تحتفل مصر هذه الأيام بمئوية اكتشاف مقبرة الملك المصري القديم توت عنخ آمون، الحدث الأهم في تاريخ الاكتشافات الأثرية في مصر والعالم.
اكتشاف القرن العشرين لا يكتسب أهميته من كنوز مقبرة الملك الذهبي الذي تولى الحكم لمدة عقد قبل نحو 3 آلاف سنة وحسب، بل لعدة عوامل وحقائق أخرى نرصدها في السطور التالية.
جرى اكتشاف مقبرة توت عنخ آمون في وادي الملوك غرب مدينة الأقصر جنوب مصر، وهي منطقة مقابر لملوك مصر الفرعونية، وعلى عكس المقابر الهرمية التي تحوي كنوزا عظيمة، جاءت غالبية مقابر قدماء المصريين مدفونة لجعلها بعيدة عن متناول اللصوص، وعليه جرى دفن مقبرة الملك الذهبي على عمق سحيق، ليأتي اكتشافها تحت 150 ألف طن من الصخور.
مقبرة مٌهملة
البحث عن مقبرة توت عنخ آمون انطوى على إيمان حقيقي بأهميتها، وبينما أكد خبراء الآثار في عشرينيات القرن العشرين أن جميع مقابر وادي الملوك جنوب مصر قد جرى اكتشافها، كان موقع مقبرة الملك الذهبي لا يزال غير مكتشف، وبالإضافة إلى ذلك كان هناك اعتقاد بأن "توت" ملك صغير وأن مقبرته لن تكون بهذا الثراء.
إصرار هوارد كارتر
في المقابل، حافظ عالم الآثار البريطاني هوارد كارتر على إصراره، ولم يلتفت إلى الرأي السائد حينذاك، وواصل البحث عن الكنز لسنوات بما فيها سنوات الحرب العالمية الأولى، حتى كاد مموله الإنجليزي إيرل كارنارفون أن يفقد إيمانه بجدوى محاولات "كارتر"، ولكن في نوفمبر/ تشرين الثاني 1922 وبعد أيام من بدء السنة الأخيرة من أعمال التنقيب عثر الفريق على درج يؤدي إلى المقبرة.
اقتحام المقبرة
بعد الوصول إلى المقبرة، أٌغلق الباب الذي حفره فريق البحث في نهاية الدرج، وبحسب "ناشيونال جيوجرافيك" جرى اقتحام المقبرة مرتين قبل اكتشافها، فبعد دفن الملك الصغير تمكن اللصوص من الوصول إلى مقتنيات صغيرة وأحجار كريمة، وبعد إعادة إغلاق هذه الثغرة، تعرض أحد أبواب المقبرة للكسر قبل أن يعاد إغلاقه بإحكام أكبر.
حالة فوضى
في الغرفة الأولى من المقبرة التي افتتحها هاورد كارتر، وتسمى "غرفة الانتظار"، جرى ترتيب العناصر الثمينة بشكل فوضوي، وأرجع ذلك إلى أن المسؤولين كدسوا محتويات المقبرة في عجالة بعد اكتشاف السرقة الأخيرة، ورغم ذلك أسرت عظمة المحتويات قلب كارتر منذ اللحظة الأولى لاكتشاف غرف المقبرة.
ثورة في علم التنقيب
أحدث اكتشاف القرن ثورة في علم التنقيب الأثري، وعمل "كارتر" على توسيع تقنيات العمل، ووضع معيارًا جديدًا للدقة والشمول، واستخدم الإضاءة الكهربائية لأول مرة، وهو ما مكّن المصور الأثري هاري بيرتون من توثيق لحظات الاكتشاف الأولى ونقل محتويات المقبرة للعالم.
فهم التاريخ المصري
كانت المقبرة بمثابة بطاقة تعريفية لفترة حكم الملك "توت" ومن ثم للتاريخ المصري القديم، فقد عكست العربات والأسلحة والملابس والأعمال الفنية المكتشفة داخل المقبرة أساليب الحرب وعرّفت بأعداء مصر في تلك المرحلة التاريخية، كما وثقت اللوحات الجدارية ونقوش الجدران المعتقدات الدينية، وساعدت التوابيت المصطفة علماء الآثار على فهم ممارسات الدفن في مصر القديمة.
اهتمام عالمي
بفضل لقطات المصور الأثري هاري بيرتون التفصيلية لمحتويات المقبرة، ونشرها في الصحف العالمية، وصلت أخبار الاكتشاف إلى كل بقاع الأرض، وكان ملك وملكة بريطانيا متعطشين للتحديثات حول ذلك الاكتشاف، ومن ثم ظهرت الزخارف المصرية وقناع توت عنخ آمون في الأزياء والعمارة والديكور.
سيادة مصر على المقبرة
على عكس الاكتشافات السابقة، لم تغادر كنوز مقبرة توت عنخ آمون البلاد، وكان اللورد كارنارفون، ممول أعمال التنقيب، يتوقع أن يطالب بحصة كبيرة من الآثار؛ لأن مصر كانت تسعى لتأكيد استقلالها عن بريطانيا وقت الاكتشاف، لذا أصرت الحكومة على أن تظل كنوز المقبرة داخل مصر.
مصدر إلهام للأثريين
سرعان ما أصبح الملك "توت" رمزًا للهوية المصرية، وقريبًا ستكون كنوز مقبرته البالغة 5 آلاف قطعة ثمينة هي محور المتحف المصري الكبير المقرر افتتاحه قريبًا، فيما يعكف الأثريون المصريون على إعادة ترميم مجموعات أثرية أخرى.