ads

"أم سميحة".. قصة سيدة شرقاوية تهزم الألم بالمطرقة وتناشد الصحة لعلاجها من الإكزيما: "تعبت من الوجع"

أم سميحة النجارة
أم سميحة النجارة
كتب : مي كرم

في أحد شوارع قرية ريفية بمحافظة الشرقية، يعلو صوت المطرقة ممزوجًا برائحة الخشب المقطع، لتجد نفسك أمام ورشة صغيرة لا تختلف كثيرًا عن مثيلاتها، إلا أن اللافت فيها ليس المعدات أو القطع الخشبية المتناثرة، بل صاحبة اليد التي تمسك بالقطع الخشبية وتُحكم قبضتها على المطرقة إنها 'أم سميحة' سيدة تبلغ من العمر 34 عاما قررت كسر الصورة النمطية قبل 15 عاما وامتهنت النجارة على يد زوجها لتشاركه كفاح الحياة.

ولدت 'أم سميحة' لأسرة بسيطة؛ والدها فلاح عاش حياته معتمدًا على قطعة أرض صغيرة كانت مصدر رزقه الوحيد، ومع تقدمه في العمر، اضطر إلى بيع الأرض لعجزه عن زراعتها، وهكذا بدأت رحلتها مع المسؤولية والكفاح مبكرًا بحسب حديثها لـ'أهل مصر'.

أم سميحة النجارة أم سميحة النجارة

تقول 'أم سميحة': 'كنت بشتغل أنا واخواتي في عمل مطارح العيش، كنت بساعدهم، بس ساعتها ما كنتش أعرف أعمل المطرحة كويس، مكنش عندي خبرة كافية وقتها' لكن الأمور تغيرت عندما تزوجت قبل خمسة عشر عامًا من 'نجار مسلح'، فضلا عن اتقانه صناعة المطارح، تلك الحرفة التي فتحت لها بابًا جديدا تستطيع من خلالها كسب بضع جنيهات نهاية كل يوم بالكاد تدبر احتياجات أسرتها.

'علمني الصنعة عشان أساعده، كنا بنحاول نعيش حياة كريمة ونربي ولادنا'، هكذا تصف 'أم سميحة' بداياتها في مهنة النجارة التي تعلمتها على يد زوجها، ورغم صعوبة العمل، إلا أن يدها لم تهتز، وكان لطموحها صوت أعلى من كل الانتقادات.

وتكمل بثقة: 'اللي عنده طموح ما بيفكرش في كلام الناس، بيفكر في مصلحته طالما بيشتغل شغل حلال، وأنا وزوجي تعبنا كتير، بس كله عشان نعيش ونربي أولادنا'.

حين تزوجت، كانت البداية من غرفة واحدة في منزل عائلة زوجها، بعد سنوات من الكفاح وسفر الزوج خارج البلاد، عاد ليبنيا معًا شقة صغيرة في بيت العائلة، لكن طموحهما كان يكبر يوما تلو الآخر وظل حلم الاستقلال يراودهما، تقول 'أم سميحة': 'نفسنا يكون عندنا بيت لوحدنا، وده اللي لسه بنسعى ليه'.

'فاطمة' أوكما يلقبها الجميع 'أم سميحة'، لم تكتف بصناعة المطارح فقط، بل باتت تصنع 'الأقفاص وبوكسات الدواجن' من خشب السويد الأبيض مما يضيف قيمة مميزة لمنتجاتها.

تصف 'أم سميحة' مراحل صناعة المطرحة بفخر موضحة أنها تمر بـ25 مرحلة، منها تبدأ بتحديد المقاسات مستخدمة في ذلك قلما من الرصاص، ومن ثم تقطيع الخشب، ثم نشره، ومسحه، وتسويكه، ورصه وتدوير حوافه حتي تنتهي بمطرحة خشبية صنعتها بإتقان لم يترك مجالًا للشك في مهارتها كونها سيدة تعمل في مهنه لم تعد حكرا على الرجال.

يبدأ يوم 'أم سميحة' في ساعة مبكرة، تحضر الإفطار لأبنائها، تطمئن على ذهابهم للمدرسة، تنظف المنزل، ثم تتوجه إلى الورشة في قرية التلين التابعة لمركز منيا القمح، لتبدأ عملها في النجارة، حيث تقضي ساعات طويلة بين الخشب والأدوات، تصنع الأمل كما تصنع المطرحة.

رغم كل شيء ما زالت أم سميحة تكافح وتحلم بتجهيز ابنتها الكبرى، وبأن يكون لها بيت مستقل يحمل بصمة كفاحها، قصتها ليست فقط عن النجارة، بل عن امرأة من لحم ودم، حولت ضيق اليد إلى حرفة، وحولت الحرفة إلى وسيلة للعيش بكرامة.

أم سميحة النجارة أم سميحة النجارة

خلف هذا الوجه المتماسك، تُخفي'أم سميحة' وجعًا أعمق لا تراه العيون بسهولة، ففي كل مرة تمسك فيها الخشب، أو تستخدم أدواتها الثقيلة، تقاوم دمعة تكاد تسقط من عينها، لا بسبب التعب، بل لأن الألم أصبح رفيق يديها وقدميها، بصوت مكسور تقول: 'كل ما الألم يزيد، بحس إني بنهار، مش عشان الشغل، لكن عشان المرض اللي كل يوم بيسرق مني جزء من نفسيتي وجسمي'.

ثماني سنوات مرت على ظهور أولى علامات الإكزيما المزمنة في يديها وقدميها، مرض جلدي التهب جسدها، وامتد رويدًا رويدًا، حتى بات يطاردها في كل لحظة يوميًا، مع كل حكه يعقبها نزيف يزيد من معاناتها.

جابت 'أم سميحة' المستشفيات والعيادات من قريتها إلى المدن والمحافظات المجاورة لكن الأمل كان يتلاشى مع كل تشخيص يؤكد عدم فائدة العلاجات التي تستخدمها كالكريمات والمراهم والمسكنات وغيرها، وذات مرة سافرت إلى البحر بناءً على نصيحة أحد أقاربها الذي أكد لها إن مياه البحر قد تكون علاجًا طبيعيًا، لم تنتظر كثيرا وذهبت 'أم سميحة' بصحبة أسرتها وهي تحمل أمل الشفاء بداخلها، نزلت البحر وغسلت قدميها ويديها بمياهه، وظنت أن مياه البحر المالحة ستعيد إليها جلدها لطبيعته، لكن سرعان ما تحطمت أمالها عندما عادت وداهمتها الإكزيما وانتشرت أكثر بيديها وقدميها.

رغم معاناتها الصحية المتزايدة، لم تُلق 'أم سميحة' أدوات النجارة جانبًا، ولم تستسلم للوجع الذي تُفاقمه النشارة الناعمة المتطايرة حولها يوميًا، تعمل في صمت، تكتم الألم، وتخفي ضعفها خلف قوة امرأة اعتادت الكفاح، لكنها اليوم تفصح عن أمنيـة واحدة طال انتظارها، قائلة:'أنا مش عايزة حاجة غير إني أتعالج عشان أنا تعبت من الوجع'.

تناشد أم سميحة وزارة الصحة، والمؤسسات الطبية، وكل من بيده مساعدتها في الوصول إلى علاج لحالتها أو خضوعها لكشف طبي متخصص يعيد تقييم حالتها التي تزداد سوءا يوما تلو الآخر بعدما أخبرها الأطباء أن الأمل ضعيف لكنها لازالت لديها يقين في فرصة العلاج.

أم سميحة النجارة أم سميحة النجارة

أم سميحة النجارة أم سميحة النجارة

أم سميحة أم سميحة

أم سميحة أم سميحة

أم سميحة أم سميحة

WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً