صنعاء – أثارت مكالمة هاتفية مسرّبة تعود إلى عام 2008، جرت بين الرئيس اليمني الراحل علي عبد الله صالح ورئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» آنذاك خالد مشعل، جدلًا واسعًا في الأوساط السياسية والإعلامية اليمنية، بعد إعادة تداولها مؤخرًا على نطاق واسع.
وجاء تسريب المكالمة ضمن برنامج وثائقي بثّته قناة «المسيرة» التابعة لحركة «أنصار الله» (الحوثيين)، قبل أن تنتشر عبر مواقع إخبارية ومنصات التواصل الاجتماعي، ما فتح بابًا واسعًا للنقاش حول مضمونها ودلالاتها السياسية.
وانقسمت الآراء حول موقف صالح الذي بدا، وفق التسجيل، رافضًا لإطلاق الصواريخ من غزة باتجاه إسرائيل، محذرًا من أن ذلك سيؤدي إلى رد إسرائيلي عنيف يستهدف المدنيين. واعتبر مؤيدو هذا الطرح أن حديث صالح جاء في إطار «نصيحة سياسية» تهدف إلى تجنيب الفلسطينيين ويلات القصف، بينما رأى معارضون أن الموقف يحمّل المقاومة مسؤولية جرائم الاحتلال ويعيد إنتاج الرواية الإسرائيلية.
ومن أبرز المؤيدين، وزير الثقافة اليمني الأسبق خالد الرويشان، الذي قال إن المكالمة «لا تتضمن ما يعيب»، معتبراً أن ما ورد فيها يعبّر عن اختلاف مؤقت في الوسائل، لا في الأهداف، بين سياسي ومقاوم، ومشيرًا إلى متانة العلاقة التي جمعت الرجلين آنذاك.
كما رأى الصحافي محمد الخامري أن الدعوة إلى وقف الصواريخ في لحظة معينة لم تكن تخليًا عن القضية الفلسطينية، بل تحذيرًا مبكرًا من استهداف المدنيين، مؤكداً أن ما حذّر منه صالح تحقق لاحقًا على أرض الواقع.
وذهبت الكاتبة تغريد الشميري إلى اعتبار المكالمة إعادة تسليط الضوء على شخصية صالح كرجل دولة «براغماتي» يدرك تعقيدات النظام الدولي، في مقابل نهج المقاومة الذي يجمع بين العمل العسكري والتأثير الإعلامي، في سياق بالغ الحساسية.
في المقابل، عبّر معارضون عن رفضهم الشديد لموقف صالح في المكالمة. وقال إبراهيم عبد الرزاق أمجاور إن صالح «حمّل المقاومة مسؤولية المجازر التي يرتكبها الاحتلال»، معتبراً أن ذلك يمثل انحيازًا واضحًا ضد الضحية.
كما انتقد الكاتب بشير ربيع الصانع، في مقال نشره على موقع تابع لـ«أنصار الله»، ما وصفه بإفراغ أي موقف عربي موحد من مضمونه، معتبراً أن الخطاب الذي ورد في المكالمة يوجّه اللوم للمقاومة بدل إدانة العدوان الإسرائيلي.
بدوره، اعتبر محمد مفضل أن كون المكالمة «خاصة» لا يعفي مضمونها من المحاسبة، مشيراً إلى أن تحميل المقاومة مسؤولية ما يجري في غزة يتجاوز حدود الاختلاف التكتيكي، ويمس جوهر القضية الفلسطينية.
ولا يزال الجدل مستمرًا في اليمن حول المكالمة المسرّبة، بين من يراها قراءة سياسية واقعية لميزان القوى في تلك المرحلة، ومن يعتبرها موقفًا يفتقر إلى الوضوح في إدانة الاحتلال ويحمّل الضحية تبعات العدوان، في سياق يعكس عمق الانقسام في تقييم الإرث السياسي للرئيس الراحل علي عبد الله صالح.