تحل اليوم ذكرى وفاة الفنان عبد الله غيث، الموافق 13 مارس، والذى توفى عن عمر يناهز 63 عاماً، اسمه بالكامل: عبد الله حمدي الحسيني غيث، ولد فى 28 يناير عام 1930م، بمحافظة الشرقية، فهو من أسرة تمتلك مئات الأفدنة، والده الطبيب حمدى الحسينى، الذى درس الطب في لندن، وتم استدعاءه ليتولى العمودية بقريته مع قدوم الحرب العالمية الأولى، ويعد الفنان "عبدالله غيث" هو الإبن الأصغر وله 4 أشقاء.
تزوج الفنان عبد الله غيث صغيراً "18 سنة" من ابنة خالته التي رافقته طوال رحلة عمره وأنجبت له أدهم وعبلة والحسيني، وكان محافظاً في بيته لا يخلط بين صداقات الفن وجو الأسرة إلا في أضيق الحدود.
توفي والده وهو لا يزال صغيراً فاستمر في دراسته بالقرية إلا أنه كان تلميذاً شقياً يحب الهروب من المدرسة ليذهب إلى السينما والمسارح والحفلات الصباحية وبالكاد يحصل على الإعدادية ثم الثانوية وظل بعدها يعمل بالزراعة ويشرف على أرضه مدة عشر سنوات ثم انتقل إلى القاهرة والتحق بمعهد الفنون المسرحية بإشراف أخيه حمدي غيث الذي عمل أستاذاً بالمعهد بعد رجوعه من بعثته بباريس.
عرف عنه أنه أفضل من قدم المسرح الشعري .. فقد رشحه عميد المسرح يوسف وهبي ليخلفه على خشبة المسرح وبكت عليه جيهان السادات عندما مات في "الوزير العاشق". رفض التنازلات الفنية ليظل أحد أبرز نجوم المسرح العربي طوال خمسين عاماً.
التحق عبد الله غيث بالمسرح القومي وهو لا يزال طالباً في المعهد ولم يصادف أي مشكلة في دخوله عالم الفن. حصل على دبلوم المعهد العالي للفنون المسرحية عام 1955، ثم تتلمذ على يد شقيقه حمدي غيث وعمل بالتلفزيون، له مشوار فني حافل بالعديد من المسلسلات والأفلام الدينية والتاريخية التي برع في أدائها حتى كاد ألا يخرج عنها في أواخره.
بدأ الفنان عبد الله غيث مشواره السينمائي في العام 1962 في فيلم "لا وقت للحب"، والعام 1963 "رابعة العدوية"، والعام 1964 "ثمن الحرية"، و"أدهم الشرقاوي".
بدأ عبد الله غيث عمله في المسرح القومي بأعمال كلاسيكية مترجمة وصلت إلى مئات المسرحيات منها : "وراء الأفق" و"حبيبتي شامينا" و"الخال فانيا" و"دنشواي الحمراء" و"كفاح شعب" و"مأساة جميلة" و" تحت الرماد" و"الدخان" و"الكراسي" و"الوزير العاشق" و"مرتفعات وذرنج" و"ملك القطن" و"آه يا غجر" و"الزير سالم" وكثيراً ما كانوا يرشحونه للأدوار الصعبة.
وتلا ذلك قيامه بأدوار البطولة في معظم المسرحيات الشعرية فاستحق عن جدارة لقب النجم الأول على مستوى الوطن العربي للمسرح الذي يؤدي شعراً وكان من قبل يفني .. لم يكن يحلم بأن يكون مهندساً أو محامياً وانحصر حلمه في شيئين: الفلاحة أو الفن. فقد كان يعشق الريف ولا يجد نفسه على حقيقتها إلا في قريته وهو يرتدي الجلباب ويجلس على المصطبة تحت الجميزة في الغيط على شاطئ الترعة بعيداً عن المظاهر والشكليات.
وكان يتردد مرتين في الأسبوع على قريته ما جعله يشارك أهله وجيرانه كفاحهم والتعرف على مشاكلهم ومتاعبهم وآلامهم وأمانيهم ولذلك منحوه الحب والثقة ورشحوه للعمودية بعد وفاة والده وأخيه الأكبر. وعندما أعلن موافقته المبدئية على المنصب أضيئت المنازل في الريف ترحيباً بهذه الموافقة ولما شغله الفن عن تولي العمودية ساهم في توليتها لابن عمه.
لم يشارك عبد الله غيث إلا في عدد قليل من الأفلام أشهرها: "أدهم الشرقاوي" عام 1964مو"حكاية من بلدنا" و"السمان والخريف" و"جفت الأمطار" و"الحرام" وكان لفيلم "الرسالة" العالمي وضع خاص.
ويرجع سبب قلة أفلامه إلى عدم استعداده لتقديم أي تنازلات وكان يدقق في ما يختاره ويناسبه من الناحية الفنية فظل يمارس الفن بروح الهواية ولم يستطع أحد منافسته خاصة في نوعية الأدوار التي يختارها.
وقع اختيار المنتج والمخرج السوري مصطفى العقاد على عبد الله غيث للقيام بدور حمزة بن عبد المطلب عم الرسول صلى الله عليه وسلم في فيلم الرسالة عام 1976 والذي صورت معظم مشاهده ما بين أرض ليبيا والمغرب وتم إنتاج نسختين منه عربية وإنجليزية بنفس الديكور والمناظر مع تغيير في المجاميع والأبطال، وفي المقابل قام الممثل العالمي أنتوني كوين بدور حمزة في النسخة الإنجليزية.
اعتقد المخرج مصطفى العقاد في البداية أن الممثلين العرب سوف يتعلمون الأداء الدرامي من الأجانب فتعمد أن يبدأ تصوير كل مشهد بالأبطال الأجانب وبعد مضي ثلاثة مشاهد بالتحديد فوجئ العقاد بالفرق في الإحساس بالشخصية وطريقة الأداء بين الممثل العربي وزميله الأجنبي فطلب من أنتوني كوين أن يجعل المجموعة العربية تبدأ بالتمثيل إذ لا يعقل أن تمثل شخصية إسلامية مثل أسد قريش بأسلوب أمريكي يطغي عليه الكابوي كان أنتوني كوين يقف معجباً مشدوهاً وهو يتابع عبد الله غيث حيث قال: " لو كان عبد الله غيث في أوروبا أو أمريكا لكان له شأن آخر " وأيدته النجمة العالمية في هذا الرأي قائلة: " إن عبد الله غيث فنان عالمي على مستوى عال ".
أما في عالم التلفزيون اشتهر في العديد من المسلسلات الناجحة أولها مسلسل "هارب من الأيام" عام 1963م ولقب بعده بملك الفيديو "الصبر" و"الثعلب" و"المال والبنون" و"محمد رسول الله" و"الحرية" و"الكبرياء تليق بالفرسان" وآخرها "ذئاب الجبل" ولم يكن عبد الله راغباً في التردد على الأطباء أو المستشفيات لذلك لم تكتشف إصابته بسرطان الرئة والكبد معاً إلا في مراحلهما الأخيرة وكان وقتها يعمل في مسلسل "ذئاب الجبل" وفي مسرحية "آه يا غجر" تحامل على نفسه حتى انتهت المسرحية ولم يستطع إكمال أربعة مشاهد من "ذئاب الجبل" وأثناء وجوده بالمستشفى فوجئ بوفد ليبي ينوب عن الرئيس العقيد معمر القذافي يبلغه بأن هناك طائرة طبية خاصة تنتظره لنقله إلى أي بلد في العالم للعلاج أخبرهم طبيبه الخاص بأنه قد فات الأوان. رحل عبد الله غيث عن الدنيا في يوم الأربعاء 13 مارس 1993.
وقد تألق في مسرحيات "الحسين ثائرا" و"الفتى مهران" و"زيارة السيدة العجوز" و"الوزير العاشق".
تبنى الفنان عبد الله غيث في الفن المخرج علي غيث والذي عمل معه كمساعد مخرج في الجزء الأول من مسلسل "المال والبنون"، وبعد تأكد الفنان عبد الله غيث من نجاح التجربة انطلق علي غيث وأصبح مخرجا متميزا في القناة الأولى. ومن أعماله برنامج "زمن الفن الجميل"، و"ليالى الشرق" و"سحر الأنغام" و"الفن بين الماضي والحاضر". وبعد وفاة الفنان عبد الله غيث وفي بادرة عرفان وتقدير ممن تنبأ بنجاحه قام علي غيث ليمتعنا بأعماله الجذابة كعادته بإخراج سهرة عن حياة الفنان عبد الله غيث، والآن يتجه المخرج إلى تجربة جديدة في كتابة مسلسل تحت مسمى "نوادر أبو العريف