في عالم يتغير بسرعة تسبق الكاميرات نفسها، وفي زمن باتت فيه صناعة المحتوى مفتوحة للجميع لكن التفوق فيها ليس متاحًا إلا لقلة، يبرز أحمد مصطفى زيكا كنموذج لافت لشاب لم ينتظر أن تُفتح له الأبواب، بل صنع بابًا ثم صنع الطريق الذي قاده إلى أن يكون واحدًا من الأصوات المهمّة في السينما المستقلة وصناعة المواهب في مصر.
ليس لأنه الأكثر شهرة، ولا لأنه الأكثر صخبًا في الظهور، بل لأنه امتلك معادلة نادرة: الشغف + الإصرار + رؤية لا تسمح بأنصاف الحلول.
من يتأمل بدايته يدرك أن زيكا لم يدخل المجال عبر “قفزة حظ”، بل عبر تدرج يشبه صعود البنّاء الذي يعرف أن طابقًا واحدًا لا يحمل حُلمًا كبيرًا. بدأت قصته عام 2011، عندما التحق كصحفي فني تحت التمرين. قد تبدو الخطوة بسيطة، وربما هامشية للبعض، لكنها في الحقيقة كانت أول علاقة بينه وبين عالم الفن من الداخل، علاقة علمته قراءة الكواليس، وفهم الشخصيات، ورؤية ما خلف الأضواء. هذه التفاصيل الصغيرة هي ما صنعت لاحقًا قلم السيناريست داخله.
ثم جاءت المرحلة الثانية: الدخول إلى مواقع التصوير. في 2012 عمل كمساعد مخرج تحت التمرين في مسلسل “مع سبق الإصرار”، وفي 2013 في برنامج “هالة شو”. هنا بدأ زيكا يرى الفن ليس مادة تُكتب على الورق، بل كعملية حقيقية تُصنع عبر فريق، ومجهود، وضغط، وخطوات متتالية من التجريب والخطأ.
هذه التجارب المبكرة صنعت شخصيته المهنية؛ شخصية لا تعتبر الكاميرا مجرد آلة تصوير، بل أداة تفكير، ومجهرًا يكشف النفس البشرية.
لكن النقطة الفارقة في مسيرته جاءت عام 2014. في ذلك العام، قرر أن يدخل مغامرة لم تكن مأمونة: إنتاج فيلمه الأول من تأليفه “أصل وتقليد”. عادةً ما يحلم الشباب بتجارب كهذه، لكن القليل فقط يجرؤ على تنفيذها. زيكا نفذ، ولم ينتظر تمويلًا أو دعمًا أو ضمانات. وبالفعل، حقق الفيلم نجاحًا فاق التوقعات: جائزة في مهرجان سيدني، عروض دولية في بلجيكا وهولندا، انتشار عربي واسع، ثم مشاهدات تخطت 20 مليونًا على يوتيوب، وعشرات الملايين عبر منصات التواصل.
هذا النجاح لم يكن مجرد رقم، بل إعلان رسمي بأن الطريق الذي يصنعه الشغف قادر على أن ينافس طرق المؤسسات الكبرى.
ومن هنا انطلقت سلسلة أعمال حملت بصمته المميزة، مثل “دنيا ودين”، و“هاند فري”، و“بـ100 راجل”، و“كسر حق”، و“مش من دينك”، و“دنيا”، وغيرها من الأعمال التي شاركت في مهرجانات دولية ومحلية، ونالت تكريمات، ووصلت إلى ملايين المشاهدين دون أن تملك ضخامة الإنتاج التقليدي.
إنها مدرسة زيكا الخاصة: صناعة أفلام برسالة، لا بميزانية.
وربما يكون ما يميز أحمد زيكا أكثر من أعماله الفنية هو إيمانه بالناس، بالمواهب، وبقدرة الفرد على الصعود إذا وجد من يرى فيه شيئًا يستحق أن يُمنح فرصة. لهذا أسس مشروع Mentality لتسويق الموهوبين في التمثيل، وقدم ورشًا تدريبية للأطفال والكبار، وأعاد تعريف مفهوم “صانع النجوم”.
في زمن يبحث فيه كثيرون عن “وجه جاهز للشهرة”، كان زيكا يبحث عن الموهبة الخام التي تستحق أن تُصقل، لا التي تؤدي كي تُصفّق.
إن مسيرة أحمد زيكا تعيد طرح سؤال مهم:
هل نحتاج دائمًا إلى إمكانيات ضخمة كي نصنع فنًا حقيقيًا؟
تجربته تقول: لا.
ما نحتاجه حقًا هو من يملك رؤية، ويعرف ما يريد قوله، ويؤمن أن الكاميرا ليست أداة للعرض فقط، بل أداة للتغيير.
ومع كل فيلم، وكل ورشة، وكل مبادرة أطلقها، كان زيكا يثبت أن الفن ليس عملًا فرديًا فقط، بل مسؤولية. مسؤولية تجاه المجتمع، وتجاه الموهوبين، وتجاه جيل يبحث عن فرصة لإثبات نفسه.
لقد ظل وفيًا لرحلته منذ البداية: رحلة تبدأ من الإيمان بالذات، وتمتد إلى الإيمان بالآخرين.
أحمد مصطفى زيكا اليوم هو أكثر من صانع أفلام؛ إنه حالة. حالة تلهم الشباب أن يبدأوا من حيث هم، بما يمتلكون، دون انتظار المصادفة.
حالة تؤكد أن الطريق لا يُورث ولا يُعطى… بل يُصنع.
البداية… ومن الصحافة تبدأ الحكاية
احمد زيكا
بدأ زيكا رحلته عام 2011 عندما التحق كصحفي فني تحت التمرين في جريدة النبأ. تجربة منحته فهمًا دقيقًا لعالم النجوم والكواليس، قبل أن ينتقل عام 2012 للعمل كمساعد مخرج تحت التمرين في مسلسل “مع سبق الإصرار” للنجمة غادة عبد الرازق. وبعدها بعام خاض تجربة جديدة في برنامج “هالة شو”.
هكذا تحولت خطواته الأولى إلى أساس قوي جمع بين معرفة المهنة من الداخل وفهم طبيعة صناعة الصورة.
سينما مستقلة بروح مغامرة
عام 2014 شكّل نقطة تحول كبرى في مسيرته عندما أنتج أول فيلم من تأليفه “أصل وتقليد”؛ فيلم انطلق من فكرة بسيطة لكنه حقق صدى عربيًا واسعًا، شارك في مهرجان سيدني بأستراليا، وعُرض في بلجيكا وهولندا ودول الخليج، وتجاوزت مشاهداته حاجز 20 مليون مشاهدة على يوتيوب إلى جانب عشرات الملايين عبر منصات التواصل.
كان هذا العمل بمثابة إعلان رسمي عن ولادة صانع أفلام يمتلك رؤية ورسالة.
تتابعت الأعمال:
2015 – “دنيا ودين”: فيلم حصد اهتمامًا كبيرًا ودفع فريقه للظهور في كبرى الفضائيات.
2015 – “هاند فري”: عمل اجتماعي عُرض في المهرجان القومي للمرأة ونال تكريمًا.
2017 – “بـ100 راجل”: فيلم ساخر شارك في مهرجانات، ووصل لقطاع واسع من الجمهور بعد عرضه كسكتش اجتماعي على الفضائيات.
2017: شارك في فيلم توعوي عن السمنة لصالح وزارة الصحة السعودية، مقدمًا المعالجة الدرامية والتنسيق العام.
2018 – “كسر حق”: فيلم مؤثر شارك في مهرجانات هولندية ومصرية، وحظي بتغطية إعلامية من قناة الحرة الأمريكية.
وفي العام ذاته، شارك في ترشيح الممثلين لفيلم “أولاد الوزير”، أول تجربة شبابية لصناعة فيلم روائي دون ميزانية تقريبًا، والذي حقق ضجة واسعة عند عرضه الخاص في هيلتون القاهرة.