بفعل فاعل.. حريقا مصر 2016 والقاهرة 1952.. تشابه المقدمات واختلاف النتائج

صورة تعبيرية

بفعل فاعل حرق كل هذا المبنى، وانهار على كل من فيه، وبضمنهم الأطفال طبعا، لم يتسنى لهم الوقت على الأرجح ليصرخون لتوديع ذويهم أو مستغيثين، وإن تبدو نظرات الاتهام في جحوظ عينيهم لا تزال أقسى من أن يملك الأحياء دفاعًا عن أنفسهم أمامها.

ما اسمهم وكم يبلغ عمرهم القصير ساعة الموت وأين أمهم وإخوتهم، هي أسئلة عبثية، تفيض ربما عن فضول العالم طالما أنهم ليسوا من أطفال ما تسمى "الصفوة".

هم مجرد رقم سيضاف إلى حاصل جمع آلاف من الأطفال الذين يموتون كل يوم في البلاد، دون أن يحرك ذلك ساكنًا، الحادث هنا ليس حادثًا عادياً بل هو ربما يكون ظاهرة غير مفهومة المعالم، حرائق تلتهم العديد من المحال التجارية والمنازل، والمفارقة في الموضوع أنها لم تقتصر على جهة أو منطقة بعينها بل تعدتها إلى مناطق عدة، ناهيك عن إمتدادها إلى عدد من المحافظات بالتزامن مع بعضها بعضاً دون معرفة الجاني أو الفاعل.

ثلاثة وعشرون حريقاً خلال الفترة القليلة الماضية كان آخرها الحريق الذي وقع في سوهاج حيث اندلعت النيران في اثني عشر منزلاً في ناحية قرية فزراة دائرة مركز المراغة.

حريق العتبة

وكان حريق العتبة أول وأشد الحرائق التي وقعت مؤخراً، حيث أدى الحريق الذي عرف إعلامياً بـ"حريق الرويعي" إلى حرق 238 محلًا، و150 فرشة، و70 مخزن بويات، و6 عمارات، وقدرت الخسائر المادية بـ 6 مليارات جنيه.

"حريق الغورية".. آخر حرائق القاهرة 2016

أما آخر الحرائق التي طالت القاهرة فقد كانت تلك التي إندلعت في الغورية بمنطقة الأزهر، حيث نشبت في 10 محلات للأقمشة والستائر، إضافة إلى 10 "فترينات" أقمشة وعبايات بجوار المحال.

حرائق عدة والجاني مجهول الاسم لا يعرف أحد كنته، وكأن التاريخ يعيد نفسه ويذكرنا بما حدث من حريق للقاهرة فيما عرف من عقود خلت بـ "حريق القاهرة"، حيث اشتعلت عاصمة المعز، دون معرفة من الفاعل حتى وقتنا هذا.

الواقعة تقول إنه منذ أكثر من أربعة وستين عامًا استيقظت مصر على حريق التهم غالبية معالمها في السادس والعشرين من يناير 1952.

أسباب حريق القاهرة الذي وقع في خمسينيات القرن المنصرم، تعددت الروايات حولها، ومن المتسبب فيه، ومدى الخسائر التي خلفها، فالحريق لم يأت فجأة بل كانت له مقدمات أدت إليه.

الشرارة الأولى للحريق بدأت من ميدان الأوبرا باشعال النيران في كازينو أوبرا، ثم امتد الحريق إلى فندق شبرد ونادي السيارات وبنك بركليز، إضافة إلى عدد البنوك ودور السينما والفنادق والمتاجر والشركات، والملاحظ أن الحريق كانت بؤرة تركيزه على الملاهى الليلية والأماكن التي ارتبطت بارتياد الملك فاروق لها، إضافة إلى المؤسسات التي تمثل المصالح البريطانية في مصر، كما طالت الحرائق أحياء القلعة والفجالة والظاهر وميداني التحرير ومحطة مصر.

الحرائق وبشكل طبيعي أدت إلى سيادة أعمال الفوضى والسلب والنهب حتى نزلت فرق الجيش إلى الشوارع، فكانت نتائجه عودة الهدوء مرة أخرى إلى القاهرة، ثم أعلنت الحكومة الأحكام العرفية، دون إلقاء القبض على أى شخص فى هذا اليوم.

خسائر الحريق

حريق القاهرة 1952 التهم العديد من المنشآت خلال ساعات قليلة، حيث بلغت نحو 700 فندق ومحل وسينما وكازينو في وسط العاصمة، إضافة إلى مقتل 26 شخصًا جراء الحوادث التي تزامنت مع الحرائق، بينما بلغ عدد المصابين بالحروق والكسور 552 شخصًا، ناهيك عن تشريد الآلاف من العاملين في المنشآت التى احترقت.

حريق القاهرة 1952 كانت من نتائجه المباشرة تعيين مصطفى النحاس حاكمًا عسكريًا عامًا في الليلة نفسها، فقام بإصدار قرارًا بمنع التجول في القاهرة والجيزة من السادسة مساءً حتى السادسة صباحًا، وأمرًا عسكريًا بمنع التجمهر، واعتبار كل تجمع مؤلف من 5 أشخاص أو أكثر مهددًا للسلم والنظام العام يعاقب من يشترك فيه بالحبس.

من حرق القاهرة 1952؟

مصادر رسمية وشهود عيان أكدوا أن الحادث كان مدبرًا وأن المجموعات التي قامت بتنفيذه كانت على مستوى عالٍ من التدريب، فقد أشارت الدلائل إلى أنهم كانوا على معرفة جيدة بالوسائل الأسرع إشعالًا للحرائق، إضافة إلى ثبوت إمتلاكهم أدواتًا لفتح الأبواب المغلقة ومواقد لصهر الحواجز الصلبة على النوافذ والأبواب، هذا ناهيك عن استخدامهم نحو 30 سيارة لتنفيذ عملياتهم في وقت متزامن وصف بالقياسي .

مؤرخون ومحللون كثر اختلفوا حول ماهية الشخص أو الجهة التي تقف وراء حريق القاهرة 1952، حيث أكد البعض أن الملك فاروق هو الجاني لرغبته في التخلص من وزارة النحاس باشا، فيما يرى آخرون أن الإنجليز هم الفاعل للغرض نفسه وهو التخلص من الوزارة المصرية التي ساءت علاقتها بها بعد إلغاء معاهدة 1936م، ولكن لم تظهر حتى الآن أدلة أكيدة تدل على الفاعل، في حين فتحت ثورة 52 تحقيقا موسعاً للوقوف على ملابسات الحادث، لكنها لم تتوصل هي أيضاً للفاعل الحقيقي، لذلك سيبقى حريق القاهرة لغزًا محيراً دون حل يشفي القلوب، فعلى الرغم من مرور أكثر من نصف قرن من الزمان مازال الفاعل مجهولًا، فهل يكون مصير حرائق القاهرة 2016 بل ربما مصر على إمتداد أراضيها، نفس المصير المشهود لحريق القاهرة 1952 دون تحديد هوية الفاعل أو معرفة من حرق مصر، ليكون الحادث في طي النسيان كسالفه، لينضم إلى حاصل جمع مثل هذه الحوداث في البلاد.

إقرأ أيضاً
WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً