يقول الله - سبحانه وتعالى - في قرآنه الكريم : وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَٰؤُلَاءِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ. . فآدم هذا من خلق الله - سبحانه وتعالى - لم يخلقه طفلا له أب وأم، وينمو، كما هو الحال في المخلوقات البشرية التي نمت من سلالة آدم، ولكنه خلقه رجلا كامل الرجولة رجلا لم يكن طفلا في حياته في يوم من الأيام، ووجد آدم نفسه مخلوقا من الله - سبحانه وتعالى - رجلا كامل النمو، تسجد له الملائكة وقال لنا القرآن إن آدم خلق من تراب، ومن هنا فإن آدم في خلقه هذا لم يكن رجلا له ماض معروف، بل لم يكن رجلا بلا ماض، دخل إلى الوجود بقدرة الله. ثم قال الله - سبحانه وتعالى -: ( وعلم آدم الأسماء كلها ) هنا قول الله - سبحانه وتعالی - هو منشأ العلم البشري، فالله - سبحانه وتعالى - في هذه الآية أخبرنا أن العلم البشري، أو العلم الذي أعطيته لكم أيها البشر، يجب أن يبدأ بالطريقة التي وضعها الله - سبحانه وتعالى - وهي تعليم الأسماء، وإنني لكي يبدا العقل البشري الذي وضعته في آدم الحصول علي المعرفة، يجب أن يتعلم أولا الأسماء
نأخذ نحن هذه القصة، ثم نسأل أنفسنا: إن الله - سبحانه وتعالى - قال: إن منشأ العلم الأسماء. أي أن أي إنسان لا يستطيع أن يبدأ التعلم إلا إذا عرف معانی الأسماء تماما كما علم الله آدم مبتدئا بالأسماء، نجد أننا ۔ بعد مرور أربعة عشر قرنا، ورغم تطور كل وسائل الدنيا - عاجزون عن أن نغير هذه الحقيقة التي أعلنها الله في القرآن، فنحن حين يبدأ العقل البشري خطواته الأولى في طريق العلم، يجب أن يبدأها بتعلم الأسماء مهما اختلفت طرق التعليم وفلسفاته في العالم اجمع، فنحن نأتي إلى الطفل الصغير ونقول له: هذا کوب، وهذا سلم، وهذا طبق وهذه سيارة، وهذا أسد، وهذا فيل، وهذه سماء، وهذه أرض، ثم بعد أن نعلمه الأسماء يستطيع هو أن ينطلق في العلم كما يشاء، ولكننا لا نستطيع - ولن نستطيع - أن نعلم الطفل شيئا قبل أن نعلمه الأسماء، لا نستطيع أن نبدأ بتعليمه أبية معلومات لا تدخل إلى عقله إلا إذا تعلم معاني الأسماء، بل إن الطفل يظل لفترة طويلة في حياته بالفطرة بتعلم الأسماء، فإذا خرج طفل مع أمه في نزهة فإنه بسألها عن اسم هذا، واسم هذا، واسم هذا، وإذا جلس في البيت فإنه يحاول أن يسأل عن أسماء أي شئ غريب يقع عليه نظره، وكلمة (ما هذا) التي يقولها الطفل لأبيه وأمه هي أكثر الكلمات ترددا في سني حياته الأولى بالفطرة، لماذا؟ لأن هذا هو منشأ العلم، مدخل العلم الذي وضعه الله - سبحانه وتعالى - للعقل البشري، فإذا كنا بعد أربعة عشر قرنا، لم نستطع أن نجعل الإنسان يتعلم شيئا إلا إذا علمناه الأسماء أولا، والأسماء هذه هي ما علمها الله لآدم، انطلاقا للعقل البشري، المدخل إلى العلم والمعرفة، فإذا كان المدخل من الله، فهل يكون العلم البشري من غير الله؟