ads

خطة الجحيم في غزة.. تهديدات جوفاء أم ورقة تفاوض؟

إعمار غزة
إعمار غزة

تشهد الساحة الفلسطينية تصعيدًا متجددًا بعد التهديدات الإسرائيلية بتنفيذ ما يُعرف بـ"خطة الجحيم" في غزة، والتي تهدف إلى توجيه ضربات قاسية لحركة حماس وتوسيع العمليات العسكرية في القطاع. إلا أن معطيات الواقع، إلى جانب التصريحات الرسمية والتقارير الصحفية الدولية، تشير إلى أن هذه التهديدات قد تكون جزءًا من الحرب النفسية الإسرائيلية أكثر من كونها نية حقيقية لتنفيذ عملية عسكرية كبرى.

خلال الأشهر الماضية، خاض جيش الاحتلال الإسرائيلي واحدة من أطول المعارك العسكرية وأكثرها استنزافًا في تاريخه الحديث داخل غزة. العمليات العسكرية المتكررة، إضافة إلى المقاومة الشرسة التي واجهها من قبل كتائب القسام، جعلت من الصعب على الجيش مواصلة القتال بنفس الزخم. في ظل هذا الإنهاك، صادقت حكومة بنيامين نتنياهو مؤخرًا على مشروع قانون يسمح للجيش باستدعاء 400 ألف جندي احتياط إضافي، وهي خطوة تعكس حجم الخسائر البشرية واللوجستية التي تكبدها الجيش الإسرائيلي، مما يثير التساؤلات حول مدى جاهزيته لعملية عسكرية جديدة واسعة النطاق.

في المشهد السياسي الداخلي، يجد نتنياهو نفسه في موقف صعب، حيث تصاعدت الخلافات داخل حكومته بشأن التعامل مع ملف غزة والأسرى الإسرائيليين لدى حركة حماس. شهد أحد الاجتماعات الأمنية في مكتبه مشادات كلامية بين مسؤولين رفيعي المستوى، في إشارة واضحة إلى انقسامات حادة حول الخطوات المقبلة. بعض الوزراء يرون أن التصعيد العسكري غير مجدٍ وقد يؤدي إلى نتائج عكسية، بينما يصر آخرون على ضرورة استكمال العملية العسكرية لتحقيق مكاسب سياسية. هذه التباينات تعكس ضعف التوافق داخل القيادة الإسرائيلية، وهو عامل آخر قد يحد من قدرة نتنياهو على تنفيذ تهديداته.

وعلى الصعيد الدولي، تواجه إسرائيل ضغوطًا متزايدة بسبب استمرار العمليات العسكرية في غزة. الإدارة الأمريكية، رغم دعمها التقليدي لإسرائيل، تجد نفسها في موقف حرج بسبب الانتقادات الداخلية والخارجية، خصوصًا بعد التصريحات الأخيرة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب التي دعا فيها إلى نقل قسري للفلسطينيين من غزة، وهو ما وصفته منظمة العفو الدولية بأنه جريمة حرب. هذه الضغوط تجعل من الصعب على إسرائيل تنفيذ عملية عسكرية واسعة دون أن تواجه عواقب دبلوماسية وخسائر على مستوى العلاقات الدولية.

التقارير الصحفية العالمية تتفق في مجملها على أن إسرائيل قد لا تكون جادة في تهديداتها المتكررة. صحيفة "الغارديان" البريطانية كشفت أن إسرائيل تدرس فرض سيطرة عسكرية أكبر على غزة دون اللجوء إلى عملية برية واسعة، وهو ما يعكس عدم استعدادها لخوض معركة مكلفة على الأرض. في المقابل، تشير صحيفة "واشنطن بوست" إلى أن الجيش الإسرائيلي لم يتمكن حتى الآن من تحقيق أهدافه في غزة، رغم مرور أشهر على بدء العملية، وهو ما يفسر تردد الحكومة الإسرائيلية في اتخاذ خطوات تصعيدية جديدة.

من جانبه، أكد مصدر إسرائيلي مطلع أن فرص استئناف القتال في غزة ما زالت قائمة، لكنه أوضح أن الجيش بحاجة إلى فترة تعافٍ وإعادة تنظيم قبل الانخراط في أي معركة جديدة. في المقابل، يرى محمود مرداوي، القيادي في حركة حماس، أن البيان الأخير لمكتب نتنياهو حول مواصلة القتال مجرد ورقة ضغط في المفاوضات الجارية بشأن تبادل الأسرى، وأن إسرائيل ليست في موقع يسمح لها بتوسيع عملياتها العسكرية.

في ظل هذه المعطيات، يبدو أن التهديدات الإسرائيلية بتنفيذ "خطة الجحيم" في غزة تأتي في سياق الضغط النفسي والتفاوضي أكثر من كونها استراتيجية عسكرية قابلة للتطبيق. الجيش الإسرائيلي يعاني من إنهاك واضح، والانقسامات داخل الحكومة تزيد من تعقيد اتخاذ قرارات حاسمة، بينما يفرض المجتمع الدولي قيودًا على إسرائيل تمنعها من التصعيد دون تداعيات خطيرة. وعليه، فإن ما يجري في غزة قد يكون أقرب إلى معركة تصريحات وتهديدات إعلامية، أكثر من كونه نية حقيقية لخوض حرب جديدة.

WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً