شهدت العاصمة القطرية الدوحة مؤخرًا ضربة إسرائيلية استهدفت مقرات يقيم بها عدد من أعضاء المكتب السياسي لحركة حماس، وهو ما أثار موجة من ردود الفعل الغاضبة، فقد اعتبرت الدوحة العملية 'انتهاكًا صارخًا' لسيادتها، فيما كشفت وسائل إعلام عبرية أن إسرائيل أبلغت الولايات المتحدة مسبقًا بنيتها تنفيذ الضربة، الأمر الذي أثار تساؤلات حول الموقف الأميركي، لا سيما وأن قطر تعد شريكًا استراتيجيًا لواشنطن، وأحد أبرز الوسطاء في المفاوضات الجارية إلى جانب مصر بشأن وقف إطلاق النار وملف الأسرى.
وتأتي هذه الضربة في وقت حساس يتسم بتعقيد المسار التفاوضي بين إسرائيل وحماس، إذ ينظر إليها كثيرون كرسالة إسرائيلية تهدف إلى عرقلة أي جهود للوساطة الإقليمية وإبقاء العمليات العسكرية مفتوحة دون سقف زمني واضح.
وفي هذا السياق، قال الدكتور محمد صادق إسماعيل، أستاذ العلوم السياسية ومدير المركز العربي للدراسات السياسية والاستراتيجية، إن الضربة الإسرائيلية لم تكن استهدافًا لقطر كدولة أو لمؤسساتها الرسمية، وإنما جاءت موجهة ضد أعضاء من حركة حماس على أراضيها، وهو ما يمثل في الوقت نفسه خرقًا جسيمًا لسيادة دولة عربية.
الصدمة المزدوجة
وأضاف مدير المركز العربي للدراسات السياسية والاستراتيجية في تصريحات خاصة لـ«أهل مصر»، أن العملية حملت 'الصدمة المزدوجة'، كونها تمت بتنسيق مسبق بين إسرائيل والولايات المتحدة، وهو ما يثير علامات استفهام حول جدوى الحماية الاستراتيجية التي دشنتها واشنطن مع الدوحة.
وأشار إلى أن قطر، باعتبارها أحد الأطراف الرئيسية في الوساطة إلى جانب مصر، تعرضت عمليًا لضربة غير مباشرة لدورها التفاوضي، مؤكدًا أن استهداف مقر قيادات حماس في الدوحة يترجم رغبة إسرائيلية واضحة في تعطيل المفاوضات وعدم المضي قدمًا في أي مسار يتعلق بملف الأسرى أو بوقف إطلاق النار.
وأوضح، أن إسرائيل تسعى إلى استمرار العمليات العسكرية التي تصفها بانتصارات 'وهمية'، معتبرًا أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يوظف هذا التصعيد في سبيل ضمان بقائه في السلطة.
وحول خيارات السياسة الخارجية القطرية، أكد إسماعيل أن أمام الدوحة مساحة واسعة من التحرك، سواء بإعادة النظر في شراكتها الاستراتيجية مع الولايات المتحدة، أو البحث عن بدائل وشركاء جدد، أو اللجوء إلى خطوات دبلوماسية مثل سحب السفراء.
ولفت إلى أن زيارة رئيس الوزراء القطري الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني إلى الولايات المتحدة قد تحمل في طياتها تنسيقًا مهمًا للمرحلة المقبلة، مشددًا على أن قطر تملك سياسة خارجية نشطة وفاعلة تمكنها من إعادة ترتيب أوراقها بما يتناسب مع مصالحها ورؤيتها المستقبلية.
من جانبه، قال الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في اجتماع طارئ لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، إن إسرائيل تجاوزت «كل الحدود والقيود» بشنها غارة على العاصمة القطرية هذا الأسبوع، منتهكةً بذلك سيادة بلاده ومهددةً السلام الإقليمي.
وأضاف: «إسرائيل تحاول إعادة ترتيب المنطقة بالقوة»، مؤكدًا في الوقت نفسه أن بلاده «ستواصل دورها الإنساني والدبلوماسي دون أي تردد، من أجل وقف إراقة الدماء».
وأسفرت الغارة الإسرائيلية عن مقتل ستة أشخاص على الأقل، بينما كان قادة «حماس» يجتمعون للنظر في مقترح أميركي لوقف إطلاق النار في غزة. وقد هددت الضربة بإفشال المفاوضات التي توسطت فيها قطر ومصر والولايات المتحدة، وزادت من عزلة إسرائيل على الساحة الدولية، بعد أن أدان مجلس الأمن الهجوم إلى جانب عدد من الدول الكبرى التي اعتبرت ما جرى تصعيدًا خطيرًا يهدد الاستقرار الإقليمي.