في تطور يعكس عمق الخلافات بين "الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا" والحكومة السورية، أُجّل اجتماع باريس الذي كان من المقرر أن يجمع الطرفين بمشاركة دولية، وذلك على خلفية تمسك "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) بسلاحها ورفض دمشق لأي شروط مسبقة تتعارض مع مبدأ وحدة الدولة.
تأجيل اجتماع باريس وتصريحات دمشق الحازمة
أعلنت "الإدارة الذاتية" تأجيل الاجتماع الذي كان مزمعاً عقده في باريس الجمعة، والذي كان سيشهد مشاركة المبعوث الأميركي لسوريا ووزير الخارجية الفرنسية وممثلين عن بريطانيا وألمانيا. لم يتم توضيح أسباب التأجيل رسمياً من قبل "الإدارة الذاتية".
من جانبها، نقل التلفزيون السوري عن مصدر حكومي، الخميس، رفض دمشق القاطع لأي "خطاب يقوم على التهديد أو فرض شروط مسبقة تتعارض مع مبدأ وحدة الدولة". وأكد المصدر أن "الحوار الوطني لا يكون تحت ضغط السلاح، أو الاستقواء بأي طرف خارجي"، مشدداً على رفض الدولة السورية الحديث عن رفض تسليم السلاح، و"التمسك بتشكيل كتلة عسكرية"، معتبراً ذلك يتناقض مع أسس بناء جيش وطني موحد. كما رفضت دمشق أي دعوة إلى "هوية مستقلة"، معتبرة إياها "دعوة انفصالية مرفوضة".
هذه التصريحات تعكس موقف دمشق الثابت بأن "الطريق الوحيد لتحقيق الحل السياسي المستدام هو في العودة إلى حضن الدولة، وفتح حوار وطني جاد تحت سقف السيادة السورية ووحدة أراضيها، وبعيداً عن الشروط المسبقة، أو التهديد بالسلاح، أو الارتباط بالمشاريع الخارجية التي أثبتت فشلها".
"قسد" تتمسك بسلاحها وباريس تتلقى الوفد مؤجلاً
في المقابل، أكد فرهاد شامي، مدير المركز الإعلامي لـ"قسد"، في مقابلة تلفزيونية الأربعاء، أن "سلاح قسد هو سلاح سوري وتسليمه خط أحمر لا يمكن التنازل عنه". ولفت شامي إلى أن الخلاف الرئيس مع الحكومة السورية يتمحور حول انضمام هذه القوات إلى الجيش، موضحاً أن "قيادة قسد أبدت استعدادها للانضمام للجيش ككتلة واحدة وليس كأفراد، وحوارنا مع دمشق ليس خضوعاً أو استسلاماً، بل تفاوض بين طرفين متساويين".
بدوره، أشار ممثل "الإدارة الذاتية" في فرنسا، كريم قمر، إلى أن وفد "الإدارة" لم يصل إلى باريس بعد، ولا يوجد برنامج واضح للقاءات مع المسؤولين الفرنسيين والأوروبيين حتى الآن، مما يؤكد أن التأجيل لم يكن مجرد تعديل في المواعيد، بل ارتبط بعدم اكتمال الترتيبات أو وجود خلافات جوهرية.
تقدم في عمّان يسبق تعثر باريس
تأتي هذه التطورات بعد معلومات كشفت عنها مصادر كردية لـ"الشرق الأوسط" حول تقدم ملحوظ أحرزته اجتماعات عُقدت في العاصمة الأردنية عمّان في 19 يوليو/تموز الحالي، بين المبعوث الأميركي توماس براك وقائد "قسد" مظلوم عبدي ووزير الخارجية السورية أسعد الشباني. وبحسب المصادر، اتفقت جميع الأطراف على عقد اجتماع موسع في باريس، حيث كانت واشنطن وباريس تسعيان، إلى جانب عواصم غربية أخرى، لتنشيط المباحثات وتذليل العقبات الجوهرية.
وتضمنت هذه العقبات الاندماج المستقبلي لـ"قسد" في الجيش السوري، ودمج هياكل الحكم المحلية لـ"الإدارة الذاتية" ومؤسساتها في دوائر الدولة ومؤسساتها. وأوضحت المصادر الكردية أن وفد "الإدارة" اتفق مع الجانب الحكومي على خطوط عريضة، تقضي باحتفاظ "قسد" بخصوصيتها العسكرية بوصفها كتلة ضمن فيلق واحد، تتبعها فرق عسكرية عدة في الرقة ودير الزور والحسكة، على أن تبقى في مناطقها الجغرافية المنتشرة فيها حالياً.
آفاق الحل السياسي المفتوحة على تحديات
يكشف تعليق اجتماع باريس عن التحديات الكبيرة التي تواجه أي محاولة للتوصل إلى حل سياسي شامل للأزمة السورية. ففي الوقت الذي تبدي فيه "قسد" استعدادها للانضمام إلى الجيش السوري ككتلة موحدة، ترفض دمشق بشكل قاطع أي محاولة للإبقاء على مظاهر التسلح والانفصال عن مؤسسات الدولة، معتبرة ذلك مساراً يؤدي إلى مزيد من التوتر والانقسام.
إن التباين الواضح في المواقف حول مستقبل سلاح "قسد" ومكانتها ضمن الدولة السورية الموحدة يظل حجر الزاوية في أي مفاوضات مستقبلية. وعلى الرغم من الجهود الدولية المبذولة لتذليل هذه العقبات، فإن الحل الدائم يبدو بعيد المنال ما لم يتم التوصل إلى تسوية ترضي جميع الأطراف وتحترم وحدة الأراضي السورية وسيادتها.