يقول المولى عز وجل في كتابه العزيز : ﴿ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ انتَهُوا خَيْراً لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً ﴾ ، وفي هذه الآية حث الإسلام على الوسطية وانتقد الغلو ونهى عنه في كثير من مواضع القرآن الكريم، و يمكن أن نستدل من خلال ما جاء من مفهوم الغلو في القرآن والسنه النبوية أن هذا المفهوم كان له امتدادات بتاريخ البشر، واستطاع أن يتغلغل في الأمم المُنتمية إلى الرسالات السماوية ليحرفها عن مسارها السماوي لذا أكد القرآن والسنة الحذر من أن يسري في الأمة الإسلامية. وبيَّن القرآن وكذلك السُنَّة أن الاختلاط الحضاري والفكري بين الأمة الإسلامية مع غيرها من الأمم وخصوصًا أهل الكتاب ينبغي ألا يؤدي إلى التلاقح العكسي بما يحرف الأمه الإسلامية ويجعلها في خط موازٍ لأهل الكتاب، قال رسول الله(صلى الله عليه وآله) :(لتتبعن سُنَنَ من كان قبلكم حذو القِذَّةِ بالقِذَّة حتى لو دخلوا جحر ضب خرب لدخلتموه) وفي التعريف اللغوي فإن الغلو لغة: هو مجاوزة الحد، ومنه غلا السعر، وغلا القدر ، الارتفاع ومجاوَزة القدرِ فـي كلِّ شيء، وغلا فـي الدِّينِ والأَمْرِ يَغْلُو غُلُوّا ً: جاوَزَ حَدَّه.
وفـي التنزيل:( لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ ) ، وفي الحديث: «إياكم والغلو في الدين» أي التشدد فيه والتخطي للحد. ومنه الحديث: «وحامل القرآن غير الغالي فيه ولا الجافي عنه» وفي هذه الآية الكريمة يخاطب الله تبارك وتعالى أهل الكتاب حيث يوضح أنه قد أنزل كتابه الكريم على الرسل والأنبياء لكن بدون غلو في دين الله حيث تارة نكذب في ديننا وتارة أخرى نبالغ ولكن يسأل الله أهل الكتاب الاعتدال ويأمرهم بعدم الغلو في الدين، وهنا يستوضح الغلو بأنه التخطي للحدود المتوسطة أو المعتدلة للوصول إلى الحدود المبالغ فيها ويصبح إفراط في الدين وتطبيقه، وهو ما وصل إليه حال المسلمين ألا وهو حد الإفراط والخروج عن الاعتدال والوسطية، على الرغم من أن ديننا الحنيف هو دين الاعتدال والوسطية.