كشفت تحقيقات وشهادات جمعتها صحيفة 'الجارديان' البريطانية عن أوضاع 'جحيمية' تعيشها مئات الفتيات والنساء داخل ما يُعرف بـ'دور الرعاية' في المملكة العربية السعودية. هذه المنشآت، التي يُعتقد أنها تعمل بسرية تامة، تُستخدم لإعادة تأهيل النساء اللواتي يُعتبرن 'عاصيات' لسلطة أوليائهن، أو اللواتي طُردن من منازلهن بسبب سلوكيات غير مقبولة اجتماعيًا، بما في ذلك العلاقات خارج إطار الزواج.
واقع خلف الجدران السرية
يُلقي التحقيق الضوء على جانب خفي من حياة بعض النساء في المملكة، حيث يجدن أنفسهن محتجزات في أماكن بعيدة عن أعين الجمهور. هذه الدور، التي تُقدم رسميًا على أنها مراكز للرعاية والتأهيل، تُروى عنها قصص مروعة تتعلق بظروف احتجاز غير إنسانية، تقييد للحريات الأساسية، وغياب للشفافية والمحاسبة.
مشهد نادر يكشف الستار
جاء الكشف عن هذه الأوضاع مصحوبًا بانتشار صور مؤخرًا تُظهر امرأة شابة تقف على حافة نافذة في الطابق الثاني بإحدى المدن في شمال غرب المملكة. هذا المشهد، الذي وصف بالحرج، انتهى بإنزال المرأة بواسطة رافعة بمساعدة رجال، في حادثة نادرة وغير مألوفة سلّطت الضوء بقوة على الظروف داخل هذه المؤسسات. ووفقًا للتقارير، كانت المرأة محتجزة في إحدى هذه الدور، مما يؤكد طبيعة هذه الأماكن كأماكن احتجاز فعلي.
فتاة تحاول الهروب من دور الرعاية
مطالب بتدخل ومراجعة
تثير هذه التقارير تساؤلات جدية حول مدى التزام هذه الدور بمعايير حقوق الإنسان، والحاجة الملحة لمراجعة شاملة لآليات عملها. ويطالب النشطاء الحقوقيون والمدافعون عن حقوق المرأة بضرورة تدخل السلطات السعودية للتحقيق في هذه المزاعم، ووقف أي انتهاكات تحدث داخل هذه المنشآت، وتوفير بدائل إنسانية وفعالة للنساء والفتيات اللواتي يحتجن للدعم والرعاية.
يأتي هذا التحقيق في وقت تسعى فيه المملكة العربية السعودية إلى تحسين صورتها الدولية وتعزيز الإصلاحات الاجتماعية، مما يضع مزيدًا من الضغط عليها للتعامل بشفافية مع هذه القضايا الحساسة التي تمس حقوق المرأة وحرياتها
"الجحيم" من منظور الناجيات:
تصف إحدى الناجيات من هذه الدور تجربتها قائلة: 'كل فتاة نشأت في السعودية تعرف دار الرعاية ومدى فظاعتها.. إنها أشبه بالجحيم.' هذه العبارة المكثفة تلخص مدى القسوة والقيود المفروضة داخل هذه المؤسسات.
وتؤكد الناشطة السعودية المقيمة في لندن، مريم الدوسري، أن النساء المحتجزات في تلك الدور يُحرمَن من المغادرة إلا بشروط قاسية: 'لا يُسمح لهن بالمغادرة إلا بعد قبول قواعد المؤسسة أو بالزواج أو بعودة ولي الأمر لاستلامهن.' وتضيف الدوسري أن بعض النساء 'يُهجَرن لسنوات، وبعضهن لا يرتكبن أي جريمة سوى الشكوى من العنف'، مما يشير إلى أن هذه الدور قد تُستخدم كأداة للعقاب بدلًا من الرعاية.
قصص فردية تكشف واقعًا مريرًا:
تروي 'ليلى' (اسم مستعار) قصتها المأساوية، حيث أُجبرت على دخول دار الرعاية بعدما تقدمت بشكوى ضد والدها وإخوتها بتهمة الاعتداء الجسدي. ولكن بدلاً من الحصول على الحماية، اتهمها ذووها بـ'تشويه سمعة العائلة' بسبب منشوراتها على مواقع التواصل الاجتماعي التي تدافع فيها عن حقوق النساء. بقيت 'ليلى' محتجزة في الدار حتى وافق والدها على إطلاق سراحها، مما يؤكد السلطة المطلقة للأولياء في هذه الحالات.
أدوات للسيطرة وغياب الرقابة
يؤكد ناشط
ون أن هذه المؤسسات تُستخدم في كثير من الأحيان كوسائل للسيطرة على النساء ومعاقبتهن على سلوكيات لا تتوافق مع الأعراف الاجتماعية أو رغبات الأولياء. ويُعد الحديث عنها علنًا أو نشر صور منها من المحظورات الصارمة داخل البلاد، مما يزيد من سرية هذه الدور ويحد من إمكانية الكشف عن الانتهاكات.
زواج "وسيلة للهروب" ومخاوف بشأن الشفافية
تكشف إحدى الناشطات أن بعض الرجال، لا سيما المتقدمين في السن أو ذوي السوابق القضائية، يلجأون إلى تلك الدور بحثًا عن زوجات من النساء المحتجزات. وفي ظل اليأس من الوضع، تقبل بعض النساء بهذا الزواج كوسيلة وحيدة للخروج من ظروف الاحتجاز القاسية.
وتضيف الناشطة فوزية العتيبي، التي فرت من المملكة عام 2022، أن 'الضحايا في هذه المؤسسات يُجبرن على الشعور بالخزي، ويُمنع الحديث عنهن أو عن ظروفهن'. وتُشير العتيبي إلى غياب كامل للرقابة والشفافية حول ما يجري داخل هذه الدور، مما يثير مخاوف جدية بشأن مصير النساء والفتيات المحتجزات فيها وحقوقهن الأساسية.