ فلان كان يمشى على الماء وآخر يطير فالهواء..وأنا لم أر مثل هذا فيك..فكيف يقال أنك ولي! "، قال له سيدي عبد القادر " يا ولدي منذ متى وأنت تصحبنى"، قال "منذ خمس سنين"، قال له :منذ خمس سنوات أرأيتنى ضيعت فرض!، قال لا، قال منذ خمس سنوات، جاء رمضان ووجدتنى مفطر، قال لا، قال منذ خمس سنوات جاء وقت الزكاة ووجدتنى لا أزكى!، قال لا، منذ خمس سنوات، جاء عليك ليل ووجدتنى في ملهى!، قال لا، ما بين طلب العلم أو الصلاة، قال له " يا ولدي وأي كرامة تكون بعد الإستقامة! "، أعظم كرامة يؤتيها العبد هي الاستقامة، يا ولدي كل حقيقة بلا شريعة زندقة.
وأشار إلى مقولة الشيخ عبدالقادر الجيلاني، أن "أهل الدنيا يهرولون خلف الدنيا ولا يدركونها وهي تهرول خلف أهل الله ولا تدركهم "، وكأني بالحق وهو يقول يا دنيا من خدمني فإخدميه ومن خدمك فاستخدميه، هي الدنيا تقول بملئ فيها، حذاري حذاري من بطشي وفتكي فلا يغرركم مني ابسام فقولي مضحكٌ والفعل مبكي.
ولفت إلى قوله "كيف يتم إيمانك وأنت تحب غيره وكيف يصح زهدك وأنت تريد غيره وكيف يصح توحيدك وأنت ترى غيره "، كأني به يريد أن يقول أن التوحيد "لا إله إلا الله"، عند أهل الإسلام هو إفراد الله بالعباده و بالمحبة، وعند أهل الإيمان هو إفراد الله بالقصد والإرادة، وعند أهل الإحسان هو إفراد الله بالشهود، فالأولى يقول أهلها " لا إله إلا الله لا معبود إلا الله "، وعند أهل الإيمان " لا إله إلا الله لا مقصود إلا الله"، وعند أهل الإحسان " لا إله إلا الله لا مشهود إلا الله"، بتنمحي الآثار من عيون بصائرهم، والدنيا تخرج من قلوبهم تمامًا، وتتجلي للمحبوب في كل وجهة فشاهدته في كل معنى وصورة.
وتابع الشيخ جابر البغدادي كلامه قائلًا: إن الشيخ عبدالقادر الجيلاني قال: "الزاهدون بين الدنيا والآخرة..." ، وذلك حال أهل الزهد أن يترك الدنيا لينال الآخرة لم يزني في الدنيا لينال الحور العين، لم يأكل في الدنيا ليأكل من ثمر الآخره، لم يشرب خمر الدنيا لينال خمر الآخرة، وأن هناك رجلٌ صالح بالطبع لكن هل هناك من هو أعلى من ذلك، نعم هناك من هو أعلى من ذلك، قال "..والمتقون بين الجنة والنار.." ، فكل حياتهم حذر "فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ "، والخوف من الجنة والنار، والموحدون، بين الحق والخلق".
وأوضح أن الجنة والنار وكل شيء غير الله من الخلق يفاضل ما بين الحق والخلق، ولذلك يقول الشيخ الجيلاني رضى الله عنه" كيف تصح لا إله إلا الله وفي القلب صنم "، وما هو هذا الصنم!! قد يكون هذا الصنم مال حرام أحببته ولا تريد أن تعيد الحق لأصحابه.. إمرأة معك في حرام.. حديث حرام متعلق في قلبك.. باب حرام صنم معنوي ساكن في قلبك، وهل تركت الحق وخالفت الله لأنك لا تقدر أن تخرجه من قلبك.
وأضاف أن من كرامات الشيخ عبدالقادر الجيلاني العظيمة رضى الله عنه أنه كان في مرة يتحدث عن اليقين وسقطت من سطح المسجد حية، فجرى نصف الجالسين، بينما استمر قلة، واستكمل الشيخ حديثه، وصعدت الحية على كرسي الدرس ودخلت من بين ملابسه، ثم خرجت من خلف عنقه والتفت حول عنقه، وشدت زمامها عليه، ثم انفلتت من عليه ونزلت ووقفت أمامه وكأنه يكلمها وتكلمه هذا الكلام نقلا عن الإمام الشعراني في الطبقات، فلما انصرفت قالوا يا شيخ ماذا حدث!! قال كنت اتكلم في الزهد وأراد الله أن يختبرني ومرت هذه الحية ولما فعلت ما فعلت ولم أهتز وقفت أمامي وألقت علي السلام، وقالت والله كم فتنت من ولي يتكلم في اليقين لما رآنى انقسموا بين اثنين، إما قطع كلامه وخاف وإما أكمل وظاهره متزن وباطنه خائف لكنك رجلٌ صالح يا عبدالقادر، يقينك في ظاهرك كما في داخلك.
وأشار إلى مقولة الشيخ عبدالقادر الجيلاني: " الذاكر حي يتنقل من حياة إلى حياة، فالجسد يبلى والروح لا تموت "، وكان يقول " تطالبون الحق بتغيير الاقدار، أأنت أحكم وأرحم وأعلم بك منه " لذلك سيدنا يعقوب علم سيدنا يوسف وقال له في أول سورة يوسف " إن ربك حكيم عليم''، ومقتضى هذا التوجيه أن ما يحكم الله به عليك..هو ما في صالحك.
ولفت الشيخ جابر البغدادي إلى مقولة عبدالقادر الجيلاني " تنازعون الله في الأقدار، أأنت أرحم وأحكم وأعلم بك منه!! "، ولكى ترى التمكين وعدم الإفتتان بالشياطين والرؤيات والهواجس التي يعيش بها الناس، مشيرًا إلى أن الشيخ عبد القادر الجيلاني أثناء وجوده في خلوته وإذا به يرى نورًا تصور له على أنه عرش ورجلٌ من نور يجلس على ذلك العرش، وقال له يا عبد القادر أنا ربك وإنى قد رضيت عنك وأبحت لك المحرمات، فقال الشيخ عبد القادر له: " أأنت الله؟ "، فسكت ولم يرد، فقال له اخسأ يا عدو الله، قال بما عرفتنى يا عبد القادر، قال كيف يحل الله لي المحرمات لى ولم يحلها لنبي الله محمد، فقال غلبتنى بعلمك يا عبد القادر، قال لا، غلبتك بحول الله وقوته، قال أبشر يا عبد القادر أنت ولي، لقد فتنت بها ألف عابد قبلك.
وأوضح الشيخ جابر البغدادي، أن الشيطان عنيد أراد أن يغويه وأن يزيل فناؤه عن شهود نفسه لكن الشيخ عبد القادر الجيلاني، عبد لله لا يشهد إلا الله فنفى علمه وهو الحقْ قم ألحقَ التوفيق لحول الله وقوته، وأن العبد كلما ارتقى واتصل بحضرة الملتقى، و لا يرفع عنه التكليف بل يتحول جلال التكليف إلى جمال التشريف، فتصير العبوديه من عناء التكليف إلى لذة الشرف فى العبودية، وهنا يحق قول قوله ﷺ " أرحنا بها يا بلال، وما بها من شرف، وراحة، و تحول العبد من حالة أنه يعبد الله كلفًا متكلفًا مجاهدًا لنفسه، إلى لذة أن العبودية شرف.
وأشار إلى مقولة الشيخ عبدالقادر الجيلاني أن " السائل هدية الله، فلا ترد الهديه "، وأسوة بأجداده، وذلك امتثالًا لقوله تعالى "وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا"، لافتا إلى قول الجيلاني "عجبًا لقوم وجوههم الى الكعبه وقلوبهم تطوف بالدينار والدرهم "، وأيضا " الخلوات خمسه، خلوة عن النفس وخلوة عن الناس وخلوة عن الدنيا وخلوة عن الآخره وخلوه مع الله ".
وأوضح أن الخلوات الأربعة الأولى "عن " والأخيرة "مع الله"، أما الخلوة التي عن النفس فبتصفيتها ومجاهدتها ومخالفتها عن إتباع الشهوات والهوى، وأما الخلوة التي عن الناس فبعدم الميل والركون إليهم والاعتماد والتوكل عليهم وبعدم الطمع بما عندهم، وأما الخلوة التي عن الدنيا فبقصر الأمل
وأما الخلوة التي عن الآخرة فبالطمع في وجه الله عز وجل، وأما الخلوة التي مع الله فبإسقاط التدبير وتفويض الأمر والتسليم إلى الله، كأنه يقول العبد مع مراد مولاه كريشة في أرض فلاةٍ.