أثار إعلان المجلس الانتقالي الجنوبي إطلاق عملية عسكرية في محافظة أبين، بزعم «تأمين المحافظة ومحاربة الإرهاب وتنظيم القاعدة»، تساؤلات واسعة حول ما إذا كانت التطورات الميدانية المتسارعة تمهّد لإعلان كيان سياسي مستقل تحت مسمى «دولة الجنوب العربي».
تمدد عسكري خارج التوافقات السياسية
وخلال الأيام الأخيرة، خرجت قوات المجلس الانتقالي عن التفاهمات القائمة مع بقية المكونات السياسية اليمنية، ووسّعت من انتشارها العسكري خارج إطار مؤسسات الدولة المعترف بها، رافضة مبادرات تهدف إلى إعادة تموضع القوات وسحبها من المناطق التي دخلتها مؤخرًا.
وتمكنت قوات المجلس من فرض سيطرتها بالقوة على عدد من المحافظات الجنوبية التي يطالب بضمها إلى الدولة التي يسعى لإعلانها، في خطوة اعتبرها مراقبون محاولة لترسيخ واقع سياسي وعسكري جديد على الأرض.
المشهد الميداني الراهن
وأكد المجلس الانتقالي تمسكه بالسيطرة على محافظات حضرموت والمهرة وشبوة شرقي البلاد، ويتجه حاليًا لتعزيز نفوذه في محافظة أبين، بعد أن كان قد بسط سيطرته على عدن، العاصمة المؤقتة.
وفي تطور متصل، غادر رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي قصر معاشيق الرئاسي، عقب انسحاب القوات المكلفة بتأمينه من محيط القصر، لتتسلم قوات المجلس الانتقالي السيطرة على المنطقة، ما عكس حجم النفوذ الذي بات يتمتع به المجلس في الجنوب.
جذور «دولة الجنوب»
من الاستعمار إلى الدولة الاشتراكية
في عام 1967، غادر آخر جندي بريطاني مدينة عدن، ما أدى إلى قيام جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية، في حين كان الشمال يعيش مرحلة اضطراب سياسي بعد سقوط حكم الإمامة.
سيطرت الجبهة القومية على الحكم، قبل أن تشهد الدولة ما عُرف بـ«الحركة التصحيحية» التي عززت نفوذ التيار الماركسي، ليُعلن لاحقًا عن قيام جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية كدولة اشتراكية، هي الوحيدة في شبه الجزيرة العربية.
تولى الحزب الاشتراكي اليمني قيادة الدولة، معتمدًا على فكر ماركس ولينين، ومطبقًا نموذجًا سياسيًا واقتصاديًا يساريًا.
مسار الوحدة والصراعات
منذ عام 1970، ظهرت بوادر تقارب بين الشمال والجنوب، تُوجت باتفاقات عدة، لكنها تخللتها حروب وصدامات مسلحة في 1972 و1979.
خلال الثمانينيات، وُقعت اتفاقيات اقتصادية وسياسية مشتركة، واكتمل إعداد دستور الدولة الموحدة.
في مايو/أيار 1990، أُعلنت الوحدة اليمنية رسميًا، وأُسندت رئاسة الدولة إلى علي عبدالله صالح، فيما أصبح علي سالم البيض نائبًا للرئيس.
من الوحدة إلى الانفصال
بدأت الخلافات تتصاعد بعد الوحدة، وصولًا إلى حرب 1994 بين الشمال والجنوب، التي انتهت بانتصار القوات الشمالية وإعلان علي سالم البيض التراجع عن الوحدة من طرف واحد.
خلّفت الحرب شعورًا واسعًا في الجنوب بالتهميش والخسارة، ما أعاد إحياء المطالب الانفصالية خلال السنوات اللاحقة.
المجلس الانتقالي الجنوبي
تأسس المجلس الانتقالي الجنوبي رسميًا في عام 2017، ويعرّف نفسه بأنه «كيان وطني قيادي انتقالي للجنوب بحدود ما قبل 22 مايو 1990»، مستندًا إلى ما يصفه بـ«تفويض شعبي».
وينفي المجلس أن يكون حزبًا سياسيًا أو امتدادًا أيديولوجيًا للدولة الاشتراكية السابقة، مؤكدًا أنه إطار جامع ينسق جهود الجنوبيين لتحقيق أهدافهم السياسية.
القوة كوسيلة لتحقيق الهدف
ويعتمد المجلس الانتقالي على تشكيلات مسلحة يصفها بـ«المقاومة الجنوبية»، إلى جانب الحراك السياسي، لتحقيق هدف الانفصال. ويرى أن مهمته تنتهي بإعلان الدولة الجنوبية المستقلة وتشكيل مؤسساتها، ليُعاد بعدها تنظيم المشهد السياسي وفق دستور وقوانين جديدة.
ماذا بعد؟
يفرض المجلس الانتقالي نفسه حاليًا كأمر واقع في المحافظات الجنوبية التي تنتشر فيها قواته، وسط غموض بشأن خطوته المقبلة، وما إذا كان سيكتفي بتثبيت سيطرته في الجنوب أم يتجه إلى توسيع نفوذه نحو مناطق أخرى.
وفي ظل هذه التطورات، يبقى سؤال إعلان «دولة الجنوب العربي» مطروحًا بقوة، مع ترقب داخلي وإقليمي لمسار الأحداث في اليمن خلال المرحلة المقبلة.