حذّر خبير عسكري ودبلوماسي إسرائيلي من احتمال اندلاع مواجهة قريبة بين إسرائيل وتركيا على الأراضي السورية، في ظل تصاعد حدة التوتر السياسي والعسكري بين الجانبين، وتداخل المصالح الإقليمية في الملف السوري، وسط مؤشرات متزايدة على انتقال الخلاف من مستوى الخطاب إلى مستوى الاستعداد الميداني.
وجاء التحذير على لسان الدكتور ألون ليئيل، المدير العام السابق لوزارة الخارجية الإسرائيلية والمسؤول السابق عن السفارة الإسرائيلية في أنقرة، الذي اعتبر أن تركيا “تستعد لحرب مستقبلية مع إسرائيل”، مشيراً إلى أن احتمالات الاحتكاك العسكري باتت واقعية، خاصة داخل الساحة السورية التي يتمركز فيها جيشا البلدين بشكل غير مباشر.
وبحسب ما نُقل عن ليئيل في تصريحات لموقع “واي نت”، فإن أنقرة تنظر إلى التطورات الإقليمية الأخيرة، وعلى رأسها القمة الإقليمية الثلاثية التي عُقدت في القدس بمشاركة إسرائيل واليونان وقبرص، باعتبارها “هجوماً سياسياً مباشراً” يستهدف تطويق تركيا إقليمياً. وقد عكست الصحافة التركية هذا المزاج، حيث تصدّرت صحيفة “يني شفق”، المقربة من الرئيس رجب طيب أردوغان، بمانشيت لافت جاء فيه: “ابتداءً من اليوم، إسرائيل هي التهديد الأول”.
وأشار التقرير إلى أن أنقرة ربطت بين هذه القمة وبين تطورات ميدانية في سوريا، من بينها تبادل إطلاق النار في مدينة حلب بين قوات النظام السوري وقوات سوريا الديمقراطية (قسد). ووفق الرواية التركية، فإن إسرائيل سعت خلال القمة إلى “تفعيل” الورقة الكردية لإحراج تركيا وإضعاف نفوذها في الشمال السوري.
وأكدت مصادر تركية، بحسب ما أوردته الصحف المقربة من الحكومة، أن جميع المؤسسات الأمنية في البلاد باتت تتعامل مع إسرائيل باعتبارها “التهديد الرئيسي”، في سابقة لافتة شملت وزارات الدفاع والخارجية وجهاز الاستخبارات التركي (MIT). ويُعد هذا التحول غير مألوف في الخطاب الأمني التركي، ويعكس مستوى القلق المتزايد في أنقرة من التحركات الإسرائيلية شرق المتوسط وفي سوريا.
ويأتي ذلك في ظل تقارير عن بحث إنشاء قوة عسكرية مشتركة تضم إسرائيل واليونان وقبرص، وهو ما اعتبرته تركيا تهديداً مباشراً لتوازن القوى في المنطقة. وفي هذا السياق، أطلق الرئيس أردوغان تصريحات حادة خلال تدشين غواصة وسفن حربية جديدة، قال فيها: “لن تُنتهك حقوقنا”، في إشارة واضحة إلى الاستعداد لمواجهة أي مساس بالمصالح التركية.
في المقابل، بعث رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو برسائل غير مباشرة إلى أنقرة، خلال القمة الثلاثية، وبحضور رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس والرئيس القبرصي نيكوس خريستودوليدس، حين قال: “إلى أولئك الذين يتوهمون قدرتهم على إقامة إمبراطوريات والسيطرة على بلادنا، أقول: انسوا الأمر. لن يحدث. نحن ملتزمون وقادرون على الدفاع عن أنفسنا، والتعاون يعزز قدراتنا”.
وفي خلفية هذا التصعيد، تمارس الولايات المتحدة ضغوطاً على إسرائيل للموافقة على إشراك تركيا في جهود إعادة إعمار قطاع غزة، وخصوصاً في إطار قوة استقرار دولية محتملة، وهو طرح ترفضه تل أبيب بشدة. وفي الوقت نفسه، أعلنت وزارة الخارجية التركية أن الوزير هاكان فيدان التقى قيادات من حركة “حماس” في أنقرة، وناقش معهم المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار، في خطوة أثارت امتعاضاً إسرائيلياً إضافياً.
وحول الاستعدادات العسكرية التركية، قال ليئيل إن أنقرة “تعزز دفاعاتها الجوية، وتعيد بناء قواتها الجوية بشكل كامل، وتخصص ميزانيات ضخمة للتسلح”، لافتاً إلى أن تركيا تعمل على تحديث أسطولها الجوي، وتعزيز قوتها البحرية وقوات المشاة، إلى جانب مضاعفة إنتاج الطائرات المسيّرة، ما يعكس استعداداً طويل الأمد لاحتمالات الصدام.
ورجّح ليئيل أن تكون سوريا مسرح أي مواجهة محتملة، قائلاً: “أردوغان لن يجرؤ على مهاجمة الأراضي الإسرائيلية مباشرة، كما أن إسرائيل لن تهاجم تركيا على أراضيها. لكن كلا البلدين يملكان وجوداً عسكرياً في سوريا، وإذا لم يتم التوصل إلى تفاهم ثلاثي أو رباعي يشمل السوريين والأمريكيين، فإن حوادث عسكرية مع تركيا باتت مسألة وقت”.
وأشار إلى أن الموقف الأمريكي تغيّر مقارنة بالماضي، إذ لم تعد واشنطن، وفق تقديره، تشعر بالذعر من أي خلاف إسرائيلي-تركي، ما يترك المجال مفتوحاً أمام تصعيد مضبوط دون تدخل فوري لاحتوائه.
وفي السياق نفسه، كتب معلق بارز مقرب من الحكومة التركية في صحيفة “حرييت” أن تركيا بات لها “عدو مشترك في سوريا”، محدداً إياه بـ”إسرائيل الصهيونية ووكيلها قوات سوريا الديمقراطية والأكراد”، في خطاب يعكس تصعيداً واضحاً في الرؤية التركية للصراع الإقليمي.
وتشير مجمل هذه المعطيات إلى مرحلة جديدة من التوتر الإقليمي، تتجاوز الخلافات الدبلوماسية التقليدية، وتضع سوريا مجدداً في قلب صراع النفوذ بين قوى إقليمية كبرى، في ظل غياب تسويات واضحة وتزايد احتمالات الاحتكاك العسكري غير المباشر.