ads
ads

بعد رسالة سيف الإسلام القذافي .. الجدل حول نهاية العهد الملكي في ليبيا : جدل تاريخي أم معركة سياسية؟ ( تحليل سياسي )

سيف الإسلام القذافي
سيف الإسلام القذافي

أثارت رسالة من سيف الإسلام القذافي، نجل الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي، جدلاً واسعاً في الأوساط السياسية والتاريخية الليبية. تتناول الرسالة، التي نُشرت على حساباته في مواقع التواصل الاجتماعي، نهاية حكم الملك إدريس السنوسي، آخر ملوك البلاد، وتقدّم رواية مفادها أن الملك تنازل عن العرش طواعية قبل 28 يوماً من انقلاب سبتمبر 1969. أرفق سيف الإسلام رسالته بوثائق وصور لمراجع تاريخية، أبرزها وثيقة تنازل صادرة عن الملك بتاريخ 4 أغسطس 1969، واعتبرها دليلاً على صحة روايته.

انقسام بين مؤيد ورافض

انقسمت ردود الفعل على رواية سيف الإسلام بين مؤيد ورافض. فقد رحّب بها أنصار النظام السابق، واعتبروا ما قدّمه تصويباً للقراءة التاريخية، وأداةً لإعادة فهم تلك المرحلة. في المقابل، رفضها سياسيون وباحثون مؤيدون لفكرة الملكية الدستورية، ووصوفها بأنها محاولة لإعادة كتابة التاريخ لتلميع صورة نظام القذافي وخدمة طموحات نجل القذافي السياسية.

بحسب رواية سيف الإسلام، قدّم الملك إدريس استقالته في 4 أغسطس 1969 لرئيسي مجلس النواب والشيوخ، بعد أن فقد ثقته في ولي عهده الأمير الحسن الرضا السنوسي. وأشار سيف الإسلام إلى أن الملك كان يرى أن النظام الملكي لم يعد مناسباً لليبيا، وكان يفكر في إعلان نظام جمهوري بقيادة أحد أفراد عائلة الشلحي المقربة منه. واستند في روايته إلى وثائق ليبية وبريطانية وأميركية، منها مذكرات المستشار البريطاني للملك، إيريك دي كاندول، بالإضافة إلى رسائل من الملكة فاطمة، زوجة الملك إدريس، ليؤكد أن التنازل كان قراراً إرادياً وليس نتيجة انقلاب.

دحض الرواية وتأكيد الانقلاب

على الجانب الآخر، يرى أشرف بودوارة، رئيس اللجنة التحضيرية لـ«المؤتمر الوطني لتفعيل دستور الاستقلال»، أن رواية سيف الإسلام تستهدف تقويض مشروع عودة الملكية الدستورية، الذي يعتبره البديل الأجدر لإنهاء الانقسامات في البلاد. ويوضح بودوارة أن الوثائق الرسمية تثبت أن الملك لم يتنازل عن الملكية بوصفها كياناً دستورياً، بل مارس صلاحياته وعيّن ولي العهد، ثم سلّمه المسؤولية قبل مغادرته البلاد. ويشير إلى أن وثيقة 4 أغسطس تنص بوضوح على تنصيب الحسن الرضا ملكاً على ليبيا.

بدوره، يؤكد المؤرخ شكري السونكي أن الملك إدريس تمسك بالنظام الملكي وولي عهده، وهو ما سجله في استقالته المؤرخة بتاريخ 4 أغسطس 1969. ويصف السونكي تنازل ولي العهد عن السلطة في سبتمبر 1969 بأنه لاغٍ من الناحية الدستورية، لأن الأمير الحسن الرضا كان حينها يشغل منصب نائب الملك فقط، حيث كان الملك إدريس يتلقى العلاج في الخارج. وخلص السونكي إلى أن المطالبة باسترداد العرش الملكي لا تزال قائمة، ويمثلها اليوم الأمير محمد بن الحسن الرضا السنوسي.

الأهداف السياسية وراء الجدل التاريخي

يُعتبر هذا الجدل جزءاً من معركة سياسية أوسع نطاقاً في ليبيا. ويرى باحثون أن سيف الإسلام يحاول إعادة صياغة تاريخ الثورة بما يخدم طموحه السياسي، خاصة مع تطلعه للترشح لرئاسة ليبيا. فيما يدافع أنصاره عن موقفه، مؤكدين أنه يقدّم قراءة تاريخية موثقة. ويرى المحلل خالد الحجازي أن انقلاب الفاتح لم يكن ضد الملك شخصياً أو ضد النظام الملكي، بل كان ثورة تحرر وطني ضد الهيمنة الأجنبية.

يُظهر هذا الجدل حول ما إذا كان الملك إدريس قد تنازل عن العرش طوعاً أم أُطيح به بالقوة، الانقسام العميق في قراءة التاريخ الليبي، وربما يكشف عن أهداف سياسية مستقبلية في ظل الانقسامات الحالية في البلاد. وتأتي هذه التطورات في وقت تعصف فيه بالليبيين انقسامات سياسية وعسكرية حادة، حيث تتنازع السلطة حكومتان، واحدة في طرابلس وأخرى في بنغازي.

WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً