المكفوفون بالأزهر إرادة تغلب الظلام.. 700 طالب كفيف بالجامعة.. واستعدادت لاختبارهم إلكترونيًا

المكفوفون بالأزهر إرادة تغلب الظلام
المكفوفون بالأزهر إرادة تغلب الظلام

فقدوا البصر ورزقوا البصيرة.. وحرموا من النور ولم يحرموا أنفسهم من الأمل، نماذج مشرقة تذخر بها جامعة الأزهر لتسطر بطولات حية امتلكت إرادة حديدية تغلبت بها على ما يتوهم البعض أنها إعاقة، ولكنها كانت بالنسبة إليهم دافع للتميز، ودليل على القدرة على النجاح حال توفرت له عزيمة ماضية وشغف بما يُدرس، في السطور التالية نعرض أبرز هذه النماذج التي تشع أملًا وبهجة وتمثل رافدًا لتحقيق الأحلام حتى لو بدت الطريق صعبة.

الطالب كمال ياسر: «مشكلتي مكانتش ازاي أتعلم ألماني أد ما كانت إزاي أدخل كلية اللغات والترجمة»

جاء إلى الدنيا وعيناه مظلمتان، لم يدخلهما النور من قبل، والصعوبات تواجهه منذ طفولته، لكن إرادته كانت الأقوى بسبب إيمانه الشديد بالعلم، لذا لم يركن إليها وصمم على أن يستكمل المسيرة حتى وصل إلى محطة التعليم الجامعية الأخيرة، كمال ياسر الطالب بالفرقة الأولى من كلية اللغات والترجمة قسم الدراسات الإسلامية باللغة الألمانية، صاحب الثمانية عشر عامًا، يسطر درسًا جديدا في التحدي والإصرار بمساعدة أسرته و أساتذته وأصدقائه.

المكفوفون بالأزهر إرادة تغلب الظلام

حصل ابن قرية الرياض بمركز منية النصر بمحافظة الدقهلية على المركز الثاني للمكفوفين على مستوى الجمهورية بالثانوية الأزهرية، بدأت المرحلة الجامعية وبدأت معها رحلة جديدة من الصعوبات التي تواجه كمال تمثلت في إجراءات قبوله بكلية اللغات والترجمة قسم الدراسات الإسلامية الألمانية، فالأمر غير متاح للمكفوفين، وظل في الشهر الأول من الدراسة يحضر المحاضرات ولا يدري هل تم قبوله بالكلية من عدمه حسب قوله، حتى حصلت على قرار من مجلس الجامعة بقبولي بالكلية.

وبسؤاله عن يومه، قال 'كمال':'استيقظ في الصباح كعادتي مستدلًا بأصدقائي الطريق من المدينة الجامعية للطلاب إلى مدرج محاضراتي، حيث أتلقى العلم من أساتذتي وزملائي المتعاونين، ثم أعود إلى حيث أتيت، لتبدأ الأفكار في مطاردتي من هنا وهناك، حيث الشغف القديم بالتقنيات والتكنولوجيا وتطوير برامج المكفوفين وتصميم المواقع وغيرها، ولعل بالأمس القريب بينما أذاكر ليلة الإمتحان إذ طرأت بخاطري فكرة برمجية، فلم أنتظر حتى أنهي المذاكرة بل أغلقت الكتاب وبدأت بتنفيذ الفكرة'.

الطالب كمال ياسر

دخولي الكلية وتعاملي مع الكمبيوتر كانا من أغرب أمور حياتي التي أوجهها مع الناس إزاي ده كفيف يقدر يدخل كلية لغات وترجمة ويتكلم بلغات مختلفة، ويعقب كمال الشقيق الأكبر لإخوته الثلاثة، تعليم اللغة الألمانية لم تكن صعبة علي لأني خضت التجربة من قبل مع اللغة الإنجليزية فأنا محب لتعلم اللغات، كما كان تعاملي مع الحاسب الآلي والتكنولوجيا الحديثة أكبر الأثر في تسهيل تلك المهمة من خلال بحثي عن 'الماتريال' عبر المواقع المخصصة لذلك وقنوات اليوتيوب، لأن اللغات لا تحتاج إلى مرافق لكي يقرأ لي بل الكمبيوتر هو الرفيق تلك الآلة التي لا تمل.

واستطرد كمال حديثه قائلا أتمنى أن تكتب لي هذا المطلب وهو أن يتم فتح باب باقي أقسام كلية اللغات والترجمة أمام الطلاب المكفوفين، وأن يكون حق أصيل من حقوقنا دخول الكلية مادام الطالب مستطيع أن يدرس وأن يتعامل مع اللغات، ولا يتم قبول البعض منا بشكل استثنائي بعد تقديم التماسات ومطالبات وغيرها، كما تمنى كمال أن يتم توفير الكتب الدراسية إلى اسطوانات مسموعة لأن الوضع الحالي أشبه بالمعاناة اليومية للطالب الكفيف وخاصة طلاب اللغات.

مطالب بتعميم الامتحان الشفهي

منذ أن ولدت وقد عانا والدّي معي كثيرًا في بادئ حياتي لأني كنت أعاني من مشاكل صحية عديدة غير كف البصر، ولم يترددوا في طرق شتى الأبواب لعلاجي إلا أن قدر الله كان نافذًا، بهذه الكلمات بدأ عبدالرحمن إبراهيم عبدالرحمن الفقي الطالب بالفرقة الرابعة كلية أصول الدين والدعوة بجامعة الأزهر، حديثة عن رحلته منذ بزوغه من رحم أمه حتى أصبح من النماذج المشرقة للجامعة.

في السادسة من عمري بدأت ملكة الحفظ لدي في الظهور ما إن أسمع شيئًا إلا وأحفظه من المرة الأولى، وما إن تنبه والدي لهذا الأمر حتى وجهني إلى طريق القرآن، وما إن وصل سن التاسعة إلا وقد كان أتم الحفظ كاملًا، إضافة الى العديد من الأحاديث والقصص الإسلامية، وفي الشهادة الابتدائية حصلت على المركز الأول على مستوى الجمهورية للطلاب المكفوفين، كما كنت من أوائل الجمهورية في الشهادتين الإعدادية والثانوية أيضًا، إلى أن اتم الله عليّ النعمة بأن حفظت القرآن بالقرآت العشر.

الطالب عبدالرحمن إبراهيم عبدالرحمن الفقي

شارك عبدالرحمن ابن قرية بطينة بالمحلة الكبرى، صاحب الـ 21 عاما، في العديد من المسابقات والمحافل الدولية، والقرآن الكريم لم يكن رفيقه فحسب، بل تيقن أن عليه رسالة لابد من توصيلها للناس تمثلت في أبحاث العلوم الشرعية، والدعوة إلى الله، ليُتم أول مؤلف له بمعرض الكتاب الدولي في عام 2015 تحت مسمى 'تهذيب الروح' في السبيل إلى التوبة النصوح.

فالمعوقات كما رآها كمال من قبل لم تختلف كثيرًا عما رآه عبدالرحمن، فتسجيل المحاضرات والكتب المسجلة مشكلة تحتاج إلى حل في أيدي مسئولوا الجامعة، إضافة إلى الذل الذي يعانية المكفوفين في الإمتحانات من عدم الشروط الملازمة للمرافق، مشيرًا إلى أن الحل الأفضل من وجهة نظره لتفادي تلك المشكلات، أن يتم امتحان الطلاب شفهيُا بجميع المواد، فهو أيسر وأضمن لحق الطالب الكفيف، لافتًا إلى أنه حال صعوبة تطبيق ذلك فالحل الآخر هو تقوى الله، بأن يتقي الله أستاذ المادة والمصحح، متعجبًا من سلوك بعض الأساتذة في التعامل مع الطلاب المكفوفين، كأن الأستاذ في تعامله يقول بلسان الحال لا بلسان المقال 'هو أنت مش كفاية عليك إنك بتتعلم.. يعني عايز تتعلم و تجيب امتياز'

الطالب عبدالرحمن إبراهيم عبدالرحمن الفقي

احنا في 2020 ولسنا في التسعينات.. لسه الناس متخيلة إن الكفيف لا يستطيع فعل شئ، هكذا تعجب عبدالرحمن الفقي من نظرات الناس إليه وإلى أقرانه من فاقدي البصر، أنا أتعامل مع شتى وسائل التكنولوجيا والتواصل الإجتماعي، وأقوم بنشر فيديوهات مصغرة عبر صفحتي الرسمية على 'فيس بوك'، وكل وسائل التواصل لي بها أكونت، وأتعجب حينما أرى كومنتات تقول لي 'انت ازاي تكتب وأنت كفيف.. وانت ازاي بنستخدم تليفون تاتش'.

قدوتي رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا أستطيع أن أحدد شخصًا بعينه وأنسب إليه الفضل والقدوة كاملة فكل من تعاملت معه تعلمت منه، والكل له عليّ فضل، مختتمًا أن حلمه وهدفه الذي يسعى إليه هو أن يكون عالمًا في العلوم الشرعية بتبليغ العلم الذي حصله للناس بشتى الطرق.

أول قيادي كفيف بالأزهر: كنت أصغر دكتور بالجامعة ومحاولات عرقلتي لا تزال مستمرة

لم أولد كفيف لكني عانيت من تعب بإحدى عيني، وبعد إجراء عملية جراحية لها فقدت على إثرها البصر في سن العاشرة من عمري، بهذه الكلمات بدء الدكتور وجيه زكريا أول قيادي كفيف بجامعة الأزهر، حديثه لـ «أهل مصر»، حيث كُلف في خواتين عام 2016 يشغل منصب وكيل كلية أصول الدين للدراسات العليا بجامعة الأزهر فرع الزقازيق،بدأت رحلة زكريا التعليمية منذ اللحظات الأولى بعد أن ألحقه والده الشيخ زكريا عمران بكتاب قريته الصغيرة كفر موسى عمران مركز الزقازيق، وحفظت القرآن بقرآءاته في سن مبكرة، الأمر الذي جعلني متفوقًا دراسيًا فكنت الأول على الجمهورية في المرحلتين الإعدادية والثانوية، لألتحق بكلية أصول الدين وأحصل على الترتيب الأول للخريجين وحصد لقب أصغر خريج بجامعة الأزهر عام 1988م على سن 20 سنة، لم تمر سوى سنوات قليلة حسب وصفه، حتى حصلت على درجتي الماجستير عام 1993 والدكتوراه بمرتبة الشرف الأولى عام 1996م في سن 27 سنة لأكون أصغر عضو هيئة تدريس بالجامعة، عُينت بعدها مدرسُا بقسم الدعوة والثقافة الإسلامية، وحصلت على الأستاذية في سن الأربعين من عمري لأعين رئيسًا للقسم عام 2014، وتم ترشيحي من قبل عميد الكلية الدكتور محمد عبدالرحيم البيومى لوكالة الكلية لشئون الدراسات العليا، بإقرار المستشار القانوني أنني مستطيع بغيري، بمعنى أن يكون معي مرافق يقرأ لي الأوراق وأنا أوقع عليها، تم موافقة مجلس جامعة الأزهر على القرار في 21 /12 / 2016 لأكون أول كفيف يشغل منصب قيادي بجامعة الأزهر.

الدكتور وجيه زكريا أول قيادي كفيف بجامعة الأزهر

احنا عايزين اللي يدينا الفرصة.. ربنا مبياخدش حاجه إلا ويعوض بحاجة أفضل منها

وبسؤاله عن معوقات عمله أكد الدكتور وجيه زكريا لـ «أهل مصر» أنه لا يوجد أي معوق صاحب همة ما دام صاحبه إصرار وغض الطرف عن رؤي قاصري التفكير الذين يحدون من نشاط صاحب الهمة، موضحًا أن العمل الإداري يحتاج إلى دقة ومراجعة لكل ورقة يتم عرضها عليه، مشيرًا إلى أنه تغلب عليها بعاملين هما، استشارة أهل الخبرة والتخصص من الزملاء وزوجتي التي تعينني في مراجعة كافة الأمور غير المتعلقة بوقت، لافتًا إلى أنه يتعامل مع جميع وسائل التكنولوجيا الحديثة من تعامل مع الكمبيوتر وبرامجه المختلفة والكتابة عليه دون الرجوع لأحد، إضافة إلى التعامل مع وسائل التواصل الاجتماعي «فيسبوك- تويتر- وواتساب».

الدكتور وجيه زكريا أول قيادي كفيف بجامعة الأزهر

واجهت العديد ممن يحملون في قلوبهم أحقاد ويشنون حربًا ضدي، حيث ذهب بعض من أعضاء هيئة التدريس وقابلوا الإمام الأكبر ورئيس الجامعة، ووجهوا تساؤلات كيف يحصل كفيف على منصب قيادي وإداري بالجامعة، إلا أن ثقة قيادات الأزهر الشريف حالت دون تحقيق أهدافهم البغيضة.

وفي برقيه أمنياته سطر أول قيادي كفيف بجامعة الأزهر آمالة التي يسعى أن تحققها له الجامعة، حيث قال آمل أن تكثف الجامعة دورات التعامل مع الحاسب الآلي وعلومه للمكفوفين وتعممها بجميع الكليات والفروع، ليس هذا فحسب بل تمنى أن توزع الكتب الدراسية للطلاب المكفوفين على «CD» حتى يتخلى الكفيف عن المرافق الذي قد يكلفه العديد من الجهد والمال، بوقفة صمت لمدة ثواني قال زكريا أود أن يتم استعاضة النظرة السلبية التي يتم النظر بها إلى الكفيف أو صاحب الهمة، أو تيقن البعض أن أن إعاقة الكفيف أو صاحب الهمة تركت لديه أثر سلبي في نفسه، أو أن المعاق أو الكفيف لا يهتم بمظهره ولا طريقة تعامل مع الآخرين، وآخيرًا أتمنى أن تتبني جامعة الأزهر المتميزين من الذوي الهمم ودعمهم لتكميل مسيرتهم.

رئيس جامعة الأزهر: بدأنا بتطبيق الاختبار الإلكتروني للطلاب المكفوفين

من جانبه أوضح الدكتور محمد المحرصاوي رئيس جامعة الأزهر، أن الجامعة قامت بوضع استراتيجية دمج وتمكين للطلاب المكفوفين والتي تُعد الأولى في جامعات الجمهورية، ففي غير الأزهر الطلاب المكفوفين أو ذوي الهمم حينما يتم وضعهم في مدارس خاصة بهم ثم يندمجوا في مرحلة التعليم الجامعي مع غيرهم تحدث مشكلات في التعامل، وهذا لا يحدث في الجامعة لأن الطلاب إعتادوا على التعامل مع بعضهم البعض منذ التعليم الإبتدائي ويتم وضعهم في لجنة اختبار واحدة ويتم إختبار مب نفس ورقة الأسئلة، لدرجة أن الطلاب الكفيف يقول لصديقه أنا مشفتكش امبارح مع كونه فاقد لنعمة البصر إلا أن الإندماج بين الطلاب لم يجعل أي فجوة بين الطلاب في التعامل.

وأضاف المحرصاوي في تصريحات خاصة لـ «أهل مصر» أنه يوجد حوالي 700 من ذوي الهمم لفاقدي نعمة البصر من الطلاب والطالبات وأعضاء هيئة التدريس، من أصل حوالي 1000 حالة ما بين إعاقة بصرية وحركية، مشيرًا إلى أن الجامعة وفرت حتى هذه اللحظة 14 معمل لتدريب المكفوفين على التعامل مع الحاسب الآلي والتكنولوجيا الحديثة، بجميع الفروع للجامعة، وتم تدريب أكثر من 200 طالب على كيفية التعامل مع الحاسب الآلي ودخل ما يقرب من 90 طالب الإمتحان إلكترونيًا، لافتًا إلى أن الإمتحان الإلكتروني اختياريًا للطلاب، وبعد إتمام التدريب لكافة الطلاب سيتم تحول جميع إختباراتهم إلكترونيًا بشكل إجباري.

الدكتور محمد المحرصاوى رئيس جامعة الأزهر

وعن المعوقات التي تعترض بعض الطلاب المكفوفين، أوضح رئيس جامعة الأزهر أنه تم التعامل معها وتمثلت معظم هذه المشكلات في المرافق الذي يكون مع 'المكفوف' في لجنة الإمتحان والذي يخضع للشروط الموضوع والتي تتمثل في حصولة على الإعدادية أو دبلوم صنايع وقد يكتب كلمة عن طريق الخط والمصحح يحاسب الطالب عن المكتوب، بالإضافة إلى منع كتابة كلمة 'كفيف' على ورقة الإجابة، وفي هذه الحالة يستوي الطالب المبصر مع الكفيف لدى المصحح لأنه لا يدري بإعاقته، مشيرًا إلى أن الجامعة شرعت في تعديل القوانين حيث تم تعديل القانون لإتاحة الفرصة لخوض الطالب الإمتحان إلكترونيًا حتى يتخلى عن المرافق، إضافة إلى إجبار الطالب كتابة كلمة 'كفيف' على ورقة الإجابة وذلك من أجل مراعاة المصححين لذلك، كما وفرت الجامعة العديد من المدربين لتدريب الطلاب على التعامل مع الحاسب الآلي وبرامجه المختلفة، إضافة إلى تعاون الجامعة مع قطاع المعاهد الأزهرية بتطبيق بعض البرامج التي تأهل الطلاب في مرحلة تعليمهم ما قبل الجامعي، حتى لا يكون هناك تعارض بين البرامج التي يدرسها الطلاب قبل الجامعة وبعدها.

وأضاف الدكتور المحرصاوي إلى أن مناداة الطلاب بتوفير الكتب الدراسية على طريقة 'برايل'، لا يمكن تنفيذها لأن حقوق الملكية الفكرية والنشر تحول بين تطبيق ذلك، إلا في حالة تنازل الأستاذ عن ذلك الحق، مشيرًا إلى أن الكتب في المعاهد الأزهرية ملك للأزهر، أما في الجامعة الكتاب ملك للأستاذ.

'نقلًا عن العدد الورقي'

WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً