على مدار شهرين، توالت المتظاهرات على رأس رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، تارة بسبب فساده وتارة أخرى بسبب تفشي فيروس كورونا في البلاد، وخارج مقر إقامته في القدس، يلوح متظاهرون بلافتات ويقودهم الشباب الذين لا يكادون يتذكرون زعيما آخر غير نتنياهو الذي يتولى رئاسة الوزراء منذ 2009، لكنهم يريدون منه أن يستقيل.
ووجد استطلاع للرأي أجراه المعهد الإسرائيلي للديمقراطية في 12 يوليو أن 29.5 % يثقون في طريقة تعامل رئيس الوزراء الذي يبلغ من العمر 70 عاما مع الأزمة، انخفاضا من 57.5 % في أبريل نيسان و47 % في يونيو.
وقال المعهد الإسرائيلي إن نتنياهو، الذي يتلقى الإشادة عادة بفضل سياساته الاقتصادية، فقد الاهتمام على ما يبدو بإدارة الأزمة وأخفق في إعداد استراتيجية واضحة للخروج بعد إجراءات العزل الأولى.
ويعتقد بعض الإسرائيليين أن خطط ضم أجزاء من الضفة الغربية المحتلة أدت لتشتيت انتباه نتنياهو، ويقول آخرون إن اهتمامه تحول إلى قضية فساد مرفوعة ضده، والتي ينفي فيها ارتكاب أي مخالفات.
انقلاب عسكري في إسرائيل
ويقول المعهد ان وجهة نظر العسكريين كانت وما زالت ان الحل هو كسر عظام الفلسطينيين ودكها، فقد كان رأيهم يسود ويتغلب حتى على رأي باراك، الذي كان يتأرجح بين المصلحة الاسرائيلية السياسية، خاصة على الصعيد الدولي ورأي العسكر. فكلما جنح باراك تحت تأثير الضغط الدولي للتهدئة ثار الضباط فرضخ باراك.ليس هذا فحسب، بل ان ضمن المؤسسة العسكرية، برزت تيارات اكثر تطرفا من الاخرى. وقامت هذه التيارات بتنفيذ ما تراه هي، مغلبة ذلك على الاوامر التي صدرت عن باراك في بعض الاحيان، وكلف بتنفيذها بعض الضباط الذين يعتبرون اقل تطرفا من المجموعة التي ذكرنا، وظل هذا الوضع قائما الى ان حسم باراك موقفه لصالح التحالف والائتلاف مع المؤسسة العسكرية.
فهمش تهميشا كاملا الوزارة الاسرائيلية واستعاض عنها بالوزارة المصغرة واجتماعاته الخاصة بكبار ضباط الجيش والمؤسسات الامنية ليناقش ويقرر بشأن القضايا الكبرى اي الحرب والسلام.
بكلام آخر يمكن القول ان باراك بدلا من ان يصطدم مع المؤسسة العسكرية التي بدأت فعليا تصادر القرار وتنفذ حسبما تراه هي مناسبا لها ولرؤيتها، قرر ان يكون على رأس الانقلاب العسكري غير المعلن في اسرائيل. وان يتحول مرة اخرى لضابط عمليات خاصة لا يثق الا بالضباط الذين يحيطون به ويعملون معه.
هذا يقودنا إلى السؤال التالي: كيف هيمنت المؤسسة العسكرية على القرار الإسرائيلي؟
حصلت في المؤسسة العسكرية الاسرائيلية منذ حرب أكتوبر عام 1973، كما شرح المعهد الإسرائيلي بالأسماء كيف ان هذه التغيرات البنيوية التي بدأت بعزوف ابناء الكيبوتسات عن الانخراط الاحترافي في الجيش مقابل اقبال الشرقيين والمتدينين اقبالا كبيرا.
فأصبحت هيئة الاركان متجانسة مع الهيكلية الجديدة واصبح معظم قادة الاسلحة شرقيين ومتدينين متطرفين. بينما تقلص حجم الاشكناز الى حد ادنى بالرغم من هذا بقيت المؤسسة العسكرية الى حين اغتيال رابين تخضع خضوعا كاملا للسلطة السياسية. ذلك ان شخصية رابين (حزب العمل) كانت قوية وتاريخية وتنتمي لتقاليد بن غوريون، ولم يكن يسمح لأي من الضباط ان يكون له موقف سوى ابداء الرأي وتقديم المعلومات لرئيس الوزراء.
ولكن منذ ان وصل نتنياهو للحكم بدأت أنوف العسكريين تطل على التوجهات السياسية وبدأت مراكز ثقلهم تؤثر في القرار السياسي، وكاد ذلك يورط المنطقة بأسرها في حرب مدمرة بسبب تقرير قدم من الاستخبارات العسكرية تبين لاحقا انه ملفق من قبل ضابط متطرف ادعى ان سورية تعد العدة لتوجيه ضربة الى اسرائيل.
ولقد قام الأميركيون بالتحقيق بسرعة من الامر وابلغوا الحكومة الاسرائيلية عدم صحة التقرير وانه لا نية لسورية بتوجيه ضربة لاسرائيل، لكن التدخل العسكري في صنع القرار السياسي في اسرائيل بدأ يأخذ حجمه الجدي والخطير في زمن باراك، الذي يشعر بانتمائه للمؤسسة العسكرية اكثر من انتمائه للوزارة أو حزب العمل أو ائتلاف اسرائيل واحدة، لذا فإن هذا الوضع الجديد يتطلب من الدول العربية المعنية ان تستخدم معايير ومقاييس جديدة في حساباتها لاحتمالات التحرك الاسرائيلي، اذ لم تعد الضوابط السابقة قائمة تماما.
ولقد ترافق مع هذا التغير البنيوي الخطير.
وهم يشعرون في الوقت ذاته بان خروجهم من لبنان بهذا الشكل إهانة للعسكر الاسرائيليين، وان استمرار حزب الله في اذلالهم شيء لا يحتمل، وهم الذين يعتبرون انفسهم قادة لأقوى جيش في المنطقة ويملكون اكثر الاسلحة تقدما تقنيا.
الأمم المتحدة وكوفي انان، اعتبرا ذلك خرقا للاتفاق، لكن الاخطر من كلام الأمم المتحدة هو ما صرح به السفير الأميركي لدى لبنان. ولا شك ان هذا التصريح وصله مكتوبا من واشنطن ليدلي به في بيروت.
السفير الاميركي أعلن تعليقا على عملية حزب الله أن لبنان وآخرين سيدفعون ثمنا باهظا لم يكن بالضرورة ان يدفعوه.
في مواجهة ما يجري، واستغلالا للوقت الذي يضيعه اليهود في الولايات المتحدة بشأن نتائج انتخابات الرئاسة الاميركية، هروبا من العودة للمفاوضات، تعد المؤسسة العسكرية الاسرائيلية نفسها وهي شبه مستعدة لتوجيه ضربة عسكرية خارج الحدود.
نقول هذا الكلام لأننا نستخدم المقاييس المنسجمة مع التغييرات التي حصلت في المؤسسة العسكرية الاسرائيلية من ناحية وانطلاقا من قناعة بأن الانقلاب العسكري الاسرائيلي قد وقع فعلا من دون اعلان.
وما الدعوة التي بدأنا بالحديث عنها الا لتحذير الدول المعنية بأن عليها ان تبدأ بتنفيذ خطط للدفاع عن النفس وعدم السماح لمغامرة العسكريين الاسرائيليين بأن تمر بسلام.