طفت الخلافات بين الرئيس الإيراني، حسن روحاني، والمرشد الأعلى، علي خامنئي، إلى السطح مجددا عقب كارثة إسقاط الطائرة الأوكرانية حول كيفية التعامل مع هذه الأزمة، وأيضا طريقة التعاطي مع الاحتجاجات الداخلية، فضلا عن تحفظات "روحاني" على السياسة الخارجية للحرس الثوري و"خامنئي" سواء ما يتعلق بالتدخلات في المنطقة أو التجاذبات مع الأوروبيين حول ملف الاتفاق النووي، فيما يبدو أننا أمام جولة جديدة من معركة السيادة بين التيار الإصلاحي بقيادة "روحاني"، والمتشددين بزعامة "خامنئي"، فما أبعد مدى قد يصل إليه ذلك الخلاف، وهل يستطيع "روحاني" تطويع تلك الأزمة لصالحه في سبيل الحد من حقيقة تهميش مؤسسة الرئاسة؟.
وحول ذلك، يقول هاني سليمان، المدير التنفيذي للمركز العربي للبحوث والدراسات، والخبير في الشأن الإيراني، إن "الخلافات بين روحاني من جانب و خامنئي والحرس الثوري من الجانب الآخر، ليست وليدة اللحظة وإنما لها جذور، وهناك العديد من الشواهد التي تؤكد وجود تلك الخلافات بين التيار الإصلاحي الذي يمثله الرئيس الإيراني ووزير خارجيته، محمد جواد ظريف، وبين الاتجاه المتشدد الذي يمثله المرشد الأعلى والحرس الثوري".
وأضاف "سليمان"، لـ"أهل مصر"، أن "ذلك ظهر في أكثر من موقف؛ منها ما يتعلق بالاتفاق النووي الذي نجح روحاني في إبرامه مع الجانب الأمريكي، والذي كان هناك خلاف حوله، والذي ظهرت أولى بوادر الاصطدام بين الجانبين بعد خروج الولايات المتحدة منه، وأعقب ذلك الانسحاب مشادات وتحميل الحرس الثوري روحاني المسؤولية الكاملة نتاج هذا الموقف المأزوم والأوضاع الاقتصادية الصعبة التي فرضتها العقوبات الأمريكية، على اعتبار أن روحاني هو المسؤول والمتهم الأول فيما يتعلق بهذا الأمر".
وتابع المدير التنفيذي للمركز العربي للبحوث والدراسات، في سرد مظاهر الخلاف بين الزعيمين، وقال :"أيضا من المفترض أن يكون هناك تنسيق مؤسسي وإشراك المرشد والحرس الثوري للرئيس روحاني بشكل كامل في صنع القرار والعملية السياسية، وبحقائبه المختلفة ومنها وزارة الخارجية، لكن نتذكر استقالة ظريف، وزير الخارجية، في فبراير من العام الماضي، اعتراضا على عدم دعوته إلى مقابلة الرئيس السوري، بشار الأسد مع المرشد الأعلى، ولم يكن له علم بالأمر في ظل تكتم من الحرس الثوري وتنظيم الزيارة بشكل منفرد دون إعلام وزير الخارجية أو حتى الرئيس روحاني، فكان ذلك أحد دلّات التهميش وعدم الاكتراث، وقد يكون هناك مؤسسات موازية وتحركات على أكثر من جناح في المشهد الداخلي الإيراني".
واستطرد "سليمان": "أيضا ظهر ذلك جليا خلال التظاهرات الأخيرة، فعلى الرغم من أن هناك توافق نسبي ما بين روحاني وخامنئي على ضرورة التعاطي مع التظاهرات، إلا أنه كان هناك خلاف كبير ما بين الرئيس وبين المرشد والحرس الثوري على آلية وسبل التعامل مع تلك الاحتجاجات وحجم العنف المطلوب الذي أدى إلى مقتل 1500 متظاهر خلال يومين، وكان هناك بعض المشاكل إزاء هذا الأمر، لكن روحاني لم يصرح بذلك؛ نظرا لأن المشهد كان مقلق ومخيف بالنسبة للنظام السياسي".
واعتبر الخبير في الشأن الإيراني، أن "استباق روحاني بالإعلان عن مسؤولية إسقاط الطائرة الأوكرانية هو ما وضع النظام الإيراني والمرشد الأعلى والحرس الثوري في حرج، وكان هناك خلافات كبيرة ورفْض من الحرس الثوري لهذه الخطوة من روحاني وإعلانه المبكر عن مسؤولية الدولة الإيرانية؛ لأنه خيرهم ما بين الاستقالة وبين تحمل المسؤولية، الأمر الذي خرج معه الحرس الثوري واعترف بإسقاط الطائرة، ولكنه اعتراف غير كامل؛ حيث كان يُحمّل قائد الطائرة بعض المسؤولية أو كان يتحدث عن جزء من الحقائق المنقوصة، ولكن في النهاية أرغمهم روحاني على الاعتراف، وهو ما سبب مأزق شديد للنظام السياسي".
وأكد "سليمان"، أن "هذا هو الموقف؛ لأن أحد أهم المشكلات ما بين خامنئي وروحاني هي فكرة تهميش مؤسسة الرئاسة، على اعتبار أن صانع القرار الأول في الدولة الإيرانية، كما هو معروف، هو الحرس الثوري، بما له من نفوذ وإمبراطورية اقتصادية وانفراد بالسلطة، وبالتالي كان هناك إشكالية كبيرة على اعتبار أن قائد فيلق القدس الراحل، قاسم سليماني، هو الابن المدلل للمرشد الأعلى الذي اختصه بصلاحيات وصلت إلى الحد الذي كانت مؤسسة الرئاسة في بعض الأحيان تعلم ببعض التحركات أو العمليات فقط من وسائل الإعلام وليس من مصدر صنع القرار، المرشد الأعلى، أو حتى بالتنسيق مع الحرس الثوري، فبالتالي هذا التهميش أو الإقصاء هو أحد أسباب توتر العلاقات بين الجانبين".
واستنتج المدير التنفيذي للمركز العربي للبحوث والدراسات، أن "كل هذه المعطيات تؤكد أننا أمام نظام سياسي غير عادي، نظام سياسي يعاني من صراعات كبيرة في الداخل وليس كما يُصدّر للخارج بأن هناك تلاحم وتوافق تام ما بين النخبة السياسية الإيرانية، ولكن حجم تلك الخلافات لم تصل إلى الدرجة التي قد تخرج معها للعلن؛ فبشكل كبير كان يتم احتوائها مرة بعد أخرى".
ويرى "سليمان" أننا "إزاء مرحلة مختلفة كليا؛ فربما يكون في يد روحاني بعض الأوراق الإيجابية نسبيا فيما يتعلق بالعلاقة مع الغرب ومحاولة قيادة التيار المعتدل مستغلا أزمة الطائرة الأوكرانية وسلوكه الذي ربما يكون فوّت على المجتمع الدولي فرص النيل من إيران بعض الشيء؛ على اعتبار أن اعتراف طهران كان أفضل بالنسبة للنظام الإيراني من التمادي والتقليل من حجم المخاطر، وإن كان لايزال هناك خطر بشكل كبير؛ نظرا لأن هناك حالة من المساءلة من المجتمع الدولي، وهي قضية شائكة، لكن أعتقد أن الفترة القادمة ستكون شاهدة على مزيد من الصدام، خاصة مع خلو منصب قائد فيلق القدس؛ لأن نائب سليماني، الذي تولى هذا المنصب مؤخرًا، أعتقد أنه لن يستطيع القيام بنفس الأدوار القوية وتصدير الثورة كما كان يفعل سليماني، كما أن حسين سلامي، قائد الحرس الثوري، لا يتمتع أيضا بمثل هذه الكاريزمية".
واختتم المدير التنفيذي للمركز العربي للبحوث والدراسات بقوله: "أعتقد أن روحاني ومؤسسة الرئاسة ووزير الخارجية قد يكون لهم شأن في الوقت الحالي، وقد يؤسس ذلك لاحتمالية وجود مزيد من الصراع على المنصب أو المكانة المفقودة، فقد تكون هذه فرصة يستغلها روحاني للاضطلاع بأدوار مختلفة نوعيا، مستفيدا من الضغط الدولي على النظام، وربما يحاول الرئيس الإيراني (الملقب بالشيخ الدبلوماسي) تصدير حالة ومشهد الجناح المعتدل الذي قد يتماهى ويتقارب مع الغرب، ما قد ينظر إليه على أنه نقطة إيجابية لروحاني في الفترة القادمة".
(من العدد الورقي)