اللي يشوف بلاوي الناس تهون عليه بلوته
على مدار 20 عامًا، أثبتت أن الرجولة ليست خانة في بطاقة الرقم القومي، إنما عزيمة وإرادة وصبر على مصاعب الحياة، فجميع الكلمات تعجز عن وصف سيدة أربعينية توفي زوجها منذ 3 سنوات، تاركًا لها إرثًا من المصاعب ألزمها أن تكون رجل البيت والعائل والمسئول عنه، وتصمد كالجبال تواجه وحدها قسوة الليالي المظلمة، ولا يشد ساعدها سوى نظرات نجلتيها المريضتين التي تجعلها أكثر تحملا.
رحلة 20 عامًا من معاناة أم في قنا
عائشة محمود، تعيش في إحدى قرى مركز الوقف، شمال محافظة قنا، داخل منزل مكون من طابق واحد، بالقرب من المقابر، بمركز الوقف، معرش بأعواد البوص، وتُزين الشروخ جدرانه، توفى زوجها وترك لها من الأبناء 4 فتيات، بينهن اثنين، ابتلاهما الله بمرض ضمور في المخ وتورم بالكبد، بعد أن أنجبتهما بعامين، وتحتاجان إلى رعاية مستمرة، رعاية من النوع الخاص، فلم تهن ولم تضعف أمام صعوبات الحياة ووضعت مرض بنتيها أمامها على أنه محنة وابتلاء من خالقها ليعوضها خيرًا في الآخرة.
رحلة أم في علاج بنتيها من الضمور بالمخ
مرض وفقر وقلة حيلة أم بالوقف
تقول عائشة لـ'أهل مصر'، إنها تزوجت قبل أن تكمل الـ20 عامًا، أنجبت ابنتها الكبرى 'دينا' بعد عام من زواجها، وظلت عامين بعد إنجابها لا تعاني من أي أمراض، فأصبحت تتحدث قليلًا وتمشي وتحبو، وفجأة وقف نموها وبدأت تعاني من أعراض إعياء من سخونية شديدة وكحة وتوقف حركتها كليًا: 'رغم الفقر والحاجة مستسلمتش، ولفيت بيها المستشفيات والعيادات الخاصة عشان أعالجها ولكن الصدمة كانت لما قالي طبيب في القاهرة إنها مصابة بتورم في الكبد وضمور في المخ وملهاش علاج'.
الفتاتان المريضتان
معاناة أم مع مرض الضمور في المخ
ولأن المصائب لا تأتي فرادى كما يُقال كانت الصدمة الثانية لـ'عائشة' أثناء بحثها عن علاج ابنتها الأولى أخبرتها أسرتها أن الثانية 'رحاب' لا تتحرك وتعاني من سخونية شديدة، فتركت الأولى مع والدها بإحدى مستشفيات القاهرة، وعادت بمفردها إلى قنا، قليلة الحيلة لا تملك من حطام الدنيا سوى بضعة جنيهات دفعتها ثمن تذكرة القطار تدعو الله ألا يصيب 'رحاب' ما أصاب شقيقتها الكبرى: 'لما وصلت البيت لقيت نفس أعراض مرض بنتي الكبيرة وساعتها تمنيت الموت بسبب عجزي وقلة حيلتي وعدم قدرتي على علاجها'.
محررة أهل مصر أثناء لقائها بالأم البائسة وبنتيها
السيدة الأربعينية تؤكد أن رحلة معاناتها لم تتوقف عند هذا الحد، بل زادت بعد إنجابها فتاتين أخرتين، فمستلزمات أسرتها تضاعفت وزوجها عامل أجري، وهي لا تعمل، واصفة شعورها بأن دموعها صادقت وسادتها، خاصة بعد إصابة زوجها بمرض خطير منعه من العمل، إضافة لهذا كان يحتاج لأدوية باهظة الثمن، وظلت متكاتفة مع ذاتها وتستعين بأسرته تارة وأسرتها تارة أخرى، حتى لا تترك زوجها وبناتها في محنتهم، حتى سيطر المرض على زوجها وتوفي منذ 3 أعوام وزادت المأساة.
أصبحت الأم أرملة قبل أن تعرف للفرحة معنى، وملامحها الصغيرة، أصبحت شاحبة من كثرة الحزن، تستكمل رحلتها مع بناتها الأربعة، وألحقت أصغر فتاتين بالمدرسة، وظلت هي تحت أرجل بنتيها المريضتين، حتى تجاوزت أعمارهن العشرين ربيعا، في جسم أطفال في الثالثة من عمرهما، لا يستطعن الكلام أو الأكل فهي من تقوم بخدمتهن، والأدوية يزيد سعرها ومستلزمات الملتحقات بالمدارس تزداد أيضًا، لا يوجد لها دخل سوى ما يُصرف للمرضى لكل منهما 300 جنيه، ومعاش زوجها الرمزي.
أم تستغيث نفسي حد يساعدني
'نفسي حد يساعدني بناتي بيضيعوا مني'، هذه الكلمات التي ختمت حديثها بها، مشيرة إلى أنها لا تجد من يعطف عليها سوى القليلين وزوار المدافن، ولولا ذلك لكانوا ماتوا جوعًا، وتتمنى الحصول على وظيفة بمرشح مياه حاجر الجبل حتى عاملة، لتتمكن من توفير دخل يساعدها في مصروفات أسرتها، وفي ذات الوقت تكون قريبة من منزلها لمراعاة بناتها الأربعة، كما تطالب بزيادة معونة بناتها المرضى فما يُصرف لهما لا يكفيهما ثمن الأدوية.