علق الكاتب حسن إسميك، على حالة الجدل التي أثارتها مجلة ذا أتلانتيك الأمريكية؛ بعد حوارها مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في 3 مارس 2022، ثم نشرت الواشنطن بوست عبر الكاتب كارين عطية في 6 مارس تحت عنوان: "تلميع مجلة الأتلانتيك لمحمد بن سلمان إهانة للصحافة"، ثم نشر الصحفي غرايمي وود في 7 مارس على الأتلانتيك أيضا مقالا، تحت عنوان مطوّل: "بالطبع يجب على الصحفيين مقابلة المستبدين – أي شخص يخبرك بخلاف ذلك لا يفهم الغرض من الصحافة".
وأكد إسميك، أن هناك ثمة فجوة كبيرة ما زال من الصعب ردمها، بين ما يُنشر أحياناً في وسائل الإعلام الغربية وبين الحقيقة التي تدعي هذه الوسائل البحث عنها وتقديمها؛ ويا لها من مفارقة أن نظلم الصحافة العربية ونتهمها بالتردي وأنها أداة تعكس التطلعات السياسية للحكام العرب، بينما الصحافة الغربية مصابة أيضا بلوثة طغيان الموقف السياسي والأجندات الخاصة التي تسيء للحقيقة ولحرية الكلمة في بعض الأحيان.
أضاف إسميك، أن الحديث الذي أدلى به الأمير محمد بن سلمان لصحيفة الأتلانتيك، والذي عليه يدور الجدل الإعلامي القائم في أمريكا اليوم، أهم من أن يُختصر أثره ومضامينه في هذا الجدل الدائر بسببه بين كل من غرايم وود (ممثل الأتلانتيك في الحوار مع ولي العهد) وكارين عطية وآخرين، وأدعو العرب عموماً والشعب السعودي المعني بالأمر خصوصاً، أن يولوا كلام ولي العهد العناية والاهتمام اللذين يستحقهما، وألا يلتفتوا لكل ما تحاول الصحافة الغربية ترويجه بتكريس حالة من الجدل والتنازع في الآراء. وسيبقى الصحيح أن "أهل مكة أدرى بشعابها"، وأن السعوديين والعرب مدركون تماماً لأهمية ما جاء في كلام ولي العهد من أفكار وتوضيحات واستراتيجيات.
وأوضح إسميك أن أهداف الإعلام الغربي من تناولها فلا تخدم سوى مصالح الداخل لدى الغرب، مثله في ذلك مثل أغلب سياساتهم الخارجية، متابعا:"ومع أني لست أنكر أهمية منظومة القيم الديموقراطية والليبرالية الغربية، ولا أتحرج من التعبير عن الإعجاب بها في ما أكتبه، وعن تثمين نجاحها في بناء الدول والمجتمعات لديهم، إلا أنني متمسك أيضاً بموقف نقدي رافض لأحكام الغربيين ومعاييرهم في التعاطي معنا، عرباً ومسلمين، من خارج هذه المنظومة، وخاصة في إصرارهم على أن ما يصلح لهم يصلح لغيرهم، وأن ما لا يتفق مع أهوائهم لا يستحق اهتمامهم واعترافهم".
وذكر إسميك، أن حديث ولي العهد الأمير محمد بن سلمان لصحيفة أتلانتيك الأمريكية (نشرت وكالة الأنباء السعودية النسخة العربية منه وسيُنشر النص الأصلي مطلع أبريل/ نيسان القادم) استطاع أن يستقطب إليه انتباه المتابعين والمحللين، والسياسيين أيضاً، لما اشتمل عليه من نقاط تطرق لها الأمير الشاب، وتصريحات ستمثل بوصلة مهمة للشأن الداخلي السعودي، ولعلاقات الرياض الإقليمية والدولية على صُعُد متعددة: التغيير الداخلي، والسياسية الخارجية، والأبعاد الاقتصادية والأمنية في المنطقة.
وأكد أن حديث بن سلمان، كان كما يبدو – حواراً مفتوحا لم يُطلِع فيه المُحاور (غرايم وود) مستضيفه على الأسئلة مسبقاً، ولم يكن لدى الأمير أية نقاط محددة تم الإعداد لها من قبل. كانت بعض الأسئلة واضحة، بل ومستفزة أحياناً، وبعضها الآخر غامض وغير متوقع، بالإضافة لمجموعة أخرى من الأسئلة التي فرضتها شجون الحديث وتشعباته أو التي استنتجها صحفي الأتلانتيك من الحديث مع الأمير أو أراد إقحامها فيه.
ونوه بأنه كان على رأس هذه الموضوعات: الإصلاح في السعودية بمستوياته المتعددة، ومكافحة الفساد، والتطوير الاجتماعي، والإصلاح الديني والعودة للإسلام السمح؛ بالإضافة إلى الاقتصاد السعودي الجديد وهويته المحلية؛ وعلاقات السعودية الدولية مع الدول والقوى إقليماً وعالمياً؛ وبالطبع احتل مشروع "رؤية 2030" حصة وازنة من حديث الأمير، بعدما أصبحت هذه الرؤية بمثابة وثيقة العقد الاجتماعي الجديد الذي يتطلع السعوديون من خلاله إلى المستقبل الذي يطمحون إلى بناء قواعده على أسس الأصالة والقيم الوطنية، ثم الارتقاء منها إلى قلب الحداثة والمعاصرة.
استطرد أن الأمير محمد بن سلمان، بدا حاسماً وواضحاً في التأكيد على أن مشروع "رؤية 2030" "لن يفشل أبداً، ولا يوجد شخص على هذا الكوكب يمتلك القوة لإفشاله".
وفي ربيع عام 2016 أعلن ولي العهد السعودي عن إطلاق هذا المشروع الضخم، الهادف إلى تخفيض اعتماد المملكة على النفط، والذي يشترط بداية تنويع مصادر الاقتصاد السعودي بإضافة قطاعات فاعلة ومنتجة إليه، ليس آخرها بناء السياحة والترفيه، وتأسيس المدن "المستقبلية" الذكية.
وأكد إسميك، أن هذا المشروع، منذ أن طُرح للمرة الأولى، واجهه الكثير من الجدل، والكثير من التشكيك المدفوع أحياناً بسوء النيّة! أو ربما بسوء التقدير عندما ظنّه البعض خيالياً وغير قابل للتحقق في ظلِّ واقع المملكة وإرثها التاريخي المعقّد والكبير، دون أن يدركوا أن هذا الواقع نفسه هو ما يمنح السعودية مجموعة ثرّة ومميزة من نقاط القوة التي لا تتوفر لغيرها من الدول، إذ تمثل هذه النقاط بالتحديد مصادر الفلسفة التي استندت إليها "رؤية 2030" وانطلقت منها، والتي يأتي على رأسها الموقع الاستراتيجي للمملكة، وعمقها العربي، ومكانتها الدينية العالمية، وغناها الاجتماعي والثقافي، وبالطبع قوتها الاقتصادية.. وغيرها.
والمح إسميك، أن الرؤية السعودية أوجزت هذه النقاط بثلاث ركائز هي: مجتمع حيوي، واقتصاد مزدهر، ووطن طموح، مبينا أنه بالنسبة للرجل الثاني في المملكة، ولشابٍّ في مجتمع تبلغ نسبة مواطنيه ممن لم يتجاوزوا الأربعين عاماً قرابة 70%، كان لا بد أن تتسم الرؤية التي تبناها، كخطة إصلاحية وتنموية للدولة العربية الأكبر آسيوياً، بالشمولية التي باتت الشرط اللازم والضروري لإدارة الدولة الحديثة، فدولة اليوم ليست مجرد سلطة أو قوة محضة أو وفرة في الثروات والإنتاج، بل هي كل هذه العناصر مجتمعة ومترابطة بين بعضها البعض في الفضاءات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية التي يحقق فيها المواطنون إرادتهم العامة التي يكفلها ويصونها لهم وجود الدولة.
الاقتصاد في رؤية 2030
وشدد الكاتب حسن إسميك، على أن النمو الاقتصادي المنافس يمثل هدفاً محورياً ضامناً لمشروعية الأهداف الأخرى وتحقُّقِها، لذلك كان الهدف المركزي لـ "رؤية 2030" تغيير البنية الكلاسيكية للاقتصاد السعودي، عبر السعي بخطوات حثيثة نحو تقليص نسبة الصادرات السعودية من النفط إلى 50%، والتي لن تتحقق إلا برفع حجم الصادرات غير النفطية إلى النسبة ذاتها. وتدرك القيادة السعودية اليوم أن الآثار المترتبة على تحقيق هذا الأمر لا تقف عند حدود إنماء الناتج المحلي فحسب، بل سينعكس بشكل واضح على تقليص نسبة البطالة، ورفع ترتيب المملكة في مؤشر الخدمات اللوجستية من المركز 49 إلى 25 عالمياً، والأول إقليمياً. كما سيسهم ذلك أيضاً -حسب ما تعد به الرؤية- بإحداث نقلة نوعية في طريقة إدارة الدولة للاحتياطات الأجنبية وتوظيفها في زيادة العوائد منها.
وأشار إلى أن تقليص اعتمادية المملكة على النفط، سيمثل ثورة تجديد وتغيير اقتصادي طال انتظارها والحديث عنها خلال العقود الثلاثة الماضية.
تابع: هدفت "رؤية 2030" من الناحية الاقتصادية أيضاً إلى توسيع الوصول إلى الرهون العقارية بالتزامن مع تطوير قطاع خدمات مالية يسهل الوصول إليه والاستفادة منه، وذلك عبر تشجيع المواطنين على الاستثمار داخلياً، وزيادة عدد الشركات المدرجة في البورصة المحلية. وكما كان متوقعا، لم يضيّع السعوديون هذه الفرصة، فقد باعت بنوك المملكة رقماً قياسياً من الرهون العقارية الجديدة بلغ 46.7 مليار ريال في الربع الأول من 2021، وتتوقع وكالة التصنيف الائتماني الأمريكية S&P Global Ratings أن يرتفع سوق الرهن العقاري السعودي بنسبة 30% سنوياً خلال العامين المقبلين.
في جانب آخر، واستكمالاً لهذه الاستراتيجيات الاقتصادية الجديدة، قال إسميك، إنه كان لا بد من الشروع في تحويل مفهوم الدولة من كونها الراعية والمتدخلة اقتصادياً إلى تثبيت دورها كحارسة وضابطة، والذي يستوجب مستقبلاً تقليص القطاعات العامة المعنية بالشق الخدمي، ومن المتوقع أن يبدأ هذا التقليص من قطاع الطاقة، عبر خصخصة شركة الكهرباء الوطنية السعودية، والتوجه نحو توليد ما لا يقل عن 30% من إمدادات الطاقة المحلية للبلاد من الطاقة الشمسية والمتجددة. تحولٌ إذا ما تم سيرفع عدد منتجي الطاقة المستقلين وسيخلق سوقاً أكثر تنافسية لأنواع مختلفة من الطاقة المتجددة. ورغم أن هذه النقلة، بحسب ما تشير إليه تقارير ودراسات صحفية، ستكون مؤلمة في البداية للسعوديين الذين اعتادوا على أسعار الطاقة المنخفضة، إلا أنها ستساعد على تحقيق هدف 2060 من الانبعاثات الصافية الصفرية.