إدلب، المدينة التي يقطنها قرابة الـ 3 ملايين نسمة، والتي تعتبر الطرف المعقد من معادلة الصراع في سوريا، الآن ومع تقدمه بوتيرة ثابتة، أصبح الجيش السوري قاب قوسين أو أدنى من تحريرها من قبضة المسلحين المدعومين من تركيا، لكن رأس النظام في تلك الأخيرة يحاول أن يكون له دور في رسم مستقبل البلد العربي، تلك النية الأردوغانية المبيتة ظهرت جليا في تصريح الرئيس التركي عندما هدد بالمواجهة العسكرية مع الجيش السوري حال عدم انسحابه من إدلب وحلب بنهاية هذا الشهر، ولكن هل يجرؤ أردوغان فعلا على الدخول في مواجهة مباشرة مع الجيش السوري خاصة مع "طمأنة" أمريكا وبعض دول الناتو له، أم أنه سيخشى على علاقاته مع روسيا التي تورّده صفقة صواريخ دفاع جوي، وكذلك من تدفق مدني إدلب إلى بلاده، بحسب زعمه؟.
مختار محمد غباشي، نائب رئيس المركز العربي للدراسات السياسية والاستراتيجية، يقول: "هناك بالفعل حالة احتكاك بين قوات أردوغان والجيش السوري؛ وذلك عندما قُتل بعض الجنود الأتراك المتمركزين بنقاط المراقبة في إدلب، وما أعقب ذلك من رد من جانب أردوغان بتوجيه ضربات لبعض مواقع الجيش"، إلا أنه استبعد احتمالية دخول الطرفين في مواجهة مباشرة مفتوحة.
وعلّل "غباشي" ذلك بحقيقة وجود روسيا طرفا في هذا الصراع، وقال إن "موسكو لن تسمح بالمواجهة المباشرة بين دمشق وأنقرة؛ لأن هذه المسألة ستكون محرجة للطرف الروسي".
واعتبر نائب رئيس المركز العربي للدراسات السياسية والاستراتيجية، أن "تصريحات الرئيس التركي التهديدية جدية إلى حد كبير جدا، وأن التطورات على الأرض أثبتت أن مسألة إدلب مسألة مهمة بالنسبة له"، لافتا إلى تصريحات سابقة للرئيس التركي حول عدم تحمّل بلاده موجات نزوح جديدة للمدنيين، في إشارة إلى إحدى الأوراق التي دائما ما يوظفها "أردوغان" في سياق التبرير لتحركاته في سوريا.
وبتقدمه المتواصل، أطبق الجيش السوري الحصار على معظم نقاط المراقبة التركية في إدلب، وعددها 13 نقطة، وهو ما دفع أردوغان إلى إرسال تعزيزات عسكرية من قوات وعشرات الآليات بمختلف أنواعها إلى تلك النقاط، وهو ما يصعّد التوتر أكثر.
وحول ما إذا كان "أردوغان" قد يتراجع بعض الشيء عن الاصطدام بقوات الجيش خشية تدفق مزيد من المدنيين، قال "غباشي" إنه "لن يتراجع، لكن الحديث يدور حول إمكانية أن تكون هناك اتفاقات أو توافقات بين هذه الأطراف داخل إدلب أم لا".
موسكو- التي رعت مع أنقرة محادثات سورية سورية بالعاصمة الكازاخستانية "أستانا" في 2017، أعقبه حوار آخر حمل اسم "مؤتمر سوتشي" لبحث سبل التوصل لحل سياسي للحرب الأهلية السورية- تدفع تركيا باتجاه الالتزام بالتفاهمات حول إدلب.
وفي إشارة إلى تلك التفاهمات، تساءل نائب رئيس المركز العربي للدراسات السياسية والاستراتيجية: "هل يُعوّل على الاتفاقات الروسية التركية مستقبلا أم لا؟، وهل ستعاد رسم خريطة إدلب من جديد في ظل التطورات العسكرية الجارية أم لا؟".
و بشأن فرص إعادة إدلب وحلب إلى سيطرة الدولة السورية مجددا بجهود الجيش، قال "غباشي" إن "الجيش السوري يدرك أن إدلب طرف معقد من معادلة الصراع الموجود داخل الساحة السورية، وأن السيطرة على هذه المدينة بالكامل ينهي 80 % أو أكثر من شكل الصراع القائم في سوريا بالمجمل"، موضحا أنه ولهذا السبب "فلن يتراجع الجيش، ولكن قد تكون هناك تفاهمات مستقبلية بين تركيا وروسيا وبمشاركة ضمنية من سوريا".