اعلان

"انزعوا عيني دون وطنيتي".. حكاية فدائي مصري رفض التطبيع مع الإنجليز

علاقة جمعتهما على حب الوطن
علاقة جمعتهما على حب الوطن

لم يستطع الإنجليز انتزاع وطنيته ولا حتى ذرة منها، حيث رفض الفدائي والبطل المصري محمد مهران، المساومة على خيانة وطنه في سب قادة بلاده، وفضل اقتلاع عينيه فداءا لمصر والعروبة، حتى أصبح شعارا لبورسعيد وأبنها البار، البطل الذي أعجب به شعوب الدنيا المحبة للسلام، وكان محل تقدير قادتها وزعمائها، وهو الذي قال: 'أحمد الله الذي هداني لفداء مصر، وأحمد الله الذي قوى من إيماني بعدالة قضية وطني، وعوضني الله خيرا في زوجتي التي كنت أرى بعينيها كل شئ جميل وحلو في بلدي بورسعيد وفي وطني الكبير مصر'.

وتتجلى عظمة المرأة البورسعيدية من خلال الموقف النبيل لزوجة الفدائي محمد مهران، التي اقتلعت القوات الإنجليزية عينيه بعد أن ألقت القبض عليه خلال العدوان الثلاثي عام 1956، حيث أصرت زوجته على التبرع بأحد أعيونها إلى زوجها الفدائي، لتعينه على استكمال حياته بشكل طبيعي، ورغم وفاتها منذ أكثر من 9 سنوات، إلا أن هذا الموقف لم ولن ينساه مهران.

مهران علاقتى بزوجتى بدأت علاقة غرامية مع الوطنمهران علاقتى بزوجتى بدأت علاقة غرامية مع الوطن

يقول مهران الذي يصارع الموت بمستشفى النصر ببورسعيد، إنه شعر بأن حياته انتهت مع وفاة زوجته الحاجة حميدة حسن إسماعيل، التي تزوجها في 14 نوفمبر عام 1957، وتوفيت يوم الإثنين الموافق 11 يناير عام 2011، معلقا: 'لم أشعر بأنني فقدت بصري إلا يوم وفاة زوجتي، فيوم وفاتها شعرت بأنني أعمى، وانكسر قلبي'.

ويكمل الفدائي البورسعيدي حديثه عن زوجته فيقول: 'بدأت الآنسة حميدة حياتها العملية في مهنة التمريض، مهنة ملائكة الرحمة وعند قيام العدوان الثلاثي، كانت تؤدي دورها الإنساني بنجاح وبصمت مع غيرها من فئات الممرضات، وهن جميعا كالجنود المجهولين كثيرات منهن لهن بطولات لكن لم تسلط الأضواء عليهن، فعملهن وسط النيران وتحت قصف المدافع والطائرات لم يتركن مواقعهن مثل جندي الميدان'.

وأضاف مهران: 'في أحد الأيام سمعت الآنسة حميدة، أول حديث إذاعي لي مع 'عمر فهمي وسعد لبيب'، من إذاعة القاهرة وكان وقتها تم تهريبي من بورسعيد وأقيمت بالمستشفى العسكري العام بكوبري القبة بالقاهرة، وفور سماعها الحديث حررت خطابا للرئيس جمال عبدالناصر تعرض فيه قبول تبرعها بأحد عينيها لي، كما حررت خطابات مماثلة للدكتور نور الدين طراف وزير الصحة وقتها، كما حررت رسالة لي تحمل نفس الشعور'.

وتابع: 'لم يكن يربطها بي سوى أنها مواطنة بورسعيدية محبة لمصر، وفي أوائل سنة 1957 ظهرت بعض الصحف والمجلات المصرية، تحمل عنوانا 'الدكتور نور الدين طراف في حيرة هذه الأيام'، ولخصت موضوع التبرع بالعين المقدمة من الآنسة حميدة حسن إسماعيل'.

علاقة غرامية مع الوطن

وأكمل مهران: 'اتصلت السيدة حميدة بأحمد سعيد مدير إذاعة صوت العرب وقتها، لبذل مساع كبيرة لقبول هذا الطلب، فقمت بالرد عليها أنا والمسؤولين معربين لها عن شكرنا على هذا الشعور الوطني الصادق، فلم تكتف بذلك بل اتجهت للمستشفى العسكري العام بالقاهرة لمقابلتي لإقناعي بقبول تبرعها، وألحت علي أن أقبل طلبها فما كان مني إلا أن أشكرها على تلك المبادرة الجميلة'.

وأوضح مهران: 'السائد في هذه الحقبة هو التضحية من أجل مصر، فزوجتي كانت لا تعرفني شخصيا بل سمعت عن تضحياتي من أجل مصر، وكنت أتخذ اللواء طبيب عبدالوهاب شكري، والدا روحيا لي وصديقا حميما، فلما عرضت عليه قصة ألحاح الأنسة حميدة بالتبرع بعينها، فما كان جوابه إلا أن قال لي إن كنت تعتبرني والدك بحق تزوج هذه الفتاة لأنها ستكون لك خير عون، وتعوضك عن عينيك، وبالفعل تم زواجنا في نوفمبر 1957، وكانت لي بالفعل بصيرتي'.

عرضت على التبرع باحدى عينيها و هى لا تعرفنى عرضت على التبرع باحدى عينيها و هى لا تعرفنى و يؤكد مهران

وفي هذا الإطار تستعرض 'أهل مصر'، التاريخ النضالي لمهران الذي سيظل مكتوبا بحروف من النور في سجلات النضال البورسعيدي ضد العدوان الثلاثي عام 1956.

صدر قرار من قيادة الحرس الوطني، يقضي بتوجه محمد مهران الذي يبلغ من العمر 18 عاما، للانضمام للكتيبة الأولى غرب بورسعيد، للدفاع عن مدخل المدينة الغربي والمطار وكوبري الجميل.

اشترك الفدائي مهران مع زملائه صباح الخامس من نوفمبر 1956، في إبادة أول إسقاط للمظلات على المنطقة، ولكن مع المحاولات المستمرة للعدو تمكن من الوصول للأرض، لتبدأ عملية تبادل إطلاق النيران، ليسقط العديد من قوات العدو، وخلال عملية الاشتباك سقط البطل الشهيد زكريا محمد أحمد جريحا.

ألقى مهران قنبلتين يدويتين على جنود العدو، ثم توجه إلى حفرة من الحفر التي يستخدمها الفدائيون بمنطقة الجميل، والتي امتلأت عن آخرها بالقوات المعتدية، الذين أطلقوا وابلا من النيران في كل اتجاه، وأثناء استمراره للتصدي لهجوم جنود الإنجليز من مدفعي الرشاش، فوجئ بعدد من المعتدين قد التفوا حول الحفرة، وحاصروه وألقوا القبض عليه وعذبوه.

عزم الجنود الإنجليز على تجريد مهران من كل متعلقاته الشخصية، وحاولوا الضغط عليه للحصول على معلومات تفيد بأماكن الفدائيين، وأمام الإصرار على عدم الإفصاح أو الإدلاء بأية معلومات عن زملاءه الفدائيين، قررت قوات الاحتلال تشكيل محكمة عسكرية قضت بانتزاع عينيه، والحصول على القرنية لإجراء عملية لأحد الضباط الإنجليز أصيب في عينيه.

ووصلت المساومات بأن يتركوا عين واحدة يرى بها، شرط أن يدلي بحديث مباشر للإذاعة يفيد فيه بفشل السياسة المصرية، وأن الشعب المصري رحب بقوات الاحتلال، واستقبلها بحفاوة بالغة، إلا أنه رفض ذلك، فقرر جنود الإنجليز نقله بطائرة إلى 'لارنكا' في قبرص لإجراء العملية، وأمام كل هذه المحاولات والتهديدات قال البطل الفدائي محمد مهران لقوات الاحتلال أثناء دخوله غرفة العمليات: 'انزعوا عيني، لكن والله لن تنزعوا وطنيتي، ولن تنالوا من حبي لوطني الذي يسري في دمائي ودماء كل المصريين'.

وأجريت العملية، ونقلوه إلى مستشفى الدليفراند ببورسعيد، وتمكن الفدائيون من اختطافه بمعاونة ممرضة مصرية، وتوجه إلى أحد المستشفيات العسكرية بالقاهرة لاستكمال علاجه، وبعد بضعة أيام زاره الرئيس الراحل جمال عبد الناصر ورفاقه.

WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً