خبير: قائد القسام يراهن على عنصر الوقت
بعد كسر إسرائيل للهدنة مع حركة حماس والتي استمرت 7 أيام، وتوسعها في استهداف المدنيين والبنية التحتية لقطاع غزة، غيرت المقاومة الفلسطينية من تكتيكاتها القتالية ضد جيش الاحتلال، إذ تحولت إلى استراتيجية دفاعية أقوى مع صبغة هجومية واضحة.
ولجأت كتائب القسام إلى تكتيكات متطورة بشكل متزايد، وتوسعت في استخدام العبوات الناسفة الخارقة للدروع، مستغلة مهارة عناصرها في حروب الشوارع، والتغير الجغرافي الذي حدث في شوارع قطاع غزة، بسبب الأنقاض المنتشرة في كل مكان بعد التدمير الكبير في البنى التحتية في القطاع.
وبحسب خبراء، تمكنت حركة حماس في مفاجأة جيش الاحتلال الذي يحاول التوغل في شوارع غزة، بتكتيكات الدفاع التي اختارتها، وعلى الرغم من توسعها في استخدام سلاح التفخيخ والعبوات الناسفة والكمائن الذي استبق العملية البرية والتي تمكن جيش الاحتلال من تحييدها من خلال القصف الجوي الكثيف، فإن المفاجأة كانت في أن القيادة في كتائب القسام تجنبت خوض معارك واسعة وعنيفة مع قوات الاحتلال المتوغلة، واختارت أسلوب الاختفاء والابتعاد عن الصدام.
وإلى جانب الأسلحة المضادة للدبابات والمدرعات، والتي تمكن من خلالها عناصر القسام وسرايا القدس من تدمير عدد كبير منها، أطلق مقاتلو الحركة الطائرات المسيرة المتفجرة على القوات الإسرائيلية في شمال قطاع غزة بحسب معهد دراسات الحرب (ISW).
وأوضح المعهد أن هذه ليست المرة الأولى التي تستخدم فيها كتائب القسام هذا النوع الطائرات الانتحارية، ولكن حتى الآن ارتبط هذا الأمر بمقاطع فيديو تدريبية أو شهادات لا تحدد ما إذا كانت هذه الطائرات فعالة أم لا.
وأكد المعهد أن الفصائل الفلسطينية أكثر تصميما على الوقوف في وجه جيش الاحتلال، وتجلى ذلك في نجاحها في إبطاء عملية التوغل الإسرائيلية بعد انتهاء الهدنة، من أجل منح نفسها الوقت للانسحاب وتنظيم الدفاعات.
ويرى نداف إيال، الكاتب والمحلل الإسرائيلي، أن يحيى السنوار القائد العسكري لكتائب القسام يراهن على عنصر الوقت، لأنه يؤمن أنه بإمكانه أن يبقى وقواته تحت الأرض أكثر مما يستطيع جيش الاحتلال البقاء فوقها.
وأضاف الكاتب الإسرائيلي، أن السنوار نجح تكتيكيًا في خداع الاحتلال وأجهزة استخباراته، لأنه في الوقت الذي تحب فيه القوات المتوغلة ذات القدرة العددية والنارية الكبيرة عن المواجهة المباشرة، فإن غالبية مقاتلي حماس يفضلون البقاء في خنادقهم الكائنة في مدينة الأنفاق الأوسع والأعمق مما كانت قد توقعته الأجهزة الأمنية للاحتلال، في الوقت الذي تتكون فيه المجموعات المقاتلة لحماس من خلايا صغيرة، عادة ما تكون مسلحة بقذائف "آر.بي.جي"، التي تخرج من فتحات الأنفاق أو المباني السكنية، وتضرب عن قرب في نقاط ضعف الدبابات والمدرعات الإسرائيلية.
وفي ذات السياق نقلت صحيفة "بيلد" الألمانية عن خبراء عسكريين قولهم إن كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة "حماس"، لجأت إلى استخدام قذائف جديدة مضادة للدروع يمكنها إصابة أهدافها من مسافات أكبر وبدقة كبيرة، كما نجحت في تطوير من أسلوب الكمائن لاستهداف تجمعات جيش الاحتلال وآلياته، وإيقاع أكبر عدد من الإصابات والقتلى في صفوفه.
وأوضح الخبراء العسكريين أن المقاومة الفلسطينية تواجه قوات الاحتلال المتوغلة في قطاع غزة، بنوع من تكتيك المماطلة، مشيرين إلى أن الهدف من ذلك هو تأخير أمد المواجهات لأطول فترة ممكنة – على أمل أن يفقد الاحتلال الدعم الدولي في هذه الأثناء وأن يتزايد الضغط للموافقة على وقف إطلاق النار، وفي نفس الوقت تحافظ على قواتها متماسكة وبأقل قدر ممكن من الخسائر.
ويرى الخبراء أن تكتيك المماطلة، مكن عناصر المقاومة الفلسطينية من نقل قوات النخبة من شمال قطاع غزة إلى الجنوب. ومكنهم أيضًا من الحصول على رؤى مهمة حول نهج جيش الاحتلال داخل القطاع وكشف تكتيكاته ووضع الخطط الدفاعية المناسبة لها، مشيرين إلى أن عناصر كتائب القسام، تمكنوا من معرفة أن قوات الاحتلال لا تفضل استخدام الطرق الرئيسية أثناء توغلها، وهو ما جعلهم يضعون خطة جديدة لعرقلة القوات المتقدمة اعتمادا على المعلومات الجديدة.
ومن جهته، أكد ناحوم برنياع المحلل السياسي الإسرائيلي، أنه من الصعب القضاء على المقاومة في مناطق قطاع غزة، مضيفًا أنه رغم القصف المتواصل هناك ما زالت الشجاعية تواجه محاولات التوغل البري وتلحق الخسائر في صفوف القوات الإسرائيلية، مشيرًا إلى انتشار جيوب المقاومة الفسطينية في جميع الأحياء الأخرى، وذلك يعني زيادة الضغط على نتنياهو، لأن عنصر الوقت ليس في صالحه، ليس فقط بسبب الضغط الأميركي، بل بسبب وضع السكان المدنيين أيضا، مشيرًا إلى أنه لا يعتقد أن إسرائيل تمتلك أكثر من أسبوعين، وهي فترة لا تبدو كافية لتحقيق الأهداف الطموحة التي أعلنت عنها القيادة السياسية في بداية الحرب.كما أبدى برنياع تخوفه من دخول الجيش الإسرائيلي لخانيونس بدون معدة مسبقًا، مؤكدًا أن الدخول بدون خطة لا يخدم إستراتيجية الجيش الإسرائيلي.
وفي ذات السياق أكد عبد الباري عطوان الكاتب والمحلل السياسي، أن جيش الاحتلال غرق في وحل غزة، ولن يخرج منه إلّا بعد الهزيمة، مضيفًا: "ليس نحن الذين نقول هذا الكلام انطلاقًا من معرفتنا للقطاع ولفصائل المقاومة، وإنّما ما يقوله أيضًا لويد أوستن وزير الدفاع الأمريكي، ويؤكده توماس فريدمان الكاتب في صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية والخبير في شُؤون الشّرق الأوسط الذي عمل مُراسِلًا للصّحيفة نفسها في بيروت لعدّة سنوات.
وأضاف عطوان في تحليل له، أن المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة مازالت تحقق بطولات إعجازية وتُلحق الخسائر البشرية والمادية الضخمة بجيش الاحتلال، اعترف بها المتحدّثون باسمه على استحياء، وبالتّقسيط، علاوةً على تحويل الشجاعية وبيت حانون ودير البلح وخان يونس إلى مقبرة للدبابات والمدرعات.
ومن جانبه قال اللواء المتقاعد واصف عريقات، الخبير العسكري الفلسطيني، إن قوات الاحتلال خسرت خلال مواجهاتها الدامية مع المقاومة الفلسطينية نحو (400) آلية عسكرية، وهذا يعادل تسليح فرقة كاملة، وهذه الآليات تحمل عدة جنود، ولو أن كلّ آلية قُتل فيها جندي واحد، فسيكون عدد القتلى أكثر من (400) جندي، والجرحى أعلى من هذا الرقم بعشرات الأضعاف.
وأضاف عريقات في تصريحات صحفية، أن الاحتلال لم يسيطر حتى اللحظة على أي منطقة ولم يستقر فيها، باستثناء الأطراف لحماية ظهر القوات، فيما المعارك الأخرى مازالت كرّ وفرّ، ولا يوجد قوات وجنود على الأرض، وهذا بالعرف العسكري لا يعتبر سيطرة، مشيرا إلى أن السيطرة هي تفتيش ومسح وتمركز على الأرض وهذا غير موجود.
وفيما يخص الأوضاع في خان يونس، قال الخبير العسكري الفلسطيني إن ما يجري هي عمليات استدراج لقوات العدو، حيث تتبع المقاومة تكتيكا يتمثّل برصد حركة القوات والاشتباك معها، ما يستدعي استخدام الطيران لانقاذهم.
واعتبر عريقات أن لجوء جيش الاحتلال إلى سلاح الطيران بشكل أساسي حتى الآن في حربه على غزة، يؤكد غياب قدرته عدم السيطرة ميدانيًا في غزة وفشله في الاقتحام البري، وذلك نظرا لعدم قدرة سلاح الجوعلى حسم المعارك، واقتصار دوره على إلحاق التدمير بالمنطقة المستهدفة فقط لاغير.