فى أحد أركان قرية 'الحميدات شرق' التابعة لمركز ومدينة إسنا جنوب محافظة الأقصر، يعيش رجل سبعيني بملامح هادئة، لكنه يحمل بداخله نيرانا من الذكريات لا تنطفئ، اسمه «عبد المنعم حسنين محمد» ويشتهر بين أهالي قريته بـ 'الرغيب' فهو ليس مجرد مواطن بسيط او رجل قضى عمره فى الحياة الريفية؛ بل هو أحد أبطال ملحمة العبور فى حرب أكتوبر عام 1973، الذين قاتلوا فى الصفوف الأمامية، ودفعوا مندمائهم وأجسادهم الثمن.
البطل عبد المنعم الرغيب
«مكناش نعرف إننا فى حرب غير لما بدأت»
وفى حوار خاص يتحدث «الرغيب» لـ« أهل مصر» بصوت هادئ ونبرة واثقة يروي من خلالها تفاصيل مشاركته فى الحرب، قائلا: 'خرجنا من معسكرنا يوم 6 أكتوبر مع طلوع الفجر،ومعنا أسلحتنا، وكل تجهيزات القتال، ولم نكن نعلم بأننا ذاهبون لحرب، حيث لم يخبرنا أحد خوفا من وجود خائن بيننا يخبر العدو، ولكن عندنا جاءت الساعة الثانية ظهرا، وجدنا الطائرات تحاصر المكان وتتردد عليه، أدركنا أن الحرب قائمة، وحينها لم يتردد فى عقولنا سوى كلمتين النصر أو الشهادة'.
«رأيت زميلي يستشهد بجواري فاشتعلت الحرب بداخلي»
ويحكي البطل عن أصعب اللحظات التي مرت عليه خلال المعركة قائلا: 'لن انسى ابدا استشهاد زميلي الذي كان يقف بجواري، حينما جاءت شظية من الأعلى فصلت رأسه عن جسده فى لحظة، ألقاه عليه العدو، ساعتها حسيت إن قلبي بيولع نار وحلفت إني هقاتل لآخر نفس فى عمري علشان آخذ حقه وحق اللي راحوا'.
«مكنتش فاكرة نفسي هخرج منها عائش»
ولفت إلى أنه لم يتوقع خروجه من الحرب وهو على قيد الحياة من كثرة المناظر المؤلمة التي شاهدها أمام عينيه فى الحرب حينما كان الرصاص وغيره يحاصرهم من جميع الجهات، موضحا أنه من ضمن الأحداث التي لا تستطيع ذاكرته نسيانها حتى الآن أيضا ما حدث معهم فى القنطرة شرق ، حينما أراد العدو استرداد القنطرة، بعد أسرهم لعساف ياجوري، عاد الهجوم عليهم من العدو مرة آخرى فظلوا يومين كاملين يقاتلوا العدو حتى قضوا على هذا اللواء وجميع دبابته، حتى لم تعد سيارة واحد سليمة للعدو بسبب تدميرهم من المقاتلين المصريين، واستشهد منهم عدد كبير من العساكر والقوات المصرية، مشيرا إلى أن المعركة مع العدو بالنسبة له ولزملاؤه كانت أيسر من التدريب 100 مرة.
إصابتي بالرصاص والنابالم ما وقفتنيش
وتابع البطل حديثه :' رغم إصابتي بطلق ناري فى يدي اليمنى، وحروق من قصف بالنابالم، مستسلمتش وكنت بحارب بيدي اليسرى، فى أغلب أوقات المعركة، مفيش حاجة كانت تهمنا، وكنا شايلين مصر على كتافنا، واحنا اللي كنا بندافع عنها، مش بس بالسلاح، لكن بالإيمان'.
"قنطرة شرق .. يومين من الجحيم وسحقنا لواء كامل"
ويستعيد ' الرغيب' معركة من معارك الشرف، حين حاول العدو استعادة' القنطرة شرق' بعد أسر القائد الإسرائيلي' عساف ياجوري موضحا بقوله:' فضلنا نقاتل يومين متواصلين العدو كان بيهاجم بعنف، لكن احنا دمرنا اللواء بالكامل، ولا عربية ولا دبابة واحدة خرجت سليمة'.
«كنت هموت علشان الكوبري ما يتعطلش»
ويكشف 'عبد المنعم' موقفا شديد الخطورة حين تعطلت سيارة جيب أمامه أعلى الكوبري، مما كان سيعرقل تقدم القوات: 'قررت اني أزق العربية فى القناة، وقلت لزمايلي ثبتوا فى المدفع كويس علشان أنا هموت يا ولاد، بس لازم نعدي، وفعلا العربية نزلت والكوبري فضل شغال والجيش دخل سيناء.
«دمرت 3 عربيات ومطب من لحم العدو»
وأكد عبد المنعم الرغيب ابن الأقصر أنه استطاع خلال الحرب أن يقتل ثلاث عربيات من عربات العدو، حيث قام بنقلا عربية جيب أمريكية بداخلها أربعة أفراد إسرائلين عليها رصاص عوزي حينما دخل بيهم بالعربية الزل التي كان يقتادها ودمرهم حتى جعلهم مطبا، بالإضافة إلى ثلاث عربيات جيب غيرها جعل نهاية من بداخلهم مثل الأولى، وعربية آخرى كانت أعلى الكوبري.
حاربنا من غير نوم ومدفع الطيران خليناه أرضي
في غياب التغطية الجوية وتأخر الدبابات قام عبد المنعم ورفاقه بتحويل مدفع مضاد للطائرات إلى مدفع أرضي لمواجهة الدبابات الإسرائيلية القادمة، مضيفا: 'معرفناش النوم وكنا فى اشتباك دايم، لكن عزيمتنا كانت أقوى من الحديد'.
«فرح النصر وخلفت انتصار وحمدي»
بعد العودة من الحرب، كانت الفرحة الكبرى بسلامة العودة والنصر، فقرر عبد المنعم أن يحمل أولاده أسماء تحمل قصة النصر، مختتما حديثه بقوله: اكرمني الله بولد وبنت بعد الحرب اسميتهما ' انتصار' و' حمدي' لكي أحمد الله على نجاته لي وتحقيق النصر إلينا.