أسفرت عملية عسكرية إسرائيلية في الضفّة الغربية المحتلّة، الخميس، عن استشهاد 10 فلسطينيين، في تصعيد قرّرت السلطة الفلسطينية على أثره وقف التنسيق الأمني مع دولة الاحتلال العبرية التي قالت من جهتها إنّ قواتها تبادلت إطلاق النار مع "مطلوبين بعمليات إرهابية".
وذكرت وزارة الصحة الفلسطينية أنّ تسعة ممن استشهدوا سقطوا، خلال العملية العسكرية الإسرائيلية في مخيّم جنين للاجئين الفلسطينيين، في حين سقط القتيل العاشر في بلدة الرام قرب القدس برصاص الجيش الإسرائيلي، خلال مواجهات دارت أثناء احتجاجات على العملية العسكرية في جنين.
بيان وزارة الصحة الفلسطينية
وبالقرب من مدينة البيرة في وسط الضفة الغربية أصيب فلسطينيان بجروح خطرة خلال احتجاجات مماثلة، وفق الوزارة.
وقالت الوزارة في بيان: "سقط تسعة شهداء، بينهم سيدة مسنّة، إضافة إلى أكثر من 20 مصاباً، بينهم 4 إصابات بحالات خطيرة، في جنين".
في المقابل، قال الجيش الإسرائيلي، إنّه نفّذ صباح الخميس "عملية في مخيم جنين ضد نشطاء من الجهاد الاسلامي".
وأضاف في بيان أنّه "أثناء محاولة اعتقال مطلوبين يشتبه بتورطهم مؤخراً في عمليات إرهابية واسعة النطاق.... قُتل عدد منهم في تبادل لإطلاق النار مع قواتنا".
وبحسب البيان فإنّ ثلاثة فلسطينيين قتلوا في تبادل لإطلاق النار مع الجيش الإسرائيلي فيما أطلقت القوات الإسرائيلية النار على آخرَين "كانا يفرّان من المكان"، إضافة إلى مشتبه به سادس داخل مبنى وفلسطينيين آخرين.
وأكّد الجيش في بيانه أنّ العملية لم تسفر عن خسائر في صفوف قواته.
اقتحام مستشفى جنين الحكومي
من ناحيتها، قالت وزيرة الصحّة الفلسطينية مي الكيلة إنّ "قوات الاحتلال اقتحمت مستشفى جنين الحكومي، وأطلقت بشكلٍ متعمد قنابل الغاز المسيل للدموع تجاه قسم الأطفال في المستشفى، ما أدى لإصابة أطفال مرضى وذويهم وطواقم طبية بحالات اختناق".
لكنّ الجيش الإسرائيلي نفى هذه الاتّهامات، مؤكّداً أن الاشتباك "لم يكن بعيدًا عن المستشفى ومن المحتمل أن يكون بعض الغاز المسيل للدموع قد دخل من نافذة مفتوحة".
وكانت الوزيرة وصفت الوضع في المخيّم بأنه "حرج" واتّهمت القوات الإسرائيلية "بمنع إسعاف المصابين".
وقال وسام بكر، مدير مستشفى جنين الحكومي لوكالة فرانس برس: "إن وضع المستشفى كان سيئا هذا الصباح، الاشتباكات كانت قريبة منا وجيش الاحتلال لم يراع حرمة المستشفى وأطلق الغاز المسيل للدموع في محيط المستشفى ووصل الغاز الى قسم الأطفال".
وأضاف "شكل ذلك خطرا على الأطفال فقمنا بنقلهم الى قسم آمن بعيد عن جهة الاشتباكات".
بدوره، قال نائب محافظ مدينة جنين، كمال أبو الرب لفرانس برس: "نعيش حالة حرب حقيقية في جنين ومخيمها، والجيش الاسرائيلي يدمر كل شيء ويطلق النار على كل شيء يتحرك".
وبحسب أبو الرب، فإنّ العملية الاسرائيلية بدأت عند الساعة السابعة صباحا" وهي "الأسوأ منذ الاجتياح الذي نفذه الجيش في العام 2002".
وبعيد منتصف ليل الخميس الجمعة (22,00 بتوقيت غرينتش) أطلق مقذوفان من قطاع غزة باتجاه الأراضي الإسرائيلية حسب شهود ومصادر أمنية محلية.
ولم تتبن أي جهة على الفور إطلاق المقذوفين، وقال الجيش الإسرائيلي إن نظام القبة الحديد اعترض "قذيفتين صاروخيتين أطلقهما مخربون في قطاع غزة نحو جنوب إسرائيل".
وفي وقت سابق من النهار، انطلق موكب ضخم من أمام مستشفى جنين الحكومي لتشييع القتلى التسعة الذين لفت جثامينهم بالأعلام الفلسطينية في مسيرة جابت شوارع المدينة شارك فيها آلاف الفلسطينيين في جنين، فيما نفذ إضراب شامل حدادا.
وأعلن الرئيس الفلسطيني محمود عباس الخميس "الحداد وتنكيس الأعلام ثلاثة أيام، على أرواح شهداء المجزرة التي ارتكبها الاحتلال الإسرائيلي بحق أبناء شعبنا في جنين ومخيمها".
وبذلك يرتفع إلى 30 عدد الفلسطينيين بين مدنيين وأعضاء في تنظيمات مسلّحة الذين استشهدوا منذ بداية السنة برصاص إسرائيلي، في الضفة الغربية التي تحتلها إسرائيل منذ العام 1967.
عام 2022 سقوط أكبر عدد من الشهداء منذ الانتفاضة الثانية
وشهد العام 2022 سقوط أكبر عدد من الشهداء في الضفة الغربية منذ نهاية الانتفاضة الثانية (2000-2005)، حسب الأمم المتحدة.
ومن بين القتلى ماجدة عبيد (61 عاما) التي أصيبت برصاصة في الرقبة وهي داخل غرفتها وسط المخيم، ولاحظ مراسل فرانس برس دماء وسط الغرفة.
وقالت ابنتها كفاية (26 عاما) لفرانس برس إن والدتها اصيبت عندما كانت تحاول مشاهدة ما يجري خارج المنزل بعد سماعها صوت الرصاص.
وأضافت "حاولت أمي أن تمنعنا من الوقوف عند النافذة، لكنها أصيبت برصاصة في الرقبة".
ومن بين القتلى شقيقان يلاحقهما الجيش الإسرائيلي منذ فترة طويلة، اضافة الى شقيقهم الثالث الموجود في العناية المركزة.
وبحسب إحصائية لفرانس برس شهد العام الماضي مقتل 201 فلسطيني على الأقل، بينهم 150 في الضفة الغربية، و26 إسرائيلياً.
في أعقاب هذا التصعيد قرّرت القيادة الفلسطينية وقف التنسيق الأمني مع إسرائيل.
وفي ختام اجتماع طارئ للقيادة الفلسطينية، قال نبيل أبو ردينة، الناطق باسم الرئيس عباس، إنّه "في ضوء العدوان المتكرّر على أبناء شعبنا وضرب الاتفاقيات الموقّعة عرض الحائط، قرّرت القيادة الفلسطينية اعتبار أنّ التنسيق الأمني مع حكومة الاحتلال لم يعد قائماً اعتباراً من الآن".
وبحسب أبو ردينة عقدت القيادة الفلسطينية هذا الاجتماع الطارئ إثر "المجزرة التي ارتكبتها قوات الاحتلال الإسرائيلي صباح اليوم في جنين بحق أبناء شعبنا".
كما قرّرت القيادة الفلسطينية، بحسب أبو ردينة، "التوجّه الفوري لمجلس الأمن الدولي لتنفيذ قرار الحماية الدولية للشعب الفلسطيني، تحت الفصل السابع، ووقف الإجراءات الأحادية".
كما قرّرت "التوجّه بشكل عاجل للمحكمة الجنائية الدولية لإضافة ملف المجزرة التي ارتكبتها قوات الاحتلال الإسرائيلي في جنين الى الملفات التي تم تقديمها سابقاً".
وسارعت الولايات المتّحدة إلى التعبير عن أسفها لقرار السلطة الفلسطينية.
وقالت باربرا ليف، كبيرة الدبلوماسيين الأميركيين لشؤون الشرق الأوسط "واضح أنّنا لا نعتقد أنّ هذه هي الخطوة الصحيحة التي يجب اتّخاذها في هذه اللحظة".
وأضافت "نعتقد أنّ من المهم جداً أن يبقي الطرفان على التنسيق الأمني، وإذا كان هناك من أمر، فيتعيّن تعزيز التنسيق الأمني بينهما".
في الرياض، أعربت الخارجية السعودية في بيان عن "إدانة واستنكار المملكة الشديدين" للعملية العسكرية الإسرائيلية، مؤكّدة "رفض المملكة التامّ لما تقوم به قوات الاحتلال الإسرائيلي من انتهاكات خطيرة للقانون الدولي".
بدورها، قالت الخارجية القطرية إنّ الدوحة "أدانت بأشدّ العبارات العدوان الإسرائيلي الوحشي على مخيم جنين"، محمّلة "سلطات الاحتلال وحدها مسؤولية اتساع دائرة العنف التي ستنتج عن هذا التصعيد الممنهج ضد الشعب الفلسطيني".
في قطاع غزة، قال عضو بارز في حركة الجهاد الاسلامي لفرانس برس طلب عدم نشر اسمه إنّ حركة الجهاد أبلغت مصر بأنّ "تصعيد الاحتلال الاسرائيلي وعدوانه والمجزرة في جنين سيفتح الباب أمام معركة مفتوحة يتحمل الاحتلال مسؤولية تبعاتها".
إضراب عام
دعت فصائل فلسطينية الى إضراب عام الخميس احتجاجا على ما جرى في مخيم جنين، والى تنظيم تظاهرات في انحاء الضفة الغربية، فيما عاد طلاب المدارس الى منازلهم.
وأشاد الناطق باسم حركة الجهاد الإسلامي طارق سلمي "بالوحدة الميدانية التي تشهدها ساحة المواجهة والاشتباك في مخيم جنين"، مؤكدا أن "المقاومة في كل مكان وجاهزة ومستعدة للمواجهة".
واعتبرت حركة حماس التي تسيطر على غزة، أن ما يجري في جنين هو "ملحمة خالدة في محطة تاريخية فاصلة في مواجهة الاحتلال"، وفق المتحدث باسمها حازم قاسم.
من جهته، قال نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس صالح العاروري إن "الاحتلال سيدفع ثمن المجزرة التي نفذها في جنين ومخيمها صباح اليوم، ورد المقاومة لن يتأخر".
من جانبها، دانت الخارجية الاردنية بشدة "العدوان" الإسرائيلي في مخيم جنين معتبرةً أن "حملة التصعيد العسكرية الإسرائيلية تنذر بتفجر دوامة جديدة من العنف التي سيدفع الجميع ثمنها".
مساء الأربعاء، قُتل فلسطينيان برصاص القوات الإسرائيلية أحدهما في شمال الضفة الغربية والآخر في مخيم شعفاط في مدينة القدس الشرقية المحتلة. كما دارت مواجهات في حي سلوان في القدس الشرقية أدت إلى جرح اثنين، إصابة أحدهما خطيرة والآخر متوسطة وقد نقلا الى مستشفى اسرائيلي، بحسب الشرطة الاسرائيلية.
وأشاد وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير اليميني المتطرف، بعملية القوات الاسرائيلية في جنين، وقال "نحن ندعم جنودنا في المعركة ضد الإرهابيين وكل إرهابي يحاول إيذاء قواتنا يجب أن يعلم أنه يخاطر بحياته ".