ads
ads

إنقلاب على الشرعية.. من هو الرئيس الفلسطيني الجديد؟

محمود عباس أبو مازن رئيس فلسطين
محمود عباس أبو مازن رئيس فلسطين
كتب : سها صلاح

خلف الإعلان الدستوري المفاجئ الذي صدر عن رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، القاضي بتولي نائبه حسين الشيخ مهام الرئاسة في حال شغور المنصب، حالة من الجدل السياسي والقانوني، وسط اتهامات لعباس بالعمل على تمهيد الطريق للشيخ لترؤس السلطة الفلسطينية في حال شغور المنصب لأي سبب من الأسباب.

عباس لم يكتفِ بذلك، إذ إن الإعلان الدستوري شمل إلغاء إعلان دستوري سابق صدر في 2024، الذي كلف حينها رئيس المجلس الوطني روحي فتوح بأن يشغل موقعه، ما يعني إبقاءه في منصبه الحالي رئيساً للمجلس الوطني، ومحمود العالول رئيساً لحركة فتح، على أن يبقى منصب رئاسة السلطة الفلسطينية محصوراً بالشيخ فقط، وبدون منافسة.

في هذا التقرير نشرت 'ذا ارب ويكلي' كواليس الإعلان الدستوري وتثبيت حسين الشيخ كبديل 'مؤقت' لمحمود عباس، وطبيعة الانتقادات التي وُجهت لرئيس السلطة الفلسطينية، وجعلت من إعلانه قراراً غير دستوري وتجاوزاً للقانون، وكيف سعى عباس لقطع الطريق على أي منافس آخر لخلافته.

إعلان عباس الدستوري

قبل أيام، أصدر الرئيس الفلسطيني محمود عباس، 90 عاماً، إعلاناً دستورياً، يقضي بموجبه، بأنه إذا شغر مركزه، وفي حالة عدم وجود المجلس التشريعي، يتولى نائب رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، نائب رئيس دولة فلسطين، وهو حسين الشيخ، 65 عاماً، الذي يشغل حالياً منصبَي نائب رئيس اللجنة التنفيذية ونائب رئيس دولة فلسطين، مهام رئاسة السلطة مؤقتاً، لمدة لا تزيد على تسعين يوماً.

على أن تُجرى خلال تلك الفترة انتخابات حرة ومباشرة لانتخاب رئيس جديد، وفقاً لقانون الانتخابات الفلسطيني، وفي حال تعذّر إجرائها خلال تلك المدة لقوة قاهرة، تُمدَّد بقرار من المجلس المركزي الفلسطيني لفترة أخرى، ولمرة واحدة فقط، على أن يُلغى الإعلان الدستوري رقم (1) لسنة 2024.

مسؤول فلسطيني مطلع على حيثيات إصدار الإعلان، قال أن 'عباس حاول شرعنة إعلانه الجديد بمسوغات دستورية وقانونية، وتحت ذريعة 'المصلحة الوطنية العليا'، لكن هذا التطور أتى في ظل ضغوط دولية متزايدة لإصلاح مؤسسات السلطة تمهيداً لعودتها للمشهد بعد الحرب المدمرة على غزة.

ما يعني أن عباس سعى لرسم ملامح مرحلة ما بعده من خلال إعلان دستوري جديد يُحدِّد آلية خلافته في حال شغور منصبه، وهي سابقة منذ تأسيس السلطة الفلسطينية، ويأتي هذا التعديل ضمن ترتيبات داخلية تهدف لضمان انتقال منظم للسلطة في مرحلة حساسة تشهد ضغوطاً لإعادة هيكلة مؤسساتها وتعزيز شرعيتها'.

مع العلم أن القانون الأساسي الفلسطيني ينص على أن يتولى رئيس المجلس التشريعي مهام الرئاسة مؤقتاً لمدة 90 يوماً في حال شغور المنصب، لكن إقدام عباس على حلّه في 2018 أدى إلى غياب هذه المرجعية، ما دفعه لإصدار إعلان في نوفمبر/تشرين الثاني 2024 نصّ على تولي رئيس المجلس الوطني مهام الرئاسة مؤقتاً، وهو روحي فتوح، 75 عاماً.

قبل أن يصدر إعلانه الجديد المثير للجدل، الذي يمنح الشيخ إدارة شؤون الرئاسة مؤقتاً لحين إجراء انتخابات جديدة، دون توضيح ما إذا كان يحق له الترشح للمنصب لاحقاً، بينما تبقى الانتخابات الرئاسية الفلسطينية مقررة عبر اقتراع مباشر في الضفة الغربية وقطاع غزة وشرقي القدس، لتؤكد السلطة بذلك انتقالاً دستورياً في واحدة من أكثر المراحل السياسية حساسية في تاريخها.

اصبح واضحاً أن عباس أصدر مرسومه هذا لتحصين من سيأتي بعده، لأن المرسوم استحدث تغييراً مفاجئاً في الأعراف الدستورية الفلسطينية المتبعة منذ تأسيسها، لأن تحكُّم رجل واحد، وهو عباس، في مفاصل القرار السياسي، يمثل أزمة خطيرة تهدد مبدأ الفصل بين السلطات، خاصة بعد أن تسبب حلّ المجلس التشريعي في إضعاف المؤسسات الرقابية، وساهم في تركز السلطة التنفيذية بيد عباس.

تجنب الفراغ في السلطة أم خدمة لمصالح خاصة؟

زعمت أوساط فلسطينية مؤيدة للإعلان الدستوري أن القرار ضروري وواقعي، ويهدف إلى تجنب أي فراغ في السلطة، وضمان انتقال سلس للقيادة، وقطع الطريق على محاولات داخلية أو خارجية لتشكيل مرجعيات موازية لمنظمة التحرير.

وبرر مؤيدون لعباس وللإعلان الدستوري ذلك بكون المرحلة المقبلة حساسة ومعقدة، ويجب أن يكون على رأس السلطة شخصية ذات وزن سياسي وخبرة ميدانية مثل حسين الشيخ، الذي تزامن تعيينه مع تغييرات واسعة شملت الجهازين السياسي والأمني.

فيما أصدرت حركة فتح، التي يترأسها عباس، ويشغل حسين الشيخ عضوية لجنتها المركزية، بياناً دعمت فيه الإعلان، زاعمة رفضها أي محاولات لتجاوز الشرعية، أو فرض وصاية خارجية، بما يضمن سلطة واحدة وسلاحاً واحداً وقانوناً واحداً، واعتبرت أن الإعلان الدستوري يرفض ما وصفتها بـ'سياسات التفرد'، و'محاولات القفز عن الشرعية الوطنية أو تجاوزها'.

لم يكن الإعلان الدستوري مفاجئاً للفلسطينيين، فالشيخ هو أحد أقرب المقربين من عباس، وقاد مفاوضات واتصالات مع الأمريكيين والإسرائيليين والدول العربية في قضايا مصيرية تخص مستقبل السلطة الفلسطينية، ويصفونه بـ'الطباخ الرئيسي' في مقر الرئاسة، وصاحب الحضور القوي في ملفات الأمن والسياسة.

ويحظى برضا الشركاء الدوليين والإقليميين، بمن فيهم الإسرائيليون، وفيما زعمت أوساط إسرائيلية أن القرار اتُّخذ بناءً على طلب أمريكي، نظراً للعلاقات الوثيقة التي تربط الشيخ مع واشنطن، فإنه تزامن مع عمل كبير أمريكي وغربي وعربي من أجل 'اليوم التالي' في قطاع غزة.

انقلابا علي الشرعية الدستورية

بينما أكد خبراء للصحيفة أن 'الإعلان يشكّل انقلاباً على الشرعية الدستورية، واستهتاراً بالنظام القانوني، ونابعاً من سوء تقدير، وافتقار للمسؤولية الأخلاقية والدستورية، ويقطع الطريق على محاولة تشكيل قيادات ومرجعيات أخرى، ويعمل على إعادة إنتاج النظام السياسي القائم بطريقة غير ديمقراطية، وفرض الأمر الواقع، وقطع الطريق أمام الانتخابات وتداول السلطة'.

بل يشكّل 'تجاوزاً خطيراً للقانون الأساسي، ويحول دون ظهور جيل قيادي جديد يفكر في الانتخابات بوصفها طريقة لتداول الحكم، ويعزز الفردية والديكتاتورية، ولا يشير إلى صدق النية بإجراء انتخابات، بل يحمل إشارات لا تخطئها العين بشأن الحرص على ضمان المصالح الفردية والعائلية والمقرّبين'، وفق الخبير في القانون الدستوري.

لقد أغفل الإعلان دور المجلس المركزي لمنظمة التحرير، ولم يكن ذلك عن تجاهل، أو نسيان، أو إسقاط أهميته ومكانته، بل سعى لإبعاده عن المشهد، وكذلك أغفل دور رئيس المحكمة الدستورية كأحد الخيارات الهامة والأساسية في ملء الفراغ الدستوري في حال شغور موقع الرئيس.

مع أن الأساس في هذه الحالة أن يتولى هذا الموقع رئيس المجلس التشريعي، أو المجلس الوطني، وهذا لا يتناقض مع وجود نائب رئيس، وكل ذلك أدخل عباس في دوامة الأسئلة المثارة حول عدم مشروعية إعلانه.

كابوس البرغوثي يؤرق مضاجع عباس وحسين الشيخ

يمنح الإعلان الجديد حسين الشيخ مزيداً من ترسيخ مكانته، وتعزيز حظوظه في أي انتخابات قادمة، في حال إجرائها، مع العلم أن تعيين نائب لعباس كان مثار نقاش منذ سنوات طويلة، في ظل تقدم عباس في العمر، ويُعتبر رسالة على أن السلطة لا تتخلى عن وجودها ودورها في غزة.

وتستجيب لطلبات الإصلاح والتغيير الدولية، خاصة الأمريكية والإسرائيلية منها، خاصة وأن الإعلان تزامن مع شكوك أعلنها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حول إمكانية أن يكون لعباس دور في قيادة القطاع.

وتزامن الإعلان مع تقارير متزايدة بشأن قرب الإفراج عن عضو اللجنة المركزية لحركة فتح، مروان البرغوثي، من سجون الاحتلال الإسرائيلي، لأن استطلاعات الرأي تشير دائماً إلى أنه منافس قوي لمحمود عباس.

ولذلك فقد استبق الأحداث بتعيين منافس آخر له، وهو الشيخ، الذي يرى في البرغوثي كابوساً مخيفاً، خاصة وأن ترامب أعلن أنه يدرس إطلاق سراحه، ربما استجابة لمطالب إقليمية ضالعة في ترتيبات 'اليوم التالي' للساحة الفلسطينية.

عضو المجلس الثوري لحركة فتح، والسفير السابق، عدلي صادق، أكد أن إعلان عباس تأكيد على سياسته المعتادة بتعليق العمل بالدستور والقانون الأساسي، واستمراء خروقاته عبر إصدار المراسيم، التي تتصف جميعها بعدم الدستورية، لكن الحاصل فعلاً أنه يسعى لما وصفه بـ'التذاكي'، وينزلق إلى حفرة 'غباء أعمق، وتتكشّف مقاصده'.

لأن الإعلان يكشف بما لا يدع مجالاً للشك أن كابوس البرغوثي، الذي يتعرض لمحاولات التشويه، يعطي التفسير الواضح لما يمكن وصفها بالمراسيم اللادستورية، و'تخريجاته الكيدية الغرائزية'، التي ينتحل من خلالها صفة الوصيّ على الشعب الفلسطيني ومستقبله السياسي.

الخلافة دون شرعية

يصف القانونيون إعلان عباس بـ'غير الشرعي'، وقد يكون قراراً يُعبّر عن أزمة عميقة في القيادة، أو ينفّذ أوامر واشنطن، وهو الذي رأى بعينه كيف أنها، هي ذاتها، طلبت من ياسر عرفات الإتيان به رئيساً للوزراء، وبالتالي 'فإننا نعيش في مرحلة خطيرة جداً، والقرار لا يقوم على أي شرعية، ولا أي نظام أو قانون، مما يعكس حالة من التخبط في القيادة، ويكشف عن خلط بين مناصب رئيس السلطة والدولة ومنظمة التحرير'.

حركة 'حماس' انتقدت الإعلان الدستوري لعباس بشدة، ووصفته بأنه 'تعقيد لإمكانية إصلاح النظام السياسي'، وأن التغييرات التي يُجريها عباس تسببت بتشويه عميق للنظام السياسي، لأنها تمّت بشكل منفرد ومخالف للقانون الأساسي، وبعيداً عن التوافق الوطني.

WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً