في منطقة الهرم بحي المريوطية بمحافظة الجيزة، تجلس سيدة عجوز في أواخر الخمسينات تحت شجرة مستندة ظهرها إليها، متخذه منها مأوى لها لتحميها من الأمطار الغزيرة والغبار وتقلبات الجو، ترتدي ملابس بالية الله وحده يعلم إذا كانت تشعرها بالدفء في هذا الصقيع أم لا، وأمامها مجموعة من الحطب المشتعل ومن حوله أحجار تحاوطه لكي يبقى الحطب مشتعلًا أطول مدة ممكنة، استخدمت هذه السيدة مكونات بدائية تم تجميعها من الشارع؛ لكي تصنع مدفأة لها تحصل منها على الحرارة التي تدفئ جسمها، لكي تبيع 'كمامات' في زمن كورونا، وهى أشد الناس احتياجًا للحماية من هذا الفيروس، فهى تفتقد للمأوى النظيف الذي يحتويها، ويراعي حرمة سيدة مسنة في هذا العمر.
الحاجة فاطمة، بائعة الكمامات
فاطمة حامد هى بطلة هذه القصة، البالغة من العمر 60 عامًا، فهى امرأة مطلقة منذ 10 سنوات وهى أيضًا مدة مكوثها في الشارع، ولديها 6 أولاد، لا يعلمون عنها شيئًا، فقد تجسد في هذه القصة العقوق والجحود في أبهى صوره، فبعد أن فنيت الأم عمرها من أجل أطفالها، يتخلون عنها ولا يسألون عن أحوالها لسنوات طويلة، لتصبح فقيدة ووحيدة في الشوارع لتعيش مستقبل مجهول، فأي عين تستطيع أن تغمض وتنام نومًا هنيئًا في سلام، وأمها مشردة في الشارع ووحشته، واليوم أصبح بينا نفوسًا لا تستحق العيش معها في مجتمع واحد من شدة قسوتها.
تجلس فاطمة من الساعة السادسة صباحًا إلى الساعة الثامنة مساءًا في الشارع، بشكل يومي، فقد اتخذت من الشارع مأوى لها طوال اليوم، لتكسب قوت يومها، الذي لا يزيد عن 50 جنيهًا في اليوم الواحد بل يقل، ومن المفترض أن يكفيها هذا المبلغ لكي تأكل منه وتشرب، وتحصل على الدواء، فهى أيضًا تعاني من أمراض مزمنة كمرض السكر، وضعف في وظائف الكبد منذ 5 سنوات، وتأخذ له دواء يتراوح سعره من 140 إلى 150 جنيهًا.
الحاجة فاطمة، بائعة الكمامات
تعيش هذه السيدة المسنة في منزل ما، قد وصفته بأنه منزل جارة لها، وتحصل على حقن 'الأنسولين' الخاصة بمرضى السكر من صيدلية قريبة لها، وقد ذكرت أن لحفظ هذه الحقن يجب وضعها في الثلاجة، وجارتها لا تمتلك ثلاجة فتقوم بحفظها عند الصيدلي وتذهب بشكل دوري لتأخذها عنده، ويقوم الصيدلي بإعطائها لها بسبب أنها تعاني من رعشة في يديها عند أخذ الحقن، وتحصل على ثمن هذه الحقن من المعاش الخاص بوالدها.
وصفت فاطمة حالتها الصحية، قائلة: 'أنا مُدمرة'، ورغم ذلك قالتها وهى مبتسمة، حيث لابد أن نأخذ دروسًا في الصبر والرضا من مثل هؤلاء الأشخاص، الذين ينتظرون العناية الإلهية لتحل عليهم، فإن خلت الأرض منهم واختفت من جمال روحهم حلت علينا اللعنات.