يعود الحديث عن التطبيع بين السودان وإسرائيل إلى سنوات مضت، إذ من المعروف أن حكومات تل أبيب المتتالية، تسعى إلى إبرام اتفاق سلام بين السودان وإسرائيل، ومع إطلاق المسؤولين الإسرائيليين تصريحات رسمية، مؤخرًا، حول قرب التوصل إلى اتفاق يحول التطبيع بين إسرائيل والسودان إلى واقع، تتصاعد التساؤلات حول تأثير مثل هذا التطور على الأوضاع في الشرق الأوسط بوجه عام، والعلاقات المصرية السودانية على وجه الخصوص، ولا سيما فيما يتعلق بقضية سد النهضة.
لقاء رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، مع رئيس المجلس السيادي السوداني، عبد الفتاح البرهان، بداية الأسبوع الحالي، في أوغندا، عزز من التكهنات التي تؤكد قرب التوصل إلى اتفاق سلام بين الخرطوم وتل أبيب، حيث يرى محللون أنه يخدم أهدافا مشتركة للبلدين، في ظل الأزمة الاقتصادية العالمية الحالية.
رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو أثناء زيارته لأوغندا حيث التقى البرهان
تصريحات رسمية ترجح قرب توقيع اتفاق سلام بين السودان وإسرائيل
وسائل إعلام أجنبية تداولت تصريحات وصفتها بالرسمية، لمسؤولين إسرائيليين، تفيد بقرب توقيع اتفاق رسمي لتطبيع العلاقات بين السودان وإسرائيل، في إطار ما يطلق عليه اسم اتفاقات أبراهام'.صحيفة هآرتس الإسرائيلية من جهتها أكدت تجدد مفاوضات التطبيع بين إسرائيل والسودان، كاشفة عن أنه تم تكثيف اللقاءات المتعلقة بإبرام اتفاق سلام ثنائي خلال في الآونة الأخيرة، بوساطة من إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن.
وطبقا لصحيفة هآرتس فإن مصادر رسمية لم تسمها قالت إن 'المضي قدما لتوقيع اتفاق تطبيع بين السودان وإسرائيل، يفضي إلى اتفاق سلام بات أمرا ممكنا في الوقت الراهن'.
المصدر أكد للصحيفة الإسرائيلية أن نتنياهو يأمل في الدفع باتجاه التوصل إلى اتفاقات تطبيع مع دول أخرى، من بينها موريتانيا، مشيرا إلى أن هناك ثماني دول عربية وإسلامية يمكن أن تنضم إلى اتفاقات أبراهام.في الوقت ذاته أعلن السودان ـ لأول مرة ـ عزمه التطبيع مع إسرائيل، والاعتراف بها، في أكتوبر 2020، ضمن صفقة مع إدارة الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، تتضمن شطب السودان من قائمة واشنطن السوداء للدول الراعية للإرهاب.
الفريق عبد الفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة السوداني
ما هي اتفاقات أبراهام؟
واتفاقات أبراهام، هو الاسم الذي أطلق على اتفاق السلام بين إسرائيل وكل من: الإمارات، والبحرين، والمغرب، وهو ذاته الاتفاق الذي تجري بشأنه المفاوضات بين تل أبيب والخرطوم، تمهيدا لتوقيع اتفاق سلام يسمح بإتمام التطبيع بين السودان وإسرائيل.
وأعلن عن اتفاقات أبراهام لأول مرة، الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، وكان ذلك في أغسطس 2020، وجاءت التسمية تيمنا بنبي الله إبراهيم الذي يعتبر أبو الديانات الثلاث، اليهودية، والمسيحية، والإسلام.
ووقع السودان مع الولايات المتحدة الأمريكية، على إعلان اتفاقات أبراهام، حيث مثله حينها وزير العدل نصر الدين عبد الباري، فيما وقع عن الجانب الأمريكي، وزير الخزانة، استيفن منوتشين.
وكان من المقرر أن يوقع الجانب السوداني على إعلان اتفاقات أبراهام، مع الجانب الإسرائيلي، غير أن هذه الخطوة لم تتم، بسبب التقلبات على الساحة السياسية في السودان.
توقيع اتفاقات أبراهام
صفقة التطبيع بين السودان وإسرائيل
ويرى مراقبون ومحللون سياسيون أن اتجاه التطبيع بين السودان وإسرائيل، يجد دعما كبيرا من السلطات في الخرطوم، حتى يمكنها تحقيق مكاسب اقتصادية تحتاج إلى دعم أمريكي، إذ إنه بموجب الانضمام إلى اتفاقات أبراهام، التزمت واشنطن بتصفية متأخرات السودان للبنك الدولي، ومكنت الحكومة السودانية من الحصول على ما يفوق مليار دولار سنويا، بالإضافة إلى شطبه من قائمتها للإرهاب كما أسلفنا.
وطبقا للمراقبين فإن دوافع صفقة التطبيع مع إسرائيل، وتبادل المنافع بين تل أبيب والخرطوم، تعتمد في الأساس على إنقاذ الاقتصاد السوداني، عبر السماح له بالحصول على قروض جديدة، يمكن من خلالها تحسين الأوضاع المتردية في البلاد.
موقف قضية سد النهضة من التطبيع بين السودان وإسرائيل؟
قلل الدكتور عباس شراقي، أستاذ الموارد المائية والجيولوجيا بجامعة القاهرة من تأثير التطبيع بين السودان وإسرائيل على قضية سد النهضة، المتأزمة أصلا منذ سنوات، جراء التعسف الإثيوبي، ورفض أديس أبابا الحلول السياسية المطروحة، على الرغم من عدالة المطالب المصرية، بضرورة توقيع اتفاق قانوني ملزمة لتشغيل السد.
الدكتور عباس شراقي، أستاذ الموارد المائية والجيولوجيا بجامعة القاهرة
وقال الدكتور عباس شراقي، لـ'أهل مصر'، إن التطبيع بين إسرائيل والسودان، لن يضيف جديدا للموقف المتعلق بأزمة سد النهضة، نظرا لوجود إسرائيل وتمتعها بنفوذ قوي بالفعل داخل إثيوبيا، وهو ما يعني أنها يمكن أن تحقق الأهداف التي تريدها دون الحاجة لإبرام اتفاق سلام جديد مع السودان.
وأوضح شراقي، أن النفوذ الإسرائيلي في إفريقيا أصبح قويا بشكل كافٍ للتأثير في مجريات الأحداث بالقارة السمراء، إلا أن مصر في الفترة الأخيرة تمكنت من استعادة زمام المبادرة، وبدأت تسترد مكانتها لدى دول القارة، وبالتالي لا يوجد ما يخيف القاهرة من الاتفاق المنتظر بين السودان وإسرائيل.
وأضاف: 'بالطبع لا نفضل أن يكون لإسرائيل وجود قوي في السودان، لكن اتفاق التطبيع بين البلدين، يمثل اتفاقا ثنائيا لن يكون ذا تأثير كبير على قضية سد النهضة أو غيرها من القضايا التي تهم مصر، مشددا على أن نشاط مصر الدبلوماسي في القارة، خلال الفترة الأخيرة، جعلها قادرة على ضبط مصالحها والحفاظ عليها من إسرائيل أو غيرها.
وأشار الدكتور عباس شراقي، أن إسرائيل تستهدف منذ سنوات طويلة التوغل السياسي في إفريقيا، وبالتالي فهي تعتبر السودان من ضمن الدول التي يجب أن تبرم معها اتفاق سلام، مضيفا: 'لا يجب أن ننسى أن مصر لديها اتفاق سلام مع إسرائيل، وبالتالي فالقاهرة تجيد التعامل مع تل أبيب ولا تخشاها، ولا يعنيها اتجاه أي دولة لإبرام اتفاق سلام مع إسرائيل'.
العلاقات المصرية السودانية قوية ومتينة
وشدد الدكتور عباس شراقي على أن العلاقات المصرية السودانية أقوى بكثير من أن تؤثر عليها إسرائيل أو غيرها، قائلا: 'على الرغم من أن العلاقات بين مصر والسودان يشوبها أحيانا الخلافات والتوترات، لكن الطرفين يعرفان أهمية استقرار هذه العلاقات للبلدين، وبالتالي لا أتوقع أن يؤثر اتفاق السلام بين السودان وإسرائيل على العلاقات بين البلدين'.
ولفت الدكتور عباس شراقي على أن السودان أصبح على دراية تامة للمخاطر التي يمثلها عدم التوصل إلى اتفاق قانوني ملزم بشأن سد النهضة، وبالتالي فإن الخرطوم لن تسمح بأن يتغير موقفها بتأثير من إسرائيل أو غيرها.
وأتم بالقول: 'إسرائيل تسعى إلى أن يكون لها استثمارات في القارة الإفريقية، لما تتمتع به دولها من ثروات ضخمة قادرة على إحداث نقلة في الأوضاع الاقتصادية لأي دولة تتعاون مع الدول الإفريقية'.