في صحافة الخليج يمكن أن تلحظ ملمحا يميز الصحف الخليجية، وهى أنها جميعا تقوم على ما يقدمه مراسلون في المدن خارج العاصمة وهم غالبا يعملون في قطاع التعليم أو في مصالح حكومية ويعتبرون العمل الصحفي عمل إضافي يحصلون من خلاله على بعض المكافآت الخليجية، ولكن الأهم هو العلاقات التي يكونها المحررون الذين يراسلون الصحف مع المؤسسات البلدية في كل مدينة، وهذه الممارسة تشبه ما قد يقوم به مراسلو المحافظات في الصحف المصرية، ولكن في حقيقة الأمر فإن الفارق شاسعا بين مستوى الممارسة المهنية التي يمارسها أى مراسل يعمل في محافظة مصرية، وبين ما يقدمه مراسلو الصحف في المدن الخليجية، ولعلي أتذكر هنا جملة كاشفة قالها لي محرر صحفي خليجي وأنا أواجهه برداءة المادة المقدمة منه وقارنتها بين ما يقدمه المراسلون في الصحف المصري، فانهى الرجل الجدل قبل أن يبدأ وهو يقول : ( الطفل عندك يتولد صحفي يا بوخالد ) و ( بوخالد) هو اسم الكنية التي كان يناديني بها الزملاء في صحف الخليج ولا يزالون يتراسلون معي حتى اليوم أو اقابلهم في سفرات خارج مصر بنفس الأسم الذي أنساني أسمي الصحفي الذي عرفت به .
مُذَكَّرَاتُ جورنالجي بَيَّنَ عَصْرَيْنِ: عشقًا في مصر وليس حبًا في مبارك ..هذا ما حدث في مطعم فلافل على شاطئ الخليج !
لكن مع ذلك من الضروري أن أشير للتجربة الإنسانية التي لازمتنا جميعا خلال هذه التغريبة، كنا مجموعة من الصحفيين القادمين من صحف حزبية أو خاصة، وكان لدى معظمنا تجارب سلبية مع نظام مبارك، بعضنا اعتقل في فترة حكمه، وبعضنا فقد مصدر رزقه بإغلاق الصحيفة التي يعمل بها، كان مبارك يوعز لأجهزته بإغلاق الصحف فيحرم عشرات الصحفيين العاملين في هذه الصحف من مصدر رزقهم، ثم يخرج ليخطب ويقول إن في عهده لم يقصف قلم، نسمعه يقول هذه الجملة ونحن لا نصدق ما نسمعه لأن مبارك ببساطة قصف مئات الأقلام بإغلاق الصحف التي يعمل فيها عشرات أو حتى مئات الصحفيين .
مُذَكَّرَاتُ جورنالجي بَيَّنَ عَصْرَيْنِ: عشقًا في مصر وليس حبًا في مبارك ..هذا ما حدث في مطعم فلافل على شاطئ الخليج !
كنا نجتمع نلتمس من سيرة مصر وأخبارها ما يعرفه بعضنا غير ما ينشر في الصحف أو يذاع في نشرات الأخبار، ولم تكن المواقع الإخبارية قد انتشرت، ينقلنا زميل بسيارته لمطعم على بعد عشرات الكيلومترات من مكان السكن الذي ننزل فيه فقط لنجتمع في محل مصري للفول والطعمية على على مسافة ليست ببعيدة من كورنيش الدمام الخليج على الخليج العربي نأكل فول وطعمية وفلافل صنعه رجل مصري كان يبيع أيضا الكشري، كانت المطاعم الهندية واليمنية والباكستانية تحيط بنا، ومحلات الفول والتميز السعودي على بعد خطوات، فنتركها فقط لنبحث عن رائحة مصر في أطباق بسيطة، نجتمع ونصب اللعنات على مبارك نحن الصحفيون المصريون وصاحب المطعم المصري وحتى زبائن المحل الآخرين من المصريين، ولكن إذا تطفل على حديثنا رجل من أهل البلد أو من بلد آخرى ومس مبارك بكلمة كنا نترك أكل الفلافل ونأكل بأسنانا من تطاول على مبارك، ليس حبًا في مبارك ولكن حبًا وعشقًا في مصر التي كان مبارك رمزها في هذه الأيام .
مُذَكَّرَاتُ جورنالجي بَيَّنَ عَصْرَيْنِ: عشقًا في مصر وليس حبًا في مبارك ..هذا ما حدث في مطعم فلافل على شاطئ الخليج !
لكن صاحبة مع ذلك وحتي تكون شهادة عدل في حق مبارك فإن صاحبة الجلالة حافظت على عرشها، وصدرت إصدارات جديدة بفكر جديد، ولم تنزل صاحبة الجلالة عن عرشها رغم كل الظروف، لكن مع ذلك فمن خلال ما عايشته في فترة حكم مبارك أجد نفسي أقرر أن العلاقة بين الرئيس حسني مبارك و الصحافة لم تكن مثالية وإن كانت هادئة في معظم فترات جمهورية مبارك. ولكن مع ذلك يمكن القول إن الأزمات بين مبارك وبين صاحبة الجلالة كانت محتملة مقارنة بالفترات السابقة في عهدي السادات وعبد الناصر، ولكن ما يميز العلاقة بين مبارك وبين الصحافة هو أنه لم يكن لمبارك صحفي خاص، مثل هيكل عند عبد الناصر، وموسى صبري عند السادات، بل احتفظ مبارك لنفسه على الدوام بمجموعة من الكُتَّاب، ورؤساء تحرير الصحف القومية ، لكن لم يمنع ذلك من حدوث توتر في العلاقة بين المجتمع الصحفي وبين نظام مبارك مع صدور القانون رقم93 لسنة 1995 الذي وافق عليه مجلس الشعب في جلسة مسائية، ونشر بالجريدة الرسمية صباح اليوم التالي في سابقة، هي الأولي من نوعها في تاريخ الصحافة المصرية، إذ حوي القانون ست مواد، تضمن معظمها تعديلات لبعض مواد قانوني العقوبات، والاجراءات الجنائية، والقانون 76 لسنة 1970 بإنشاء نقابة الصحفيين، وهنا فوجئ مبارك نفسه باتفاق الصحف القومية والحزبية على التصدى لهذا القانون، واستمرت هذه المواجهة بين مبارك وبين الصحفيين علي مدار 13 شهراً لهذه الأزمة، وفي نهاية المطاف رضخ مبارك وأوعز بإلغاء القانون الذي سبب غضب الصحفيين .