شهد الأسبوع الماضي، 6 جولات إفريقية لسامح شكري، وزيرالخارجية، في ظل إصرار إثيوبيا على موقفها في الملء الثاني لسد النهضة، الذي يؤدي إلى ضرر جسيم على مصر والسودان.
وسبق أن بينت مصروالسودان، أن قرار الملء غير منصف وغير عادل، وأن الأمر يحتاج تدخلًا سريعًا من مجلس الأمن، خاصة بعد وصول المفاوضات بين الدول الثلاث إلى طريق مسدود.
زيارات "شكري"، أكدت تمسك مصر بالمفاوضات والتوصل لحل مرضي للجميع وفقا للقانون الدولي على عكس ما قيل من أثيوبيا أن مصر ترفض المفاوضات.
بدأ "شكري"، جولاته، الأحد الماضي، بالعاصمة الكينية نيروبي، لتسليم رسائل حول تطورات ملف سدالنهضة الإثيوبي، وبجانب نيروبي، شملت جولة الوزير من جزر القُمُر وجنوب أفريقيا والكونغو الديمقراطية والسنغال وتونس.
وسلم شكري، خلال جولته، إلى قادة الدول الأفريقية الـ6، رسائل من الرئيس عبدالفتاح السيسي إلى رؤساء وقادة هذه الدول حول تطورات ملف سد النهضة والموقف المصري في هذا الشأن، وتناولت الرسالة الوضع الحالى لمفاوضات سد النهضة وموقف مصر إزاء هذه القضية، وذلك فى إطار حرص القاهرة على التنسيق والتشاور مع جنوب إفريقيا فى ضوء مكانتها على الساحة القارية وعضويتها الحالية فى هيئة مكتب الاتحاد الإفريقى.
وأعرب وزير الخارجية، عن تقدير مصر للجهود التى بذلتها جنوب إفريقيا فى ملف سد النهضة طوال رئاستها السابقة للاتحاد الإفريقى.
وقال السفير أحمد حافظ، المتحدث باسم الخارجية إن هذه الجولة تأتي انطلاقًا من حرص مصر على إطلاع دول القارة الأفريقية على حقيقة وضع المفاوضات حول ملف سد النهضة الإثيوبي.
كما تأتي لدعم مسار التوصل إلى اتفاق قانوني مُلزم حول ملء وتشغيل سد النهضة على نحو يراعي مصالح الدول الثلاث (مصر والسودان وإثيوبيا) وذلك قبل الشروع في عملية الملء الثاني واتخاذ أي خطوات أحادية.
وأضاف أن الجولة أيضا تأتي للتأكيد على ثوابت الموقف المصري الداعي لإطلاق عملية تفاوضية جادة وفعّالة تسفر عن التوصل إلى الاتفاق المنشود.
وترفض أديس أبابا الوساطة الرباعية وتتمسك بدور الاتحاد الأفريقي، معتبرة العرض الذي قدمه السودان ودعمته مصر بمثابة "تقليل من احترامه".
ويضيق الوقت أكثر فأكثر أمام دولتي المصب، مصر والسودان، ودولة المنبع؛ إثيوبيا للتوصل لاتفاق حول سد النهضة قبل الموعد الذي تعتزم فيه أديس أبابا بدء الملء الثاني والذي حدده رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد بحلول موسم الأمطار في يوليو المقبل.
وتخشى مصر والسودان، من التأثيرات المحتملة لملء السد في فترة وجيزة على حصتيهما في مياه النيل الأزرق، بينما تتحدث إثيوبيا عن ضرورة الشروع في الخطوة لتجنب خسارة ما قدرته بمليار دولار، مؤكدة في الوقت نفسه على لسان مسؤوليها أنه لا ضرر من عملية الملء على دولتي المصب.
قال طارق فهمي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، إن جولة وزير الخارجية سامح شكري الإفريقية، هامة جدًا والهدف منها بناء موقف مصري أفريقي قوي قبل الذهاب لمجلس الأمن ومحاولة تحديد أي مسارات يجب التحرك بها، خاصة أن أثيوبيا تتحرك في جهات متعددة وتسعي إلى كسب الوقت وشراء المواقف المختلفة، وأضاف، في تصريح خاص لـ"أهل مصر" أن هذه الجولات لها أهمية كبيرة، لحشد أكبر قدر من مواقف الدول الأفريقية، حيث أننا لازلنا في دائرة الاتحاد الأفريقي، وسبق أن أخطرنا مجلس الأمن بخطاب رسمي من وزارة الخارجية، وقيمة التحرك المصري في هذا التوقيت هو بناء مواقف سياسية واستراتيجية والتقرب للجانب الأفريقي، أيضًا تم توقيع اتفاقيات دفاعية مع الجانب الأوغندي والبورندي واريتريا والسودان.
وقال مصطفى دارديج، الباحث السوداني في الشؤون الإفريقية، إن زيارة وزير الخارجية سامح شكري للكثير من الدول الأفريقية وعلى رأسهم السودان، يبعث رسائل إيجابية برغبة حقيقية في التوصل لحل سياسي عادل يحقق مصالح جميع الأطراف.
وأضاف في تصريحه لـ"أهل مصر"، أنه وفقًا للقانون الدولي لا يحق لإثيوبيا عدم الاعتراف بالاتفاقيات الدولية بحجة توقيعها خلال الحقبة الاستعمارية، لذا ترفض أثيوبيا تدخل مجلس الأمن بهذه الحجة، ولكن مصر والسودان ستلجئان إلى ذلك لحفظ حقوقهم المائية، خاصة وأنه لامجال للخيار العسكري بين الأشقاء الثلاثة، فمصر والسودان دائماً ما يتحدثون حول الخيارات السياسية.
وتسعى مصر لإحاطة المجتمع الدولي، بآخر مستجدات التفاوض حول هذا الملف الحيوي.
وتعقد الخارجية، لقاءات مع السفراء الأوروبيين والأفارقة المعتمدين في القاهرة.
وفي إطار الزخم الدولي الذي تسعى له القاهرة بهدف الضغط على إثيوبيا، استقبل محمد عبد العاطي وزير الموارد المائية، والسفيرة نبيلة مكرم، وزيرة الدولة للهجرة وشؤون المصريين بالخارج، مجموعة من أبناء المصريين بالخارج؛ بهدف استعراض جهود الدولة المصرية في الحفاظ على أمنها المائي وحقوقها القانونية في حصة مياه نهر النيل، بحسب بيان وزارة الري.
وأكد الدكتور "عبدالعاطي"، أهمية وجود اتفاق يؤدي إلى تكامل إقليمي بين الثلاث دول بما يؤدي إلى تحقيق رفاهية شعوبها. في حين قالت وزيرة الهجرة، إن الدولة المصرية لن تتخلي عن حقوقها المائية تحت أي ظرف.
ويلعب المصريون بالخارج دورًا بارزًا في مختلف مراحل مفاوضات مصر في سد النهضة، وكان لهم عدد من المواقف المشرفة والداعمة لحق مصر في الحفاظ على نصيبها من المياه، بدأت بتنظيم عدد من الوقفات الاحتجاجية أمام البيت الأبيض الأميركي نددوا فيها بما سيخلفه بناء «سد النهضة» من أضرار على مصر، كذلك مشاركتهم في عدد من الحملات الإلكترونية التي تحمل الموقف نفسه، وكان أبرزها حملة «النيل حياتنا» أطلقتها وزارة الهجرة.
ويرى اللواء مأمون أبو نوار، الخبير العسكري والاستراتيجي، أن أزمة سد النهضة أصبحت تشكل تهديدًا وجوديًا لمصر وأن الشعب المصري قد يواجه عطشًا وجوعًا بشكل حقيقي، والمشكلة أن الخيارات السياسية أو الدبلوماسية المتاحة سواء لمصر أو للسودان استهلكت جميعًا، فهناك تعنت إثيوبي شديد للغاية وهناك مراوغة ورفض مطلق لأي اتفاق ملزم ولذلك يتصاعد الحديث عن الخيار العسكري لمصر والسودان"، لكنه لم يستبعد أن يسبق ذلك - وكحل أخير - ذهاب مصر والسودان إلى مجلس الأمن وفق القرارات 36 و38، مما يعجل بصدور قرارات ملزمة لأطراف النزاع، لكنه أبدى خوفه من عامل الوقت خاصة أن مصر والسودان أصبحتا بالفعل تحت رحمة القرار الإثيوبي.
وترى مصر في "السيطرة الإثيوبية المطلقة دون اتفاقيات أو قيود تهديدا وجوديا للشعب المصري"، فالمخاوف متصاعدة من دمار الرقعة الزراعية المصرية (الضئيلة أصلاً) وانخفاض حصص المياه المخصصة للشرب، إذ تعتمد مصر بأكثر من 90% على نهر النيل كمصدر للمياه في الحياة اليومية والأنشطة المختلفة.
بدورها، تخشى السودان من تأثر سد "الروصيرص"، أحد أهم مصادر الري والتوليد الكهربائي بنقص الموارد المائية التي تصل إليه عبر إثيوبيا، إلى جانب التأثيرات المتوقعة على القطاع الزراعي.
وأكد الدكتور خالد الشكراوي، أستاذ الدراسات الأفريقية بجامعة محمد السادس متعددة التقنيات، وجود إشارات للوصول إلى اتفاق مؤقت بين الأطراف المتنازعة، خاصة أن إثيوبيا حاليًا تعيش وضعًا حرجًا على المستوي الأمني خاصة في منطقة تيجراي، إلى جانب تراجع الاتفاق الذي تم في الخفاء وأصبح واضحاً مع إريتريا بشأن هذه المنطقة ومن الممكن أن تقع تحولات في العلاقات بين البلدين في المستقبل القريب فيما يتعلق بهذه المنطقة ".
وقال خبير الشؤون الأفريقية إن إمكانيات الحوار بين الأطراف الثلاثة بإمكانها أن تؤدي الى حل قد يتفق عليه الجميع، بالإضافة إلى مسألة مهمة وهي تراجع الحضور الصيني والخليجي وخاصة الإمارات، وبالتالي أعتقد أن إثيوبيا الآن في موقف أكثر ضعفاً من السابق".