في وقتٍ تتسارع فيه تطورات الحرب السودانية وتتبدل فيه خرائط النفوذ على الأرض، بدأت تتكشف ملامح مسار خفي لا يقل خطورة عن المعارك الدائرة في المدن والولايات. تحركات غير معتادة، وتحديثات متسارعة في بنية تحتية قريبة من مسرح الصراع، أعادت طرح أسئلة جوهرية حول كيف ولمَن تُدار الحرب في السودان.
فبينما ينشغل المشهد بالاشتباكات الميدانية، تكشف تحليلات استخباراتية مفتوحة المصدر عن تغيّر لافت في سلاسل الإمداد لقوات الدعم السريع، يرتبط بمطار إثيوبي قريب من الحدود السودانية، في تطور تتجاوز تداعياته الداخل السوداني لتطال حسابات الأمن الإقليمي، وعلى رأسها الأمن القومي المصري.
كشفت تحليلات استخباراتية مفتوحة المصدر 'ايكاديا' عن تطورات غير مسبوقة في واحدة من أهم سلاسل الإمداد اللوجستي لقوات الدعم السريع السودانية، تزامنت مع تحديثات متسارعة شهدها مطار إثيوبي يقع بالقرب من الحدود السودانية، في توقيت بالغ الحساسية مع استمرار الحرب وتغيّر موازين القوى داخل السودان.
هذه التطورات تشير إلى تحوّل نوعي في آليات الدعم التي تعتمد عليها قوات الدعم السريع، وتفتح الباب أمام تداعيات إقليمية أوسع تمتد إلى دول الجوار، وعلى رأسها مصر، في ظل مشهد إقليمي شديد التعقيد.
تحول في نمط الإمداد العسكري
تشير المصادر إلى أن قوات الدعم السريع واجهت خلال الأشهر الماضية تراجعًا في قدرتها على الاعتماد على مخازنها وقواعدها داخل السودان، نتيجة الضغوط العسكرية المتزايدة وفقدان السيطرة على مواقع استراتيجية.
هذا الواقع دفعها إلى إعادة تنظيم شبكات الإمداد والبحث عن مسارات بديلة خارج الحدود السودانية.
التحول الأبرز تمثل في الانتقال من نموذج الإمداد المحلي إلى نموذج يعتمد على خطوط إمداد عابرة للحدود، واستخدام بنية تحتية إقليمية كحلقة وسيطة في نقل السلاح والعتاد وإعادة تدوير القوة البشرية، وهو ما يعكس تغيرًا عميقًا في طبيعة إدارة الصراع.
مطار إثيوبي في دائرة الاهتمام
في هذا السياق برز مطار إثيوبي قريب من الحدود السودانية بعد رصد نشاط غير معتاد شمل تحديثات سريعة في مرافقه ومدارجه، وزيادة ملحوظة في حركة الطيران غير التجارية خلال فترة زمنية قصيرة.
ورغم عدم وجود مؤشرات رسمية على تورط حكومي مباشر، فإن هذه التحركات تثير تساؤلات جدية حول مستوى الرقابة على استخدام البنية التحتية القريبة من مناطق النزاع، خاصة في ظل هشاشة الحدود وتشابك الصراعات في منطقة القرن الإفريقي.
إثيوبيا خلف الستار
تشير التحليلات إلى أن استخدام البنية التحتية الإثيوبية القريبة من الحدود السودانية، سواء بعلم مؤسسات الدولة أو في ظل ضعف الرقابة على بعض المناطق الطرفية، يأتي في سياق إقليمي شديد الهشاشة. فالحدود السودانية الإثيوبية تعاني منذ سنوات من توترات مزمنة، في مقدمتها النزاع حول إقليم الفشقة، إلى جانب تراجع السيطرة المركزية داخل السودان بسبب الحرب، وتشابك الصراعات المسلحة في القرن الإفريقي. هذا الواقع المركب يجعل أي نشاط عسكري أو شبه عسكري في هذه المنطقة عاملًا بالغ الحساسية، وقابلًا للتوظيف في صراعات أوسع، بما يهدد بتحويل مناطق حدودية رخوة إلى منصات لوجستية تغذي النزاعات وتعيد إنتاجها على نطاق إقليمي.
كيف يتغير مسار الحرب؟
يمثل هذا التطور أهمية خاصة في مسار الحرب السودانية، إذ يمنح قوات الدعم السريع قدرة أكبر على تعويض خسائرها والاستمرار في القتال رغم الضغوط الميدانية، ما يساهم في إطالة أمد الصراع وتعقيد فرص الحسم العسكري أو التوصل إلى تسوية سياسية قريبة.
كما يعكس انتقال خطوط الإمداد خارج السودان تحول الصراع من أزمة داخلية إلى نزاع ذي أبعاد إقليمية، تتداخل فيه حسابات الأمن والسياسة والمصالح العابرة للحدود.
عمق استراتيجي
تنظر مصر إلى السودان باعتباره عمقًا استراتيجيًا لا ينفصل عن أمنها القومي، وأي اضطراب طويل الأمد في هذا البلد ينعكس مباشرة على أمن الحدود الجنوبية واستقرار منطقة البحر الأحمر والتوازنات المرتبطة بنهر النيل.
ومن هذا المنطلق تراقب القاهرة بقلق أي تحولات في مسار الحرب السودانية تؤدي إلى إضعاف الدولة المركزية أو تعزيز نفوذ قوى مسلحة غير نظامية مدعومة عبر شبكات إقليمية، وهي سيناريوهات تعتبرها تهديدًا مباشرًا لأمنها القومي.
مخاوف من تدويل الصراع
تثير التطورات الأخيرة مخاوف متزايدة من تحوّل النزاع السوداني إلى صراع إقليمي غير مباشر، مع تنامي دور سلاسل الإمداد العابرة للحدود وتزايد احتمالات تهريب السلاح والمقاتلين في مناطق تعاني أصلًا من هشاشة أمنية.
هذا الواقع يضع دول الجوار أمام تحديات معقدة، ويجعل من ضبط الحدود والبنية التحتية الحساسة مسألة تتجاوز الشأن السوداني الداخلي.
وما جرى رصده من تحولات في سلاسل إمداد قوات الدعم السريع، وتزامنه مع تحديثات غامضة في مطار إثيوبي قريب من الحدود السودانية، يشير إلى تطور نوعي في طبيعة الحرب الدائرة في السودان.
تابعوا آخر أهل مصر على Google News
