بعد سنوات من التوترات المتصاعدة، جاء تصريح ديمتري ميدفيديف، نائب رئيس مجلس الأمن القومي الروسي، ليقلب الطاولة في لعبة التوازنات النووية.
الرجل الثاني في روسيا أعلن صراحةً أن بلاده إلى جانب دول أخرى مستعدة لتزويد إيران برؤوس نووية ردًا على الضربات الأمريكية، وهو تصريح غير مسبوق من مسؤول بهذا الحجم، يهدد بفتح أبواب جهنم في منطقة الشرق الأوسط.
في المقابل، خرج الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بتصريحات مفاجئة، قال فيها إن وقف إطلاق النار بين إسرائيل وإيران قد دخل حيّز التنفيذ، معربًا عن أمله في ألا يتم خرقه، فيما أكدت إيران أنها تدرس الأضرار التي لحقت بصناعتها النووية، وبدأت الاستعدادات لإعادة تأهيل منشآتها.
فما الذي يعنيه هذا المشهد المركّب؟ وهل نحن أمام نهاية التصعيد أم بدايته الحقيقية؟ وهل تجرؤ روسيا على تسليح إيران نوويًا؟ وما خيارات أمريكا إذا حدث ذلك؟
لماذا تعيد إيران تأهيل منشآتها النووية الآن؟
وفقًا لتقارير استخباراتية في مجلة long war، تعرضت إيران خلال الأشهر الأخيرة إلى ما لا يقل عن 5 هجمات مركّزة على منشآت نووية رئيسية، بينها 'نطنز' و'فوردو'، نُسبت لإسرائيل وأمريكا.
هذه الهجمات ألحقت أضرارًا بالبنية التحتية النووية الإيرانية، وأبطأت تخصيب اليورانيوم بنسبة تصل إلى 40% بحسب بعض التقديرات الغربية.
لكن إيران لم تخرج عن السيطرة،بدلًا من التصعيد المباشر، أعلنت أنها تُقيّم الأضرار الفنية، وأن عملية إعادة التأهيل بدأت بالفعل، في محاولة لاستعادة قدراتها التقنية خلال أقل من 6 أشهر، وهو تقدير ورد في تقارير أوروبية.
ماذا تعني تصريحات ميدفيديف عن تزويد إيران بالرؤوس النووية؟
التصريح الروسي يحمل دلالات خطيرة واستراتيجية، للمرة الأولى منذ الحرب الباردة، تُلمّح موسكو إلى استعدادها نقل تكنولوجيا أو حتى رؤوس نووية حقيقية إلى دولة في قلب منطقة مشتعلة.
تاريخيًا، روسيا لا تقدم رؤوس نووية حتى لحلفائها التقليديين كالهند أو الجزائر، فما بالك بإيران.
لكن هذا التصريح يهدف وفق خبراء إلى رفع سقف الردع في وجه واشنطن وتل أبيب.
في حال تنفيذ هذا التهديد فعلًا، فإن إيران ستنضم إلى قائمة تضم 9 دول نووية حاليًا (بينها إسرائيل)، ما سيغير ميزان القوى الإقليمي جذريًا.
هل تمتلك إيران القدرة على حمل الرؤوس النووية؟
التقديرات تشير إلى أن إيران تمتلك بالفعل صواريخ باليستية بعيدة المدى مثل 'شهاب 3'، يصل مداها إلى 2000 كم، وقادرة نظريًا على حمل رؤوس نووية.
أما من ناحية التخصيب، فقد وصلت إيران في 2023 إلى مستوى 83.7% من تخصيب اليورانيوم، وهو مستوى قريب جدًا من 90% اللازمة لصناعة سلاح نووي، بحسب وكالة الطاقة الذرية الدولية.
إذا حصلت إيران على الرؤوس الجاهزة كما يلمّح ميدفيديف، فإنها لن تحتاج إلا إلى أنظمة إطلاق متطورة، وهي أنظمة قد توفرها روسيا أيضًا، مما يجعل امتلاكها لسلاح نووي مسألة أشهر فقط.
كيف يمكن أن ترد أمريكا؟
الخيار العسكري
واشنطن تحتفظ حاليًا بـ أكثر من 40 ألف جندي أمريكي منتشرين في قواعد بالشرق الأوسط، أبرزها في قطر (العديد)، السعودية، البحرين (الأسطول الخامس)، والكويت. وتملك القدرة على تنفيذ ضربات خاطفة لمنشآت نووية أو قواعد صاروخية في إيران.
لكن تنفيذ هجوم مفتوح ضد إيران قد يشعل حربًا إقليمية شاملة، خاصة في ظل وجود قوات روسية قريبة من الميدان (في سوريا مثلًا).
الخيار الاقتصادي
الولايات المتحدة قد تلجأ إلى تجميد شامل للأرصدة الإيرانية، وفرض عقوبات على أي دولة تساعد في نقل تكنولوجيا نووية لطهران، بما في ذلك روسيا نفسها.
كما يمكنها استخدام نفوذها داخل مجموعة السبع والأمم المتحدة لتشكيل تحالف دولي جديد ضد إيران، يعيد سيناريو العراق في 2003 لكن بشكل أشد.
الخيار الدبلوماسي
ورغم التهديدات، فإن واشنطن قد تلجأ لخط دبلوماسي جديد عبر وسطاء مثل سلطنة عُمان أو تركيا، لمنع انهيار التفاهمات النووية القديمة (اتفاق 2015)، والدخول في صفقة جديدة تمنح إيران مكاسب اقتصادية مقابل تجميد التسلح النووي.
ماذا لو امتلكت إيران قنبلة نووية فعلًا؟
ستصبح إيران أول دولة في الشرق الأوسط بعد إسرائيل تملك سلاحًا نوويًا، وهو ما سيقود إلى سباق تسلح إقليمي.
إسرائيل ستعتبر ذلك تهديدًا وجوديًا، وقد تطالب حلفاءها الغربيين بغطاء نووي مباشر، أو حتى تنفذ ضربة استباقية.
احتمال قيام جماعات تابعة لإيران مثل حزب الله أو الحوثيين باستخدام قدرات نووية ولو بشكل غير مباشر سيزيد من خطر 'الردع النووي غير الرسمي'.
ستتغير قواعد اللعبة في الخليج، وقد تتراجع هيمنة أمريكا تدريجيًا أمام محور روسي–إيراني يتعزز بالقوة النووية.
لذا فالعالم اليوم يراقب مشهدًا يتطور بسرعة غير مسبوقة، فروسيا تلوّح بتسليح إيران، وأمريكا تضع يدها على الزناد، بينما إيران تمضي قدمًا نحو استعادة قدراتها النووية وسط صمت إسرائيلي محسوب.
الأسابيع القادمة قد تحمل إما اختراقًا دبلوماسيًا يعيد ضبط التوازن، أو انفجارًا استراتيجيًا لا تُعرف حدوده، يكون الشرق الأوسط ساحته الأولى.