في لحظة غيرت مصير عائلة بأكملها، تحولت فرحة شاب بمستقبل جديد إلى مأساة موجعة هزّت قلوب أهل قريته الصغيرة. محمد السيد موسى، شاب لم يتجاوز الحادية والعشرين من عمره، كان يحلم فقط بأن يعيش حياة طبيعية بلا معاناة من عرق اليدين، لكنه لم يكن يعلم أن رحلته القصيرة إلى غرفة العمليات ستصبح رحلته الأخيرة في هذه الدنيا.
في قرية بركة غطاس، بمركز أبو حمص في البحيرة، أُغلقت الأبواب، وسكنت الضحكات، واتشحت البيوت بالسواد بعد أن عاد محمد إلى أهله جثة هامدة، ضحية جديدة لإهمال طبي قاسٍ سلبه روحه وأطفأ نور شبابه، ذهب إلى مستشفى دمنهور العام لإجراء عملية جراحية بسيطة لاستئصال العصب السمبثاوي، فخرج منها محمولًا على الأكتاف.
داخل غرفة العمليات، كان الخطأ القاتل ينتظره؛ الطبيب المسؤول عن الجراحة تسبب في ثقب ثلاث فتحات برئتيه وإصابة قصبته الهوائية إصابة بالغة، ليبدأ محمد رحلة عذاب طويلة داخل العناية المركزة، موصولًا بأجهزة التنفس الصناعي، فاقدًا الوعي، بينما ظلت أسرته تنتظر خلف الأبواب، لا تدري ما الذي يحدث لابنها، ولماذا لم تكتمل الجراحة كما وُعدوا.
على مدار أسبوعين كاملين، لم يتلقَ الأهل سوى كلمات مطمئنة جوفاء، بينما كان جسد محمد ينهار بصمت خلف الأسوار، ومع تدهور حالته طالبت الأسرة بتدخل عاجل، وناشدت كل مسؤول لإنقاذ نجلهم، حتى استجابت وزارة الصحة في النهاية وقررت نقله لمعهد القلب بالقاهرة، لكن الأوان كان قد فات، فقد كان الجسد قد أنهكه الخطأ الفادح، والروح على وشك الرحيل.
لم تفلح الأجهزة ولا الأطباء في إنقاذ محمد، ليفارق الحياة هناك، بعيدًا عن حضن أمه وأبيه، تاركًا وراءه صدمة عميقة في قلوب كل من عرفوه، وذكرى موجعة في وجدان قريته التي ودعته في جنازة مهيبة لم تعرف لها مثيلًا من قبل، حيث خرج المئات يشيعون جسده الطاهر، في مشهد امتزجت فيه الدموع بالدعوات، والغضب بالحسرة.
رواية الأسرة المؤلمة كشفت تفاصيل أيام الرعب الطويلة، وكيف دخل محمد العملية بقدميه يضحك ويحلم، لكنه لم يخرج منها إلا في غيبوبة أبدية، أخبروهم أن حالته مستقرة، وأنه سيفيق قريبًا، لكن الحقيقة التي أخفوها كانت أبشع من أن تحتمل، فقد امتدت الإصابة لتشمل القصبة الهوائية في مكان حساس لا يحتمل الخطأ، ولا يتحمله جسد شاب في عمر الزهور.
وبين صدمة الفقد وألم الخذلان، طالبت الأسرة بفتح تحقيق عاجل ومحاسبة كل من تسبب في هذه الكارثة، قبل أن ينضم محمد إلى قائمة طويلة من ضحايا الإهمال الطبي في المستشفيات الحكومية، قائلين: "مدير المستشفى قال لنا بنفسه: اللي غلط يشيل شيلته، أنا مش هشيل غلطة حد".
وهكذا أُغلقت صفحة شاب كان كل حلمه أن يعيش بلا عرق في يديه، لكنه ودع الدنيا كلها، في لحظة غدر طبي، بلا رجعة.



